رد المظالم يوم العدل المطلق

فديوان المظالم بين العباد يستوفيه الله كله دونما نقصان فالخير كل الخير في التحلل من المظالم في الدنيا قبل الآخرة حيث لا يجدي الندم

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

 

بقلم/ ماهر جعوان
 

يوم العدل المطلق، فيه توفى الحقوق وتسترد المظالم، فديوان المظالم يستوفيه الله كاملا

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ}  {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا

يقول ﷺ: «لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجَلحاء من الشاة القَرناء»  [مسلم] .
روى أحمد في مسنده: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ :«يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنْ الْقَرْنَاءِ وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنْ الذَّرَّةِ» [صحيح] .

وفيه أن الله يقضي بين خلقه بالقسط يوم القيامة حتى إن عدله تعالى ليشمل الحيوانات كلها حتى يُقتص من ذات القرن الناطحة لغير ذات القرن المنطوحة، ويقتص من النملة الظالمة للنملة المظلومة .

وحتى المؤمنون أهل التقى والصلاح يروا ثواب أعمالهم، ويظنوا أنهم قد نجوا، ولكن تحدث المفاجأة يقول ﷺ  «ترفع للرجل صحيفة يوم القيامة، حتى يرى أنه ناج، فما تزال مظالم بني آدم تتبعه حتى ما تبقى له حسنة، ويزاد عليه من سيئاتهم»   [صحيح] .

يقول ﷺ: «المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه ثم طرح في النار» .  [مسلم]

ويا لها من خسارة جسيمة وحسرة يأتي الإنسان بحسنات كالجبال تعب في تحصيلها وأفنى حياته في جمعها وحَرم نفسه في سبيلها، يجعلها الله هباء منثورا لا قيمة لها ولا وزن ولا حساب بل توزع وتقسم على أعدائه وخصومه، فتضيع الأجور وتذهب الحسنات وتبقى الحسرات فمن يتحمل كل هذه الجرائم وتلك الأعباء ومن أين يوفي الحقوق وليس معهم شيء وأهل القصاص في حضرة ملك الملوك الذي لا يُظلم عنده أحد في يوم العدل المطلق

يقول ﷺ: «فينادِي بصوتٍ يسمعُه من بَعُدَ كما يسمعُه من قَرُبَ أنَا الملِكُ أنَا الدَّيَّانُ لا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنةِ أن يَدخلَ الجنةَ وأحدٌ من أهلِ النارِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ ولا ينبغي لأحدٍ من أهلِ النارِ أن يَدخلَ النارَ وأحدٌ من أهلِ الجنةِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ قالوا وكيف وإنَّا نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا قال بالحسناتِ والسيئاتِ»   [صحيح]

فديوان المظالم بين العباد يستوفيه الله كله دونما نقصان فالخير كل الخير في التحلل من المظالم في الدنيا قبل الآخرة حيث لا يجدي الندم {لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

لذلك يبين النَّبِيِّ ﷺ لنا سبيل النجاة قائلا: «مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ»  [البخاري]

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمّاله:  «أما بعد، فإذا هممت بظلم أحد فاذكر قدرة الله عليك، واعلم أنك لا تأتي إلى الناس شيئًا إلا كان زائلاً عنهم باقيًا عليك، واعلم أن الله - عز وجل - آخذٌ للمظلومين من الظالمين والسلام»  (إحياء علوم الدين 5/44).

فدعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السموات يقول لها سبحانه وتعالى: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين فاتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة يحجب المرء عن رضا الله عز وجل وعن النعيم الذي أعده الله عز وجل للصالحين من عباده.