العقلية التي ينظر بها الغرب إلى المسلمين
إنَّ ما يتعرض له المسلمون اليوم في هذه الدول هو نوع من الإرهاب الفكري النفسي، والضغط العصبي، يريدون من خلاله خلق تصور لدى المسلمين في الداخل الفرنسي خاصة والأوروبي عامة يقول لهم إذا تخليتم عن الإسلام فأنتم مرحَّب بكم أما بتمسككم بالإسلام فليس لكم مكان عندنا
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
مع الانفتاح الإعلامي الرهيب، والقرية العالمية الواحدة، وتنوع مصادر الحصول على المعلومة، وتوسع طرق البحث والتنقيب عنها، أصبح اكتساب المعرفة سهل ميسور في متناول الجميع، فيستطيع شخص في أقصى الشرق أن يقرأ تاريخ الغرب من مصادرة الأصلية بضغطة زر وهو في بيته، ويمكنه من الاطلاع على أهم الوثائق والولوج إلى أبرز الموسوعات، والتجول في بين كتب أرقى المكتبات في العالم.
ولكن لكي ينشغل الناس عن البحث - عن المفيد - والتفتيش عن النافع والسعي وراء الحقيقة، جاءت وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الأخبار، ودور صناعة السينما والأفلام فألهت الناس عن الفائدة وشغلت المجتمعات عن الحقائق، وأصبحت أداة في أيدي شعوب وشخصيات لها توجهات ومطامع وسياسات تتناسب مع مصالحها، وتنفذ أجندتها وخططها في العالم، فأبعدت الناس عن هذه المعرفة وأشغلتهم عن التنقيب عن المعلومة والسعي وراء الحقيقة.
وأغلب هذه الوسائل المؤثرة اليوم مملوكة لكيانات غربية متنفذة تحرك العالم كيف تشاء وتنشر ما تريد، بل إنها تبني دولًا وتتبنى أفكارًا ومناهج وتفرضها على بقية الشعوب، وأصبحت هذه الوسائل هي من تُسير الناس، وتسيطر على عقولهم وأفكارهم حتى قيل: (الناس على دين إعلامها).
فانخدع الناس بما تظهره هذه القنوات، وتأثروا بما تبثه من أفكار، وانبهروا بهذه الحضارة الغربية التي تقدمها لهم على أنها حضارة المدنية، والعلم والثقافة والحرية، ولو سألت اليوم الشارع العربي والإسلامي عن رأيه في الشعوب الغربية لكال لك كل أنواع المدح والثناء، ولصور لك أن هذه الشعوب، هي النماذج المثلى التي يجب أن نتبعها ونقتدي بها فهم أهل الصناعة وأرباب العلم والثقافة وهم من يعرف معنى الإنسانية ومرسي حقوق الإنسان، وهم من يحمل للعالم الحرية والديمقراطية وغيرها من الصفات التي لا تنتهي.
والواجب علينا أن لا نغتر بما تنقله لنا وسائل الإعلام، ومنصات التواصل وقنوات التلفزيون لأن هذه القنوات صنعت لتلمع الثقافة الغربية، وتنقل الوجه البريء للرجل الغربي، وتظهر أن الحضارة الغربية هي الثقافة التي تحترم حقوق الإنسان، وهي المخلص من الظلم والتخلف الذي يعيشه العالم اليوم، فتنقل ما يريدون إظهاره، وتظهر ما يحبون إبرازه فقط، ولكنها في الحقيقة ما هي إلا قناع تخفي وراءها كم هائل من الكذب والتدليس وقلب الحقائق والغش والتزوير، وتحجب المعرفة عن الآخرين، والأحداث اليوم في فرنسا وغيرها من دول أوروبا أكبر دليل على ذلك، وقبل أن نستطرد في ذكر تلك الأحداث والوقائع فإنه ينبغي لنا أن نعرف الواقع الثقافي الأصلي والتاريخ الحقيقي لهذه الشعوب، من أين استقت ثقافتها، وكيف بنت أفكارها، وغرست قيمها، ولكي نعرف ذلك لابد أن نقف على الجذور التي استقت منها أفكارها وبنت عليها تراثها، وكونت منها ثقافتها وهويتها، فلا بد أن نعود إلى الحضارات السابقة وخصوصًا الحضارة اليونانية والرومانية التي تأثرت بها الحضارة الأوروبية المعاصرة، وأخذت كثيرًا من أفكارها ومبادئها وطرق عيشها، يقول أبو الحسن الندوي في كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين": (والظاهرة التي يمتاز بها الروم من بين أمم الأرض المعاصرة بل بعدها، والتي أصبحت لها دينا تدين به وشعارًا تعرف به هي روح الاستعمار والنظر المادي البحت إلى الحياة، وذلك ما ورثته أوروبا المعاصرة عن سلفها الروميين وخلفتهم فيه).
