التنمية الشاملة

محمد سيد حسين عبد الواحد

التى لأجلها تنزلت الحكم والمواعظ والآيات إخراج الناس من الجهالة إلى الحلم ومن الضلالة إلى الهدى ومن الشقاوة إلى السعادة فى الدنيا والآخرة

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم جائت رسالات السماء قاطبة وعلى رأسها رسالة النبى محمد صلى الله عليه وسلم لتحقق الخير وتدفع الشر عن جميع بني آدم لتجلب السعادة وتذهب الشقاوة عن الجميع جاءت لتبث الأمن وتغلق ابواب الخوف والفزع ..

جاءت رسالات السماء على أيدى الرسل والأنبياء لتعلم الجاهل وتقوم المعوج ولتنتشل الناس من ظلمة الشرك والفسق والفجور والعصيان إلى أنوار التوحيد والحياء والإحسان {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }

من أهم المقاصد :

التى لأجلها تنزلت الحكم والمواعظ والآيات إخراج الناس من الجهالة إلى الحلم ومن الضلالة إلى الهدى ومن الشقاوة إلى السعادة فى الدنيا والآخرة

حينما نقرأ ونتأمل ونتدبر فى آيات الله تعالى :-

نلحظ أن رباطاً متيناً بين سعادة الإنسان وبين الإيمان بالله والعمل الصالح {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

رباط عجيب بين الإيمان بالله والعمل الصالح وبين الهناء وبين الرخاء وبين البركة ورغد العيش فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ..

الإيمان فى قلوبنا أيها المؤمنون :

لا يسير على وتيرة واحدة , مؤشر الإيمان فى صدورنا لا يثبت على حال واحد هو تارة فى أعلى عليين وتارة فى أسفل سافلين تارة يزداد الإيمان حتى يُرى على قسمات الوجوه وتارة يتناقص حتى يكون كسراب يحسبه الظمآن ماءً ..

أخرج الإمام أحمد من حديث معاذ بن جبل رفعه إلى النبى صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يزيد وينقص ..

وأخرج الحاكم فى مناقب الشافعى عن الربيع قال سمعت الشافعى يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص يزيد بطاعة الله وينقص بالمعصية ثم قرأ قول الله تعالى

{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا }

حتى يبق الإيمان فى قلوبنا حيا يتنامي يوما بعد يوم وحتى يبارك لنا فى أموالنا وأولادنا وأعمارنا نحن بحاجة لأن نحافظ على ما فى صدورنا من إيمان نحن بحاجة إلى تنمية هذا الإيمان وزيادته وتجديده فى قلوبنا كل لحظة ..

ماذا تقولون أيها المؤمنون :-

فى ثوب ورثته عن أبى رحمه الله ورحم سائر أموات المسلمين وكان أبى قد ورث ذلك الثوب عن جدى رحمه الله ورحم سائر أموات المسلمين هذا الثوب أنا ألبسه قبل عشرات السنين فى الشتاء أنا ألبسه وفى الربيع لا أخلعه وفى الصيف لا أغيره والخريف لا أجدده هو علىّ لا أنزعه هو معى فى جدى وهزلى ومعي حال طعامي وشرابي ومنامي ..

ثوب إذا اتسخ لا يُغسل وإذا قطع لا يُرقع وتمر عليه الأعوام ولا يُجدد , أحسبكم تقولون وأنا لكم غير متهم أنه ثوب بالٍ خلقٍ ممزق مُهلهل لا يساوى فى سوق الثياب قليلاً ولا كثيراً

أقول لكم هذا هو حال الإيمان فى القلوب أيها المؤمنون إذا غفل عنه صاحبه وأهمله وتركه بلا تنمية ولا زيادة ولا تجديد تمزق ذلك الإيمان وتهلهل حاله كحال الثوب المذكور تماماً بتمامٍ ..

قال النبي صلى الله عليه وسلم « إن الإيمان ليَخْلَقُ في جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب فأسالوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم»..

أى معصية أقع فيها وأى ذنب أصيبه يكون له أثر على درجة الإيمان فى قلبى لا شك فى ذلك فإيمان الكذاب لا يتساوى أبداً مع إيمان الصادق , وإيمان الغادر الخائن لا يستوى أبداً مع إيمان الوفىّ الأمين , وإيمان المؤذى لجاره وإيمان الحاقد والحاسد والظالم والغاصب لا يستوى أبداً مع إيمان من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ..

فى حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم :-

تكلم عن رجل يسرق أموال الناس وعن رجل ثانٍ ينتهك الحرمات ويعتدى على الأعراض وعن رجل آخر يشرب الخمر ويقول لأمر ربه سمعنا وعصينا ...

