إن الحلال بين وإن الحرام بين

محمد سيد حسين عبد الواحد

أما اليوم فقد استحدث الناس أساليب جديدة استحدث الناس أساليب متطورة لكسب الحرام يسمون هذه الأساليب بغير أسماءها بل وهناك من يعمل فقط في هذا المجال مجال خداع العملاء وتزييف الحقائق ..

  • التصنيفات: دعوة المسلمين -

ورد عند الترمزي من حديث عبد الله بنِ مَسْعُودٍ أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ « لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ»

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم

اليوم موعدنا لنتحدث عن صفة من صفات المتقين وهي ( طيب المطعم )

وإن شئت فقل إن المتقين لا يأكلون ولا يشربون إلا من حلال فكما أن المؤمن يتقي الله في قوله وكما أن المؤمن يتق الله في عمله كذلك المؤمن يتق الله في كسبه فمطعم المؤمن من حلال ومشربه وملبسه من حلال ..

أمر الله تعالي أنبياءه ورسله فقال {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وأمر المؤمنين فقال  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

مهما العبد صلي وقام وتصدق وصام فعمله لا يتمُّ ولا يُقبل ولا يُؤذن له في أن يُرفع ولا تُفتح له أبواب السماء إلا إذا توفرت له خمس خصال :

أما الأولي :

فإيمان بالله ..

وأما الثانية :

فمعرفة بالحق ..

وأما الثالثة:

فإخلاص العمل ..

وأما الرابعة :

فالعمل بالسنة ..

وأما الخامسة :

فأكل الحلال ....

قال بعض السلف إن فقدت واحدة من هذه الخصال الخمس لا يرتفع العمل ولا يقبل ولا تفتح له أبواب السماء ..

قلت : ويشهد لهذا حديث النبي صلي الله عليه وسلم إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } وقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ]

كسب الحلال في نظر المؤمن :

قربة وعبادة يتقرب بها إلي ربه وقد سأل الصحابة رسول الله فقالوا : يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ فقال كسب الحلال وأن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل »

كسب الحلال صورة من صور الإحسان إلي النفس يبتغي بها المؤمن غفران الذنوب وستر العيوب ورضا علام الغيوب ..

وفي الحديث يقول النبي عليه الصلاة والسلام «من بات وانيا يعني ( مُتعباً ) من طلب الحلال ، بات والله عز وجل عنه راض»

كسب الحلال في نظر المؤمن :

وسيلة يتحبب بها ويتودد بها إلي الله تعالي وفي ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام « طلب الحلال جهاد ، وإن الله عز وجل يحب العبد المحترف »

كسب الحلال في نظر المؤمن:

صورة من صور العمل الصالح الذي يبيض وجه صاحبه يوم القيامة ..

وفي الحديث «من طلب الدنيا حلالا واستعفافا عن المسألة وتَعَطُّفاً على جاره وسعياً على عياله جاء يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر» أو كما قال النبي صلي الله عليه وسلم

أيها الإخوة الكرام كونوا علي يقين تام:

بأن الله تعالي لم يخلق عبدا من عباده ثم نسيه حاشا لله أن يضل حاشا لله أن ينسي { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

إن الله تعالي بلطفه وكرمه قبل أن يخلق الإنس والجن والطير والبهائم والهوام قدر المقادير وكتب لكل مخلوق رزقه من طعام وشراب وكساء وزوج ومال وعيال وأنفاس بحيث لا يموت عبد من عباد الله إلا وقد استوفي رزقه من طعام وشراب وكساء وزوج ومال وعيال وأنفاس كاملا غير منقوص ..

قال النبي عليه الصلاة والسلام

« إن روح القدس نفث فى روعى أن نفسا لن تموت حتى تستوفى رزقها فأجملوا فى الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئا من فضل الله بمعصية الله فإنه لن يُنال ما عند الله إلا بطاعته»

قد يكون الحلال قليلاً :

قد تكون المعيشة الحلال كفافاً ومتعسرة لكنها بفضل الله تعالي تكون مباركة تكون صالحة تكون هادئة ليس فيها منغصات ليس فيها همّ ولا غمّ ولا قلق ولا خوف تصحبها القناعة ويصحبها الرضا ...

ورد في صحيح مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس قال النبي عليه الصلاة والسلام فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام »

الحلال بَيِّن وطلب العيش مشروع وأبواب الحلال واسعة ونعم الله متكاثرة والحلال ما اطمأنت إليه النفوس واطمأنت إليه القلوب والحرام ما حاك في النفوس، وتردد في الصدور، وكرهنا أن يطلع عليه الناس.

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا }

الرزق مكتوب أيها المؤمنون :

والأجل محتوم ومصير هذه الدنيا مهما عظمت ومهما كثر نعيمها ومتاعها إلى الزوال والمآل في الآخرة إلى حساب قد يكون كسب الحرام سهلاً وقد يزينه لك الشيطان وقد يكون كثيراً ومغرياً لكنه يرجع بالخراب والشؤم والفساد علي العبد في دين وفي بيته وفي نفسه وفي زوجه وفي ولده وكان الحساب عليه يوم القيامة عسيراً ..

وإن العبد إذا استغنى بالحلال عن الحرام :

في مأكله ومشربه وملبسه ومنكحه فالله تعالي يبارك له في سعيه ويتولاه برعايته ويحفظه بعنايته في نفسه وفي أهله وفي ولده وفي ماله وفي أجيال وأجيال من ذريته من بعده يقول محمد بن المنكدر عليه رحمة الله إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظٍ من الله وستر ببركة ذلك الرجل الصالح

{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}

قرأت مؤخراً في طبقات الحنابلة ..