فلكي نعرف العقلية الأوروبية اليوم، لابد أن نقف على تلك الحضارات المتعاقبة وكيف كانت تنظر للإنسان والدين والحياة، وهذه الحضارات يمكن أن نصفها بوصف عام قد يبرز في فترة من فترات عمرها، وقد يأفل أحيانا ولكنه مكون ثابت لا يمكن أن تتخلى عنه أو تعيش بدونه إطلاقًا، ويمكن أن نجمل تلك النظرة في نظرتها للإنسان والحياة والدين في (المادية المفرطة)، و الوثنية المتأصلة، والمتعة الشهوانية الجامحة، فما مظاهر الهمجية المتعطشة للدماء والقتل، وما صور الاستعمار التي تنافست فيه أوروبا على السيطرة بعد عصر النهضة والتنكيل بالشعوب واسترقاقها إلا لتشبع تلك الصفات الجامحة بداخلها، والثقافة التي ورثتها من أسلافها، فما عدد القتلى الذين خلفتهم الحروب العالمية، والحروب الاستعمارية إلا من أجل التنافس على السيطرة والنفوذ وتقسيم العالم والسيطرة على مقدراته ومكتسباته، ولكي تقنع هذه القيادات شعوبها ويكون لها اتباع يساعدونها في قتل الشعوب ونهب ثرواتهم وسرقة تاريخهم وآثارهم، عمدت إلى إثارة الحروب وغذت النزاعات بين الشعوب، لكي يكون لهم مدخل يدخلون منه إلى هذه تلك الشعوب والمجتمعات تحت شعار الصلح وحفظ الدماء، وهم في الحقيقة من يذكي الحروب ويغذيها.
ثم جاءت هذه الشعوب بنظرية (الرجل الأبيض) وجعلت من دعوةِ تفوّق العرق الغربي على باقي الأعراق والأجناس على الأرض وسيلة لإشعال نار الحمية في نفوس شعوبها ومواطنيها، فبررت لنفسها صور استعباد العالم ونهب ثرواته، وقتل أهله وتشريدهم وبيعهم في الأسواق كالكلاب والقطط، وتهجيرهم من قراهم ومدنهم واسترقاقهم للعمل في حقول الإقطاعيين والمتنفذين: يقول الأَمير شَكيب أَرسَلان «إنَّ الإفرنجي هو الإفرنجي.. ما تغير شيءٌ من طبعه، فهو اليوم كما كان عندما زحف إلينا من ثمانمائة سنة!.... وإن المدنية التي يتدرّع بدعواها إن هي إلاَّ غطاء سطحي لما هو كامن في طبعه!، متهيئ للظهور لأدنى حادث، فالمدنية العصرية لم تزد الإفرنجي إلاَّ تفننًا في آلات القتل، وفصاحة في التمويه وتسمية الأشياء بغير أسمائها... وبالجملة فالذي ازددناه منه هو الرثاء لا غير ».
