صيحة ألم بجسد ميت
هاني مراد
وقد وقعت هذه السقطة الهائلة من ركاب الحضارة، وريادة البشرية، عبر مئات السنين، وكانت لها مراحل وأسباب ومظاهر عدة.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
المتأمل في حال المسلمين في الماضي والحاضر، يرى مفارقة عجيبة لا تقل عن مفارقة الحاضر للماضي.
فالمسلمون الأول، سادوا العالم بأخلاقهم وعلومهم قبل كتائبهم وخيولهم! وكانت بلادهم منارات منيفة للعلوم والآداب، ومكتباتهم نور حضارة بارقة، وكانت لهم ثورات فكر فوارة في مناحي الحياة وشتات البلاد.
لكنهم بعد أن كانوا سادة أصبحوا عبيدا، وبعد أن كانوا فاتحين، أضحوا محتلين، وبعد أن كانوا في المقدمة، ارتدوا وراء وراء.
وقد وقعت هذه السقطة الهائلة من ركاب الحضارة، وريادة البشرية، عبر مئات السنين، وكانت لها مراحل وأسباب ومظاهر عدة.
ولعل أبرز أسباب انحطاط المسلمين، ذلك التناقض الذي أصبح مألوفا في حياتهم بين القول والعمل. بل أصبح ذلك التناقض، هو القاعدة في حياتهم، يتواءمون ويتعايشون ويتكيفون معه!
كما بلغ غور هذا التهاجر بين القول والفعل، أن تحوّل إلى خلل معيب في فكر وثقافة ومفاهيم غالب المسلمين، حتى أصبح المسلمون جسد موات، لا تنفع معه صيحات التحذير، ولا تحييهم موجات الاحتلال التي تدهس أوطانهم عبر مختلف الحقب والعصور!
وقد جعل ذلك التهاجر بين القول والفعل من الشخصية المسلمة شخصية مزدوجة، تعيش بميزانين وعقلين وروحين؛ روح النظرية وروح التطبيق!
فنشاهد ونسمع روح النظرية تنطق بمعسول وفصيح الكلام، بل قد تعظ غيرها، وتعيش وهم الحقيقة التي لا تعدو ظل خيال!
أما روح التطبيق، فإنسان آخر، لا يعرف الإنسان الأول. فهي إنسان يرتكب كل الجرائم التي عرفتها البشرية. ويكفيك أن تسير في الشارع، أو تطالع الصحف لتلحظ قبح ذلك الإنسان!
وما يزيد من ذلك الفوت بين القول والعمل، أننا نحن المسلمين، لا نعرف لنطبق! ولا نسعى لتطبيق ما نعرف! فالمعرفة والطقوس مجرد تخدير وإرضاء لضمير ميت، يرضى بكلمات وتمتمات لا تحيي ميتا، ولا تنير ظلاما.
صيحة ألم بجسد ميت!