العبادة والعبادات
أحمد كمال قاسم
وعليه فإن الكثيرين قد توهم عقلهم الباطن - والذي ينبني عليه السلوكيات التلقائية - أن العادات والمعاملات ليسوا من العبادة!!
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لاحظت خلطا كبيرا - عند كثير من المسلمين - بين المفهوم العام للعبادة المذكور في قوله تعالى {وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِما أُريدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَما أُريدُ أَن يُطعِمونِإِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتينُ} [الذاريات: ٥٦-٥٨] والمشروح في قوله تعالى {قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَلا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ} [الأنعام: ١٦٢-١٦٣] وبين مصطلح العبادات الموجود في كتب الفقه ودروسه، والتي يكملها —في نفس السياق - العادات والمعاملات.
وعليه فإن الكثيرين قد توهم عقلهم الباطن - والذي ينبني عليه السلوكيات التلقائية - أن العادات والمعاملات ليسوا من العبادة!!
وذلك لخلطهم بين العبادة كمفهوم قرآني عام، وبين العبادات كمصطلح فقهي مستحدث - فالعبادة تشمل العادات والمعاملات، بل اليقظة والنوم، بل الحياة والموت كلهم أجمعين.
فالعبادة في مفهومها العام الحقيقي هي الخلافة في الأرض {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة 30] بالإصلاح فيها بإعمار قلوب قاطنيها بتقوى الله وخشيته، وما يستلزم ذلك الإصلاح من إصلاح مادي، ومعنوي وعلمي ومعرفي.
وهذا الخلط المشين أدى إلى فصام في حياة المسلم، فهو يؤدي الشعائر ثم ينطلق في الحياة وهو - متوهمًا - أن ما عدا الشعائر ليس تحت عباءة العبادة، وبالتالي تراه يتساهل مثلا، في الإحسان في المعاملات وفي إتقان العمل للعامل، وإتقان التعلم للطالب. وبزيادته في بعض النوافل والمستحبات يشعر أنه فعل كل ما عليه، وأن الله راضٍ عنه، فلا يُقرِّعه ضميره على أي خلل في أمور لها أهمية قصوى كالمعاملات والعمل الإصلاحي - المادي والمعنوي - في سبيل الله لتحقيق دورنا في الأرض وهو العبادة/الخلافة.
والله أعلم