بل إنها ترى العيش حقًّا مكفولًا لها دون غيرها، فإذا أردنا أن ندرس العقلية الغربية لابد أن ندرسها ضمن تلك الحضارات، وأنها جزء لا يتجزأ من تلك الشعوب في طريقة تفكيرها ومنطلقها الفكري والعقدي، وثقافتها الأصلية التي بنت عليها حاضرها لنقف على الحقيقة التي لا يراها كثير من الناس اليوم، أو يحاول أن ينسينا إياها الإعلام بما يبثه وينشره من تزوير وكذب، فنظرة الغرب للمسلمين لا تخرج عن تلك الثقافة التي ورثوها، بل إنهم يرون في الإسلام العدو اللدود واللبعبع الذي يجب محاربته، والشماعة التي يبنون عليها فشلهم في السياسة.
وقد أخذتُ فرنسا أنموذجًا لأنها هي من تدعي أنها بلد الحرية والديمقراطية، وأنها بلد النهضة ورائدة الفكر والثقافة، وهي من تدعي أنها تدافع عن قيم المساواة و الحرية واحترام الآخر، ولكن عندما ننظر إلى الواقع من الداخل نجد أن هذه الصفات مجرد حبر على ورق، وأن فرنسا هي أكثر تلك الدول دموية وأعظمها حقدًا على بقية الشعوب وأكثرها عنصرية، وما تاريخها في دول شمال أفريقيا وخصوصًا في الجزائر الذي وثقة كُتابها ومؤرخوها إلا شاهدًا حيًّا على فظاعة تلك الحقبة التي أبيد فيها شعب بلا رحمة أو شفقة... وها هي اليوم تعود من جديد لتنكل بالمسلمين الذين يعيشون فيها، وتتعدى على أقدس مقدساتهم، وأعظم مصادر عزتهم باستهزائها بالنبي عليه الصلاة والسلام، وتجريم من يعترض ذلك أو يرفض هذا الواقع، وتضيق عليهم في معيشتهم ومصادر رزقهم، وتمنعهم من شعائرهم وممارسة دينهم والتضييق عليهم في كل ما يخص دينهم، بينما هناك جماعات أخرى دينية لا يتم التدخل في حياتها أو التضييق عليها، وهذا لكي يعلم العالم أن الأمر ليس حالات فردية بل توجه رسمي من الدولة، ونهج مرسوم تسير عليه فلنا أن نتحدث عن تعاملها مع المسلمين الذين يعيشون على أرضها ويبلغ تعدادهم ما يقارب ٨٪ من السكان، والذي يعتبر الدين الثاني في الدولة بعد المسيحية.
وإذا أردنا مناقشة نظرة الغرب عامة وفرنسا خاصة للإسلام فأنا سنأخذه من جوانب لا تخرج عن هذه النقاط التي سنتطرق لها، بقليل من التفصيل خشية الاطالة المملة، ومن أراد الاستزادة فليراجع ما كتب حول ذلك العنوان ليرى العجب الذي يقشعر له البدن، وتشيب له الرؤوس.
أولًا: اعتقادهم بتفوق العرق الأبيض، وأن بقية الشعوب لا يستحقون العيش إلا تحت سيادتهم وحكمهم، وعليه فهم من يعتلي المناصب المهمة وغيرهم من الشعوب يمتهنون المهن الحقيرة... فنظرتهم إلى من عداهم نظرة دونية، واعتقادهم الثابت الذي يسيرون عليه هو تفوق الجنس الأوروبي الأبيض على بقية الشعوب، وهذه الفكرة منشورة مبثوثة في كتبهم ومؤلفاتهم ورواياتهم أمثال: "نظرية الاستبدال العظيم" لرينو كلموا، ورواية "الاستسلام" لميشال ويلبيك، وكتاب "الانهيا" لميشال ونفري التي تمتلئ بعبارات الكراهية، ونصوص تصف الآخر بالدونية والتخلف والرجعية، وهذه الروايات والكتب هي التي يربون عليها أبناءهم الصغار في المدارس، والمخيمات الكشفية بل إن هذا الفكر هو المحرك لسياستهم والملهم لقادتهم اليوم، ومن الحوادث التي تدل على هذه النظرية: ما وقع للمسلمين في نيوزلندا من هجوم إرهابي راح ضحيته قرابة (51 قتيلًا) والذي نفذه الإرهابي العنصري (برينتون تارنت) عام 2019، حيث وصف نفسه بالرجل الأبيض، وبث خطابه باسم (الاستبدال العظيم)، حيث بين في خطابه أنه يريد الحفاظ على العرق الأبيض من تدنيس المسلمين الغزاة، وهذه الفكرة هي التي يتبناها اليمين المتطرف في أروبا، وما حركة الهوية في ألمانيا إلا لتبني هذا الفكر، والتصدي للهجرة لأوروبا وألمانيا خصوصًا،
بل إن الباحثين اليوم خلصوا إلى أن دعاة تفوق العرق الأبيض يستخدمون اليوم مئات المواقع على منصات التواصل الاجتماعي، وعندهم اجتماعات سرية في التخطيط ونشر الكراهية ضد الأعراق الأخرى.