أنه ما من عبد يخرج من بيته يسعي علي رزقه ويلتمس الحلال ويطلبه ويترك الحرام وينصرف عنه لله وابتغاء مرضاة الله إلا عوضه الله خيراً مما ترك

أن رجلاً من صالحي هذه الأمة قال عن نفسه كنتُ مجاورًا بمكة فأصابني يومًا من الأيام جوع شديد لم أجد شيئًا أدفع به عني الجوع، فوجدتُ كيسًا علي الأرض فأخذته وفتحته فوجدتُ فيه عقدًا من لؤلؤ لم أرَ مثله قال فخرجتُ فإذا رجل بيده خمسمائة دينار وهو ينادي هذا لمن يَرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ..

قال فناديته وقُلت له تعالى إليّ وسألته ماذا فقدت ؟ قال فقدت كيساً فيه عقد من لؤلؤ عدد اللؤلؤ كذا ولونه كذا ولون الخيط المَشدُود به كذا قال فأخرجته ودَفعته إليه. فتهلل وجه الرجل فرحاً فأخذه مني ثم مدّ يده إليّ بخمسمائة دينار قال فوالله ما أخذتها وإن بي من الجوع ما لا يعلمه إلا الله فقلت لن آخذ عليه أجراً إلا من الله قال فألح عليَّ كثيرًا فلم أقبل ذلك منه فتركني ومضى.

قال الرجل وبقيت في مكة ما شاء الله ثم إني خرجتُ من مكة أريد بلدي فركبتُ البحر فبينما نحن في وسط البحر انكسر السفينة وغرق الناس وهلكت أموالهم، قال وسلمتُ أنا ونجاني ربي قلت صدق رسول الله  «صنائع المعروف تقي مصارع السوء » 

قال فبقيت مُدّةً في البحر لا أدري أين أذهب، فدفعتني الأمواج إلى جزيرة فيها قوم من المسلمين فقعَدتُ في مسجد لهم فسمعوني أقرأ القرآن فلم يبق في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليّ وقال علمني القرآن ثم إني رأيتُ في ذلك المسجد أوراقًا من مصحف فأخذتها أقرأ فيها فقالوا لي أتحسن الكتابة ؟ فقلت نعم فقالوا علمنا الخط قال ثم قالوا لي بعد ذلك يا فلان إنك تعيش بيننا وليس لك فينا زوج ولا ولد وإن عندنا صبيَّةً يتيمة ولها شيء من المال فهل لك أن تتزوج بها؟ فأجبتهم إلى ذلك.

قال فلما زفوها إليَّ مددتُ عيني أنظر إليها فوجدت ذلك العقد الذي كنت قد وجدته بمكة معلقًا في عنقها قال فجعلت أنظر إليه فقالوا يا فلان كسرتَ قلب اليتيمة تنظر إلى العقد ولا تنظر إليها !! قال فأخبرتهم الخبر فصاحوا وهللوا وكبروا حتى بلغت أصواتهم إلى جميع أهل الجزيرة فقلتُ ما بكم ؟

فقالوا ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية وكان يقول: ما وجدتُ في الدنيا مسلمًا ورعاً أفضل عندي من الرجل الذي رد عليَّ هذا العقد وكان يدعو ويقول اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي .. فسبحان من أتي بك إلينا وسبحان من سمع الدعاء وحقق الرجاء ..

كان بوسع الرجل قبل سنوات أن يدس العقد في جيبه من غير أن يشعر به أحد لكنه ترك الحرام لله فعوضه الله خيراً منه .. رجع العقد إليه لكنه رجع حلالاً وفوق العقد زوجة صالحة بنت رجل صالح ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ....

الخطبة الثانية

{قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ}

بقي لنا في ختام الحديث أن نقول : كلما مر الزمان استحدث الناس أساليب جديدة لكسب الحرام ولأكل أموال الناس بالباطل كنا قبل سنوات نتحدث عن الغصب عن السرقة عن أكل الربا عن أكل مال اليتيم عن الغش ....

أما اليوم فقد استحدث الناس أساليب جديدة استحدث الناس أساليب متطورة لكسب الحرام يسمون هذه الأساليب بغير أسماءها بل وهناك من يعمل فقط في هذا المجال مجال خداع العملاء وتزييف الحقائق ..

أصبحت أساليب الغش اليوم لا حصر لها وطرق أكل أموال الناس بالباطل أصبحت تفوق الخيال يخادعون الناس يكذبون علي الناس يغررون بالناس من أجل عرض من الدنيا قليل قليل مني وقليل منك وقليل من الآخر لتكون المحصلة في نهاية المطاف ملايين في دقائق معدودة هذه الملايين كلها حرام جمعت من حرام وسوف تشتعل عليهم يوم القيامة ناراً تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ..

كلمة واحدة نقولها لكل من سولت له نفسه أن يتفنن في أكل الحرام نقول له إن استطعت أن تخدعني فلن تستطيع أن تخدع الله إن استطعت أن تحتال عليَّ فلن تستطيع أن تحتال علي الخالق إن استطعت أن تفلت من سؤال المخلوق ومن عقاب المخلوق فلن تفلت من سؤال الله ولا من عقابه وقد خاب من حمل ظلما ..

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }