كيف ندرب أطفالنا على صيام رمضان؟

يستقبلُ الأطفالُ شهرَ رمضان كلَّ عام بحفاوةٍ بالغةٍ قد تفوقُ حفاوةَ الكبارِ أنفسِهم، ويضعُ كلُّ طفل لنفسه طريقةً خاصة في الاحتفال بهذه المناسبة التي لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عام.

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
كيف ندرب أطفالنا على صيام رمضان؟

يستقبلُ الأطفالُ شهرَ رمضان كلَّ عام بحفاوةٍ بالغةٍ قد تفوقُ حفاوةَ الكبارِ أنفسِهم، ويضعُ كلُّ طفل لنفسه طريقةً خاصة في الاحتفال بهذه المناسبة التي لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عام.

فكيف نستغلُّ حفاوةَ أطفالنا بهذا الشهر الفاضل؟ وكيف نعلّمهم الصيام؟ وكيف نغرسُ في هذه القلوب البريئة تعاليمَ الإسلام وفرائضَه؟ وكيف نجعلُ شهرَ رمضان محطةَ وقود يتزودُ منها كلُّ المسلمين الكبيرُ منهم والصغيرُ بجرعة إيمانية تكفيه طوال العام؟...

هذه الأسئلة وغيرها لها إجابات في هذا التحقيق..


لا تنسَوا المكافأة:

الدكتور محمد المرصفي عميد كلية التربية بجامعة طنطا يؤكِّدُ أن الصومَ فرصة عظيمة لخلق إرادة قوية داخل الطفل وتعويده تحملَ المسؤولية، ويقول: من المناسب أن تقترن هذه التجربةُ بمكافأة مادية تُقدَّم في نهاية يوم الصوم، أو في نهاية الشهر الكريم، مع الأخذ في الاعتبار أن الطفل عادةً يحب المكافأةَ السريعة، وهو ما يدفعُه ويجعله يستمر فيما يقوم به من تكاليف، حتى تصبح هذه التكاليفُ عقيدةً وسلوكاً.


ويقول: ومن الطرق المفيدة هنا أيضاً أن يقترن الصومُ في حياة الطفل بذكريات مُفرحة وسارّة، وذلك يشجّع الطفلَ ويحفزه على انتظار شهر رمضان بتلهف وتوقع لما استودع في ذاكرته من أحداث مفرحة إبانَ صومِه أول مرة.


ويحذر د. المرصفي من الأخطاء التي يرتكبُها بعضُ أولياء الأمور، وذلك بمنعِهم أبناءَهم الصغار من الصوم بحجة الخوف على صحتهم، أو بحجة أنهم لم يبلغوا السن التي يجب عليهم فيها الصومُ، ويقول: في حقيقة الأمر هذا السلوكُ إساءة للأبناء، وليس إحساناً لهم كما يتصور البعض؛ فعلى الأهل أن ينتبهوا لهذه الأمور، وعليهم بالمقابل أن يستثمروا إقبالَ أبنائهم على الصوم، وذلك بتشجيعهم والأخذ بيدهم على هذا الطريق الذي يحتاجُ إلى دعم معنوي من الأهل قبل كل شيء.

وأهم من ذلك أنه يجب على الأم ألا تخاف على طفلها من الصيام؛ لأنها ستفاجأ بطفلها مقبلاً على الصيام بحماسة شديدة جداً تشبهاً بوالديه وإخوته الكبار، ولما يحويه الشهرُ الكريم من عادات وتقاليد محببة، وبخاصة اجتماع العائلة حول مائدة الإفطار والسحور، ناهيك عن التقاليد الشعبية التي يتميز بها شهرُ رمضان في كل بلد من بلادنا الإسلامية.


ويرى د. المرصفي أن تدريبَ الأطفال على الصيام يجبُ أن يكون تدريجياً، ووَفْقَ الظروف الصحية للطفل، ففي شهر رمضان من كل عام يرى الطفلُ والديه والكبارَ من الأقارب والجيران والمدرسين يصومون، فيشعرُ بالغيرة والرغبة في تقليدهم، لذا يجب أن نعينه على ذلك، وننتهز هذه الفرصةَ بأن نشجعه ونتركه يصوم لمدة ساعتين مثلاً، ثم نزيدُ عدد الساعات حسب قدرة الطفل، وإذا رغب في الطعام تركناه حتى يشعر أن هذا أمر يخصه، وأنه شيء بينه وبين ربه، ولا ينبغي أبداً أن نخاف عليه من الضعف والهزال.

والأهم ألا ننسى مكافأته على اجتياز الصوم بنجاح، ويكونُ ذلك بزيادة مصروفه، ومعاملته بحنان ورقة أكثر.


يقوِّي مناعةَ الطفل:

الدكتورة هيام الشاذلي خبيرةُ التغذية بالمركز القومي للبحوث تؤكدُ أن صيامَ الأطفال غيرُ مضر؛ خاصة إذا أتم الطفلُ عشر سنوات؛ لأنّ الصوم ينشّط بعضَ الهرمونات خاصة هرمون النمو ينشط بالصيام، وكذلك بالنوم، وتقول: إن الصوم لا يعيق نمو الأطفال بعد السنوات العشر، ولكن يجب أن يكون الصومُ تدريجياً؛ يصوم بضع ساعات في اليوم، ثم يزيد عدد الساعات إلى أن يتم اليوم كله، وكذلك يكون اختيارياً وتحفيزياً، حتى لا نعلّم أطفالنا الكذب، أما قبل هذه السن فيجب مراعاة البنية الجسمية للأطفال وقابليتهم للصوم.


وقد أثبتت الدراساتُ والبحوثُ الميدانيةُ الحديثة التي أجريت على مجموعات من الأطفال الذين يصومون رمضان أن النمو البدني والنفسي لدى هؤلاء الأطفال يكون أحسنَ بكثير من غيرهم، وأنهم أكثر قدرة على تحمل المسؤولية.


وتقول: صيامُ الطفل وهو في العاشرة لن يُشعره بأية متاعبَ صحيةٍ؛ أما إذا صام وهو فى السابعة أو ما قبلها فسيكون ذلك خطرًا على صحته؛ لأن كل طفل في هذه السن سيكون في أمس الحاجة إلى المواد الغذائية التي تلاحق نموَّ جسمه السريع، وتحميه من الأمراض التي قد يتعرضُ لها.


وهناك أكثر من طريقة لتعويد الأطفال الصيام: الطريقة الأولى: اتباع طريقة التدرج بجعل الطفل يصوم حتى الساعة 12 ظهراً، ثم إلى الساعة 2 بعد الظهر، وبعد عدة أيام من تعويده الصيام للظهر، ثم حتى صلاة العصر إلى أن يصل لاستكمال اليوم صائماً حتى وقت أذان المغرب.


وهناك طرق أخرى هي تعويد الطفل الصيام على مرحلتين على عامين مختلفين أي يصوم في هذا العام نصف صيام ثم يصوم في العام المقبل صياماً كاملاً.


لا للصوم في هذه الحالات:

الدكتورة شاهيناز محمود أستاذة طب الأطفال بجامعة الأزهر ترى أنه يجب على كل أم مراقبةُ ابنها أو ابنتها في أثناء الصوم، فإذا شعرت بإرهاق شديد أو مرض على طفلها لا يتحملُ معه الصيامَ فينبغي لها أن تسارع بإطعامه، وتذكر أن هناك بعضَ الأمراض تمنعُ الطفل من الصيام، وخاصة أمراض الكلى؛ لاحتياج الطفل الدائم للسوائل، وكذلك أمراض السكري والسل والأنيميا، وقرحة المعدة وغيرها من الأمراض التي يبينها الطبيب المختص.


