من أسباب الإصابة بالأمراض النفسية

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

وقال رحمه الله: المادِّيُّون يُدخِلون السرور على المريض بالموسيقا والملاهي، ولكنها واللهِ هي المرض؛ لأنه يَعقُبُها الحُزْنُ والبلاءُ والشرُّ.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...أما بعد فالأمراض والاضطرابات النفسية أسباب عديدة وقد ذكر العلامة ابن عثيمين بعضها في كتبه ومصنفاته, فمما ذكره من أسبابها:

الابتلاء من الله عز وجل:

سُئل الشيخ كانت تُصيبُني آلامٌ كثيرةٌ واكتئابٌ وضَجَرٌ وخفقانُ قلب وبكاءٌ، وكنت أحتسِب الأجر والثواب من الله, ولكن قال لي شخص: هذا دليل على ضَعْفِ الإيمان، فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله: هذا ليس من ضعف الإيمان بل هذا من البلاء الذي يبتلي به الربُّ عزَّوجَلَّ عبدَه ليبلوه أيصبرُ أم لا يصبر؟ وإذا صبَر الإنسان على هذه الأمراض واحتسب أجْرَها على الله، صارت مُكفِّرةً لسيِّئاتِه ورفعةً لدرجاته وعليه أن يسأل الله دائمًا العافية، فما أُعطي الإنسانُ شيئًا أعظمَ من العافية نسأل الله أن يشفيَ صاحبَنا من مرضِه وأن يُعافيه ويرزقه الصَّبْرَ والاحتساب

وقال رحمه الله: لا يلزم من ابتلاء الله العبد بهذه المصائب أن يكون الله قد سخِط عليه، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام يحصل له المرض، ويحصل له فَقْدُ الأحبَّة، ويحصل له الآلام، كما جُرح في غزوة أُحد وكُسِرَتْ رَباعيَتُه.

ونحن نعلم أن هذا ليس من غضب الله عليه، بل هو ابتلاء من الله عز وجل من أجل أن ينال نبيُّه محمد صلى الله عليه وسلم درجةَ الصابرين؛ فإن الصبر درجته عالية ومنزلته رفيعة، ولا يمكن أن يحصل إلَّا بابتلاء وامتحان؛ ليتبيَّن هل العبد صابر أم ليس صابرًا؟ وقال رحمه الله: الله سبحانه وتعالى يبتلي العبد بالمصائب الكبيرة العظيمة والصغيرة؛ ليبتليه هل يصبر أم يجزَع ويتسخَّط؟ فمَنْ صبَر ورضِي فله الرِّضا والأجر والثواب، ومَنْ سخِطَ فله السَّخَط.

الرفاهية المادية:

قال الشيخ رحمه الله: نحن في وقت كثُرت فيه أسبابُ الرفاهية المادية، فزادت الأمراضُ النفسية، فالدنيا إذا زادت من وَجْهٍ نقصَتْ من آخر، وقد كان الناس في الماضي أكثر انشراحًا في صدورهم من الوقت الحاضر، لكنهم في الأمور المادية أقل، أمَّا في هذا الزمان فقد كثُرت الأمور المادية وزادت العُقَدُ النفسية؛ ولهذا فما أكثر الذين يشكون من العقد النفسية!

وقال رحمه الله: الدنيا إذا لم تكن وسيلةً إلى الآخرة، فلا خيرَ فيها، حتى لو نُعِّمَ فيها الإنسانُ، فإن هذا النعيم جحيمٌ؛ ولذلك تجد أشدَّ الناس همًّا وأسًى وحُزْنًا وقَلَقًا هم أصحاب الدنيا، ولا يغُرَّنَّكَ ما عندهم من القصور والنعيم والسيارات وغيرها، فقلوبهم واللهِ أسوأ حالًا من أفقر المسلمين!

 وقال رحمه الله: وقوله سبحانه وتعالى: { جَنَّاتِ النَّعِيمِ } [يونس: 9] النعيم: كلمة جامعة، تشمل سرور القلب، وترفَ البدن، فالإنسان مُنعَّمٌ فيها في ظاهره وباطنه، أما في الدنيا فلا يمكن أن يجتمع الأمران، فالغالب أن من تنعَّمَ بدنُه فإن قلبه يغتمُّ بحُزْنٍ وعذابٍ، ومن الناس من يُجمَع له بين الأمرين والعياذ بالله.

 وقال رحمه الله: لم تكثُر الإصابةُ بهذه الأمور في العصر الحاضر إلَّا بسبب تكالُب الناس على الدنيا، والتماسِهم ترفيهَ أبدانهم دون تنقية قلوبهم؛ ولهذا كثُرت الإصاباتُ جدًّا بهذه الأمور؛ أعني: الأمراض النفسية والهموم والغموم.