ثانيًا: الكيل بمكيالين؛ تدعي فرنسا أنها رائدة العلمانية وحامية الحريات في العالم، فهي تحترم كل الثقافات وتنفتح على كل الشعوب، وتنأ بنفسها عن الدين فهو حرية شخصية لا تتدخل في شئونه، ولكن عندما يأتي الحديث عن الإسلام فإنها تعتبره دين يعيش في أزمة، وتصف المسلمين بأن لهم ارتباطات خارجية، وأنهم يخططون للانفصالية الإسلامية في فرنسا... وغيرها من الادعاءات الباطلة والافتراءات الكاذبة، بل إن وزير داخليتها خرج وقال إن رؤيته لأرفف الطعام الحلال في الأسواق يضايقه ويربط ذلك أيضا بـ الانفصالية الإسلامية، ولكن أين هو من أرفف الطعام اليهودي وباقي الأقليات أليس هذا أيضا يدعو للانفصالية اليهودية أو أنه فقط الطعام الإسلامي الذي يصيبه بذلك، وأيضا ما يجن جنونهم هو أن يروا امرأة محجبة فهذا يعتبرونه رمزًا دينيًّا يجب محاربته والتصدي له، ولكن عندما يرون نساء اليهود وقد غطت كلَّ جسدها فهذا لا يعتبر رمزًا دينيًّا يجب محاربته بل هذا من حرية المعتقد.
وبهذه التصريحات واللقاءات من كبار المسئولين في الدولة فإن الحكومة الفرنسي تعمل - على أكبر مستوى لها- ضد الإسلام ومحاولة الحد من تعاليمه والسيطرة عليه، وتكييفه بالطريقة التي تريد وعلى المنهج الذي ترسمه له، وهذا يناقض سياستها التي تدعي أنها تسير عليها، فكيف تدعي الحرية والعلمانية، وعندما تأتي إلى الإسلام تعتبره دينًا دخيلًا غير مرحب به، بل إنها تدعو إلى نبذه، وتنكل بمن يعتنقه وتضيق على رواده، وتصرح بأنه لا يمثل ثقافة فرنسا أو ديانتها وأفكارها، بل تعبره دين دخيل لا يمت لفرنسا بصلة، فهذه ازدواجية توضح لنا البون الشاسع، والفرق الكبير بين ما ينقله الإعلام من دعوات التسامح واحترام الآخر، والحرية المطلقة وقيم المساواة ومبدأ حقوق الإنسان، والترويج لفرنسا على أنها وطن الحريات ومهد التعددية، وبين ما يدار تحت الطاولات ويرتسم في الأروقة من سياسات عنصرية بغيضة لا ترى إلا نفسها ولا تؤمن الا بمبادئها وقيمها الإقصائية وسياساتها البيروقراطية الفاشية.
ثالثًا: الحقد القديم:
تاريخ فرنسا مع الإسلام قديم جدًّا يعود إلى حقبة الفتح الإسلامي للأندلس في القرن السابع الميلادي، فقد توالت الجيوش الإسلامية على فتح فرنسا بقيادة السمح بن مالك الخولاني، ثم تبعه بعد ذلك عبدالرحمن الغافقي الذي وصلت جيوشه إلى قرى باريس، ولولا انهزام المسلمين في معركة "بلاط الشهداء" لأصبحت فرنسا إمارة إسلامية، تحت راية الدولة الإسلامية، وبهزيمة المسلمين في تلك المعركة الشهيرة وانتصار الفرنسيين بقيادة شارل مارتل (المطرقة) ومنذ ذلك التاريخ وفرنسا تعتقد أنها حامية النصرانية والمتصدية للمد الإسلامي على أوروبا، ففرنسا منذ ذلك التاريخ وهي تحمل ذلك العداء والحقد على الإسلام فلا توجد دولة أوروبية أكثر حقدًا وعداوة للإسلام من فرنسا، والدليل على ذلك المجازر المروعة التي ارتكبتها في حق العرب والمسلمين وخصوصًا في الجزائر، والتنكيل بالشعوب التي استعمرتها أشد التنكيل، بل إنها عملت على طمس هويتهم، ونهب ثرواتهم، وتزوير تاريخهم وتغيير لسانهم، حتى تطمس كل شيء يربطهم بالإسلام، ومحو أيِّ شيء من معالمه في قلوبهم، فاستعملت كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليًّا، واستعملت لغازات السامة التي تبيد كل شيء.. حتى الأشجار والحيوانات لم تسلم منها، وها هي اليوم تعيد ذلك الأمر وتنقض على المسلمين بداخلها الذين لم يرتكبوا جرمًا أو يجنوا جناية في حقها، بل كان لهم بالغ الأثر في الدفاع عنها والإسهام في نهضتها وتطورها، فوصفتهم بالدين الدخيل والمستعمرون الجدد، والدخلاء، وبنت ما يعرف بالإسلامفوبيا أو كراهية الإسلام وغذته بوسائل إعلامها أمثال صحيفة (شارلي ايبدو) فها هو رئيس فرنسا يصرح بدعمه لهذه الصحيفة، ووقوفة معها في صورها المسيئة، وخروجه على وسائل التواصل الاجتماعي مصرحًا بقوله: (لن نتخلى عن الرسوم الكاريكتاورية)، فهذا التصريح كشف لنا مدى التعصب الموغل في القدم والحقد المستشري في الدم، والمتفشي في فرنسا على عكس بقية الدول الأوربية التي تحاول قدر المستطاع دمج المسلمين مع بقية الشعوب الأخرى، فكانت أقرب للاستقرار وظهرت فيها حالات أقل من الإسلامفوبيا.
والأدهى من ذلك أن الحكومة الفرنسية علقت كل اخفاقاتها وفشلها أنه بسبب الإسلام، وروجت لهذه الفكرة ودعمتها، حتى يكره المجتمع هذا الدين، وينبذونه عن حياتهم، فانتشر التعدي على المسلمين في الطرقات والمساجد، ووضع كثير منهم في السجون بتهم ملفقة كاذبة، وطُرد المسلمون من أعمالهم وضيق عليهم في أرزاقهم ومعاشهم، واستهزأ بنبيهم ومقدساتهم في الطرقات والمدارس والجامعات، وادرجت الإساءة للنبي عليه الصلاة والسلام في مناهج التعليم الأساسية، رغم أن هناك كثير من الديانات في فرنسا لها أتباع كثر لم يتعرض لهم أو يقال أنهم يحملون شعارات أو رموز دينية فقط المسلمون هم من يحملون رموزًا إسلامية.
رابعًا: الحسد:
وهذا مذكور في كتاب الله تعالى في كثير من الآيات، حسدهم لهذه الأمة، وهذا الدين الذي يتلاءم مع العقل والفكر، ويجمع السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].
قال ابن كثير: (يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طرائق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم، وفضل نبيهم).