وتؤكد د. شاهيناز أن التدرج في صيام الأطفال بما يعني زيادةَ عدد ساعات الصوم يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة يؤدي إلى توازن الجسم في استقبال التغيرات الفسيولوجية التي تحدث نتيجة للصيام، ومن ثم يستطيعُ الطفلُ الصيامَ وهو في حالة صحية سليمة ودون تعب أو مشقة وفى إيمان وخشوع.


لكُلّ أم:

تنصح د. شاهيناز بتعجيل إفطار الطفل بتناول بعض التمر أو العصائر المحببة له، أو الماء المحلى بكميات قليلة وبتمهل اقتداء بالنبي –صلى الله عليه وسلم– فقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم– يفطر على رطبات قبل أن يصلى، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حَسَوَاتٍ من الماء .


ويجب ألاّ نجعل الطفلَ يشربُ الماء البارد مباشرة ساعةَ الإفطار؛ لأن ذلك يربك جهازَه الهضمي ويعطل الهضم، ويفضَّل تناولُ السوائل الدافئة مثل (الشوربة)؛ لأنها تنبه المعدة.

وتشير د. شاهيناز إلى أهمية أن يكون غذاءُ الإفطار متوازناً، وأن يحصل الطفل على السعرات الحرارية اللازمة له، وينصح باحتواء هذه الوجبة على البروتينات التي تساعد على بناء الأنسجة الجديدة وتعويض ما ينهدم منها.

ويراعى تأخيرُ وجبة السحور بقدر الإمكان اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.


وأخيراً يجب أن تراعي الأسرةُ الحدَّ من المجهود البدني الذي يبذلُه الطفل في الصيام، أما المجهود الذهني فمسموح به، ولذلك فالاستذكارُ غير مجهد، ويمكن أن يذاكر الأطفال خاصة وقت ما قبل الإفطار.


أسوةٌ بالصحابة:

الدكتور أحمد يوسف سليمان أستاذُ الشريعة الإسلامية يؤكد أن تعويد الأبناء أداء فرائض دينهم وتربيتهم عليها منذ وقت مبكر أمر ضروري جداً كي لا يشق الأمرُ عليهم حين البلوغ ويقول: تدريبُ الأبناء وتعويدهم صيام شهر رمضان يعد مدخلاً للالتزام بجميع تعاليم الإسلام الأخرى؛ كالصلاة، وقراءة القرآن، وحسن الخلق، واحترام الوقت، والنظام، ونحو ذلك من الأحكام والآداب الإسلامية التي ربما لا يسعفُ الوقت في غير رمضان لتعليمها وتلقينها.


ويشير الدكتور (أحمد يوسف) إلى أن الطفل غير مكلف بالصوم، ولكن كما كان يفعل الصحابةُ مع الأطفال يصومون ويلاعبونهم بالأشياء التي تنسيهم الطعامَ حتى يأتي المغربُ، ولا مانع من تعود الصوم يوماً أو بعض يوم؛ فيصوم الطفلُ إلى الظهر، ثم إلى العصر، ثم إلى المغرب، يصوم يوماً ويفطر يوماً، ثم يومين ويفطر ثم ثلاثة وهكذا.


ولابد من الترغيب في الصوم بالأشياء التي يحبها الأطفال من ترفيه وشراء أشياء ما دام صغيرا لا يدرك فضل الصوم عند الله، فإن أدرك فنحدثُه عن فوائد الصوم الصحية والنفسية والدنيوية والأخروية، هذا مع أب يصوم وأم تصوم، ولا تظهر له أنها تأكل في أيام حيضها حتى لا تهدم ما بنت.


ومن الطرق المفيدة والمجدية في تعويد الأطفال الصيام والإقبال عليه: التوجيه والإرشاد اللطيف، والتبيان لهم أن الصوم أحدُ أركان الإسلام، وأن الله -سبحانه وتعالى- شرعه لفوائد دينية ودنيوية، ومن ثم تشجيعهم على المبادرة إلى صيام هذا الشهر الكريم.

____________________________________________

الكاتب: إيمان الحلواني