المعاصي والذنوب:

قال الشيخ رحمه الله: أشدُّ الناس عذابًا قلبيًّا وقَلَقًا هم الكُفَّار، وكلما كان الإنسانُ أعصى لربِّه كان أشدَّ قَلَقًا وأقلَّ راحةً، وكُلَّما كان أشدَّ إيمانًا وعملًا صالحًا كان أشدَّ طُمَأْنينةً, وقال : الكفرة من الغربيين وغير الغربيين لا تظنوا أنهم في نعيم, والله إنهم في جحيم, قلوبهم الآن ملأى من الجحيم, مهما زانت لهم الدنيا فهم في جحيم

وقال رحمه الله: وأشدُّ الناس همًّا وغمًّا وإثمًا مَنْ يُنفقون أموالهم في اللهو والمحرَّمات, وقال رحمه الله: المادِّيُّون يُدخِلون السرور على المريض بالموسيقا والملاهي، ولكنها واللهِ هي المرض؛ لأنه يَعقُبُها الحُزْنُ والبلاءُ والشرُّ.

تصديق الأوهام:

قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((انْزِعْها؛ فإنها لا تزيدُكَ إلَّا وَهْنًا))؛ أي: وَهْنًا في النفس لا في الجسم، وربما تزيده وَهْنًا في الجسم، أما وَهْن النفس فلأن الإنسان إذا تعلَّقَتْ نفسُه بهذه الأمور، ضعُفَتْ واعتمدَتْ عليها، ونسِيت الاعتماد على الله عز وجل، والانفعالُ النفسيُّ له أثرٌ كبيرٌ في إضعاف الإنسان، فأحيانًا يتوهَّم الصحيح أنه مريض فيمرض، وأحيانًا يتناسى الإنسان المرض وهو مريض، فيُصبح صحيحًا، فانفعال النفس بالشيء له أثرٌ بالغ؛ ولهذا تجد بعض الذين يُصابُون بالأمراض النفسية يكون أصل إصابتهم ضَعْف النفس من أول الأمر، حتى يظُنَّ الإنسان أنه مريضٌ بكذا أو بكذا، فيزداد عليه الوَهْمُ حتى يصبح الموهومُ حقيقةً....وقال الشيخ رحمه الله: كثيرٌ من الناس إذا أحَسَّ أدنى مرضٍ، قال: هذه عينٌ، هذا سِحْرٌ، وما أشبه ذلك، فتتولَّد هذه الأوهام حتى تكون عُقَدًا في نفسه، ثم تكون مرضًا حقيقيًّا.

 

ضَعف الإيمان:

قال الشيخ رحمه الله: ما كثُرت الآن الآفات والأمراض النفسية إلَّا بسبب ضَعْف الإيمان لدى كثير من الناس، وإلَّا فمَنْ عنده قوة إيمان لا يُمكن أن يُصيبه شيءٌ من هذا، وأضرب لكم مثلًا بالقضاء والقَدَر، فإذا اجتهد إنسان يريد أن يصل إلى أمر من الأمور، لكن أُخلِفَ الأمرُ، وكان الواقع على خلاف ما يريد، فمَنْ عنده إيمانٌ بالقَدَر ورضًا بالله عز وجل ربًّا، فإنه يتساوى عنده الأمران، ويقول: ما أُمِرْتُ به فعلتُه، حرصْتُ على ما ينفعُني، واستعنْتُ بالله، وما خرج عن طاقتي فهو إلى ربِّي، وربِّي يفعل بي ما يشاء، ويقول: قدَّر اللهُ وما شاء فَعَلَ، فتجده مطمئنًّا تمامًا، ونفسُه راضية مع الله عز وجل في قَدَره، ومع الله في شرعه، لكن مَنْ عنده ضعف إيمان إذا جاءت الأمور على خلاف ما يريد، فإنه يتكدَّر ويندم، ويقول: يا ليتني ما فعلتُ، ولو لم أفعل كذا لكان كذا، وما أشبه ذلك، ثم تَعتريه الأمراض النفسية والهواجس.

ضَعف التوكُّل على الله عز وجل:

قال الشيخ رحمه الله: أرجو يا إخواني ألَّا يغُرَّنَّكم الذين يكتُبون عن الطالع، وحُسْن الطالع، بُرْجُ الحَمَل فيه كذا وكذا، وبُرج الثَّورِ، وما أشبه ذلك؛ لأنه لا يعلَم ما في المستقبل إلَّا الله عز وجل؛ لذلك يا إخواني لا تغترُّوا بهؤلاء ولا بكلامهم، وما أصاب ما أصاب مِن المسلمين اليوم من التخيُّلات والأفكار والأزمات النفسية إلَّا بمثل هذا التصديق، وما أكثر الأزمات النفسية الآن؛ لأنه أصبح الناس قلوبهم فارغة من التوكُّل على الله عز وجل؛ فتوكَّل على الله، واصدُقْ مع الله عز وجل في التوكُّل عليه، واترُكْ هؤلاء المشعوذين الأفَّاكين؛ فهؤلاء يلعبون بعقول الناس، فدعوا هؤلاء يا أيها المسلمون، والله لن يُصيبنا إلَّا ما كَتَبَ اللهُ لنا.

                   كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