أتدرون ماذا قال عنهم النبى صلى الله عليه وسلم قال عن السارق إنه حال سرقته لا يكون مؤمناً وقال عن المعتدى على الأعراض إنه حال إقترافه للفحشاء لا يكون مؤمناً وشارب الخمر حين يشربها لا يكون مؤمناً ...

يُنزع الإيمان من قلوبهم حال اقتراف الذنب فيبقى فوق رؤوسهم كأنة ظلة ..

ولذلك كان ابن عباس رضى الله عنهما يقول لغلمانه من أراد منكم الباءة زوجناه فإنه لا يزنى منكم زان إلا نزع الله منه نور الإيمان ثم إن شاء الله أن يرده رده وإن شاء الله أن يمنعه منعه ...

فى سورة الأعراف الله تعالى يقول :-

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ }

هذه الآيات نزلت فى رجل من بني إسرائيل، صحب موسى عليه السلام ومنحهُ اللهُ عز وجل نعمةَ العلم والفهم والفقه والحفظ للآيات التى أنزلها الله على موسى عليه السلام

هذا الرجلُ كما قال أهلُ التفسير بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلى ملك مدين يدعوه إلى الله، فأقطعه ذلك الملك أرضاًً وأعطاه مالاً وشاءً ونََعَماً فتبع الرجل دين الملك وترك دين موسى عليه السلام ..

رأى دنياهَم وكنوزَهم وذهبَهم وفضتَهم ورأى الشهوات والمغريات فاستهواهُ هذا فكفرَ الرجل باللهِ العظيم، وقدمَ الدنيا على الآخرة، وقدمَ موعودِ أهلِ الدنيا على موعودِ ربِ الدنيا والآخرة ثم أذنب وأصر على ذنبه فسلبَ اللهُ الإيمان منه ولم يرده إليه حتى مات وضرب الله به مثلاًُ مُشيناً فقال :

{فَمَثَلُهُ كمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}

هذا القصص حفظ فى كتاب ربنا وجرى على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم حتى نتعظ فالسعيد من وعظ بغيره

فعلى الإنسان أن يحافظ على إيمانه :

على الإنسان أن يعمل على زيادة إيمانه وأن يجدد إيمانه قال النبى صلى الله عليه وسلم «جددوا إيمانكم، قيل يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال أكثروا من قول لا إله إلا الله» 

جدد إيمانك بكثرة ذكر الله تعالى جدد إيمانك بكثرة الركوع والسجود للواحد المعبود سبحانه وتعالى

جدد إيمانك بالإحسان إلى جارك

جدد إيمانك بالإحسان إلى والديك جدد إيمانك بصلة الرحم جدد إيمانك واقرأ كثيراً وتدبر فيما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم

جدد إيمانك بكثرة العمل الصالح فليس الإيمان بالتمنى ولكن الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل وإن قوماً غرتهم الأمانى حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل كما دل على ذلك حديث النبى صلى الله عليه وسلم

الخطبة الثانية

بقى لنا فى ختام الحديث أيها المؤمنون أن نقول إن دعوة الإسلام إلى التنمية ليست فقط فى تنمية الإيمان ولكن الإسلام يتحدث عما هو أشمل وأوسع

الإسلام يريد من المسلمين أن يواكبوا العصر وأن يُطوروا من أنفسهم وأن يعيشوا واقعهم وأن يكونوا دوماً فى طليعة الأمم متقدمين متفوقين

الإسلام يسعى إلى الزيادة ويسعى إلى الريادة فى كل مناحى الحياة الإسلام يتكلم عن ضرورة أن ينمى المسلم نفسه إيمانياً {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

وفى نفس الوقت الإسلام يتكلم عن ضرورة أن ينمى المسلم نفسه علمياً حتى يُفيد نفسه ويفيد الناس وفى التنزيل الحكيم {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }

الإسلام يتكلم عن ضرورة أن ينمى المسلم نفسه اقتصادياً بالعمل المتقن والسعى فى الأرض وبالكد وبعرق الجبين حتى يأكل المرء من عمل يده وحتى يملك دواءه وغذاءه وكساءه وفى الحديث الشريف

«إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها»

الإسلام يتكلم عن ضرورة أن ينمى المسلم نفسه اجتماعياً وأحسب أن هذه دعوة إلى مخالطة الناس دعوة إلى التعارف والتآلف :

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}

دعوة الإسلام إلى أن ينمى المسلم نفسه اجتماعيا أراها دعوة إلى التعاون فيما ينفع العباد والبلاد انطلاقاً من قول ربى :

 {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

الإسلام يتكلم عن ضرورة أن يكون المسلم عاملاً منتجاً معمراً مصلحاً قدر المستطاع قَالَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم :

 «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فَقَالُوا يَا نَبِىَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ»