كيف يمكن للمسلم أن يواظب على جدول أعماله

حسين عبد الرازق

سألني كثيرٌ من الشباب :كيف يمكن للمسلم أن يواظب على جدول أعمالِه اليومية النافعة في وسط تلك الأخبار و المصائب والحوادث، ومع عنايته بأخبار المسلمين في كل مكان.. كيف، ألا يتأثرُ؟

  • التصنيفات: تزكية النفس - قضايا إسلامية معاصرة -

سألني كثيرٌ من الشباب :كيف يمكن للمسلم أن يواظب على جدول أعمالِه اليومية النافعة في وسط تلك الأخبار و المصائب والحوادث، ومع عنايته بأخبار المسلمين في كل مكان.. كيف، ألا يتأثرُ؟


قلتُ باختصار : أما التأثُّر فإنه كبير، وقوي وشديد، وأي مسلم لا يشغله المسلمون ولا يهتم لهم ولا يحزنُ لحُزنهم ولا يفرح لفرحهم فهو ناقص الإيمان


وأمّا أن يكون حُزني  يُقعدني عن العمل أو يبعثَ في نفسي اليأس والقنوط فبالعكس، إنما يزيدُ همّتي اشتعالا، فإذا لم يعملِ الإنسان في تلك الأوقات.. فمتى يعملُ، بل هي خيرُ تفاعُل مع الأحداث.. . ولا قوة الا بالله 

أما بتفصيل: فأقسم بالله العظيم إن أمر المسلمين لهو أعظمُ ما يشغلني في هذه الحياة الدنيا، وبه أفرح وعليه أحزنُ، وله أعملُ، وإن قلبي ليمتلأ حُزنًا و غيظًا، وأُطيلُ التفكير كثيرا ويذهبُ نَومي ولا أجدُ طعمًا للأكل ولا مُتعةً بفُسحةٍ ولا بمكانٍ جميل ولا راحة وأنا أرى مصائب تنزل بالمسلمين وحوادث


 وأنا أعلمُ أن عددا من أحبابي وخيرة المسلمين مُعذّبون في سجون  الظالمين، و غيرُهم يُهانون ويُستضعفون ويُقهرون. 
وأرى عددا من شباب الإسلام ناقمًا على دينه أو خارجًا عنه قد اتّبع شياطين الإنس والجن، وغير ذلك مما يُحزنُ القلبَ الحيّ 
فأُكثِرُ للمسلمين جميعا الدعاء
ولكني أعلم أن الله تعالى رقيب وبكل شيء مُحيط وعلى صراط مستقيم، ولا يظلمُ مثقال ذرة، وأنه لن يُضيع حق المظلوم ولن يُفلت منه الظالمُ


-وأن ذلك امتحان و ابتلاء يُستخرَج به معاني الإيمان والصبر والعمل وتُكفّر به الخطايا وتُرفع به الدرجات 
-كما أعلمُ أن الله لطيف
-وكما أن في الأخبار ما يُحزنك ففيها ما يُفرِح بحمد الله، و الخير موجود ونماذج الخير كثيرة بحمد الله
-وأن نِعمَ الله علينا  كثيرة لا تُحصى، وأعظمُها أننا مسلمون
-وأن أعظم صورة للاهتمام بشأن المسلمين أن تنصرهم ما استطعتَ وتنفعهم بما تملك
-وأن العبد مُحاسَبٌ على عمله وعلى ما يقدر عليه 
- فأستعينُ الله وأُحاول أن أتماسَك وأجمعَ نفسي لأقوم بأعمالٍ أرجو أنها تكون معذرةً إلى الله
-وكم تُحدّثني نفسي بترك تلك أعمالي، وأنها لن تؤثر شيئا فيكون جوابي:
-بل هي واللهِ عظيمة، لو لم يكن فيها سوى أني مشغول بالخير ، وبنشره وساعٍ فيه، وأني لستُ جزءا من الباطل = لكفى
-ولستُ مسؤولا عن فساد العالم ولا عن صلاحه بل مسؤول عما بين يدي مما أستطيعه
-وكلُّ تلك المحن و المصائب وأشدُّ منها مرّت بمن قبلنا من الصالحين {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.


فما كانت تُقعِدهم عن الخير ولا تُضعفُهم بل ما تزيدُهم إلا إيمانا وعملا وتسليمًا
 فهذا وأمثالُه هو الذي يُصبّرُني اللهُ به
-ونعوذ بالله من حُزنٍ يُقعِد عن العمل ويبعث اليأس في النفس ويُبرر الكسل
بل أبُث الأمل في النفوس وأُشجعُها على العمل والسعي وأفتحُ لهم أبواب الخير ليقوموا بواجبهم
والله تعالى مع الذين اتقوا والذين هم مُحسنون

ومِن أظهر علامات قوةِ القلب وقوة الإيمان :
أنْ تحافظ على وِردك من العمل الصالح في حالِ شدة الفرح، وشدة الكرب ولا يبلغ بك الحزنُ أن تترك أعمال الخير، ولا يشغلك الفرح عنها فتُضيّعَها
قال الله  تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.
هذا استثناءٌ للمؤمن من بين هؤلاء الذين تُغيّرهم الحوادث و يُفتَنون.
فإنّه لا تُغيّره الحوادث، والاختبارات باليُسْر و العُسْر 
لا يتغيّر ما به من عمل الصالحات و أداء الحقوق من الصبر و الشُّكر و الرّضا في رخاء أو شدّة

هذا ميزانٌ يُمكن أن يزن به العبدُ نفسه:
هل يتأثّر عمله و حالُه بما يمرّ به من نعمةٍ و ضرّاء ؟
قال الله تعالى عن عبدِه النبيِّ الكريم أيوب عليه السلام، يذكُر حالَه مع الابتلاء العظيم الذي تعرّض له : 
{إنّا وجدْناه صابِرا،نعم العبدُ إنّه أوّاب} وجدناه صابرا على البلاء صبرًا جميلا
لا يحمله البلاءُ على الخروج عن طاعة الله، والدّخول في معصيته
بل هو إلى طاعة ربِّه مُقبِلٌ، وإلى رضاه رجّاعٌ…