وغيرها من الآيات المبثوثة في القرآن والسنة المطهرة، وهذا واضح من تعامل هذه الحكومات مع أقليات المسلمين في بلدانهم، يحسدونهم على المساواة فيما بينهم فلا فرق في الإسلام بين أبيض وأسود وعربي وعجمي، ويحسدونهم على قوة الترابط بين أفراد المجتمع، والأسرة الواحدة فلا تجد العقوق ولا الزنا والخيانة ولا تجد التشرد للبنت أو الولد كل ذلك مكفول في الإسلام، فتراهم يفرضون عليهم من القوانين التي تريد أن تفرق جمعتهم وتمنعه عن إقامة شعائرهم، والحد من حرياتهم، والتحكم في طريقة معيشتهم.
خامسًا: التخلف والرجعية:
في الحضارة الغربية يرون أنهم هم أهل الحضارة والمدنية، وأن بقية الشعوب ما هم إلا دخلاء، ومن الواجب التصدي لهم والوقوف أمامهم وطردهم من البلاد، وهذا ما يدور اليوم في أروقتهم وعلى شاشاتهم وفي قنواتهم، ولم لم تكن هذه الفكرة مطروحة في وسائل الإعلام لما فازت أغلب الأحزاب اليمينية المتطرفة في بعض دول أوروبا، وكثرت نسبة الاعتداء على المسلمين ومساجدهم ومقدساتهم في دول أوروبا وظهر ما يعرف بالإسلاموفوبيا الذي أصبح اليوم شعارًا في كل دول أوروبا ينادون به ويتبنونه، حتى أن رئيس وزراء بريطانيا كتب في عموده في جريدة الديلي تلغراف ما نصه: (( إنّ الإسلام تسبّب في تخلّف العالم الإسلامي عن الغرب لعدّة قرون )).
وليس غريبا أن يظهر بهذا التصريح فقد سبقه السياسي الفرنسي جول فيرى: 1832 الذي يقول: (إن العنصر الأرقي عليه واجب نقل العنصر الأدنى للحضارة)، وبالتالي فهو يتبع من سبقه في ذلك ويرى أن الإسلام هو ما يؤدي إلى تخلف أوروبا ورجوعها إلى ما كانت عليه في العصور الوسطى، تخيل أن يصدر هذا ممن يرسمون سياسة أوروبا، فكيف بمن هم دونهم ماذا يا ترى سيقولون أو يفعلون، فكان الواجب أن يقال هذا الكلام من فرد من الأفراد لا سياسي يجب عليه أن يراعي مصالح مواطنيه دون تمييز أو تفرقة.
سادسًا: العنصرية والتمييز:
لا يوجد شعب على الأرض مارس أنواع التمييز ضد الآخرين كما فعلت أروبا فقد دعت إلى تفوق العرق الأبيض واعتبرته الجنس الذي يستحق يعيش، فأبادوا ملايين من البشر من أجل بقائه وسيادته في أمريكا الشمالية من الهنود الأصليين ومن الأفارقة السود الذين وقعوا تحت الاستعمار والاستعباد من قِبل هذه الفئة العنصرية، بل إنها قامت منظمات مسلحة تدعو إلى إبادة العرق الأسود وأنه لا يستحق العيش ونفذت العديد من الجرائم البشعة والتعذيب المؤلم الذي كان دافعه العنصرية والتمييز.
واليوم تعود تلك العنصرية ضد المسلمين بما يعرف (الإسلاموفوبيا) التي زادت في أوروبا وانتشرت.
سابعًا: أنهم أصل المشاكل:
عاشت أوروبا أزمات متعددة في الاقتصاد والسياسة، وأصبحت هذه الدول تعيش واقعًا صعبًا أثر على المستوى المعيشي للمواطنين، ولكي تخفي ذلك الفشل وتطمس تلك الإخفاقات كان لابد من شماعة يعلقون عليها فشلهم، ويلبسونها كذبهم وخداعهم فنظروا فلم يجدوا إلا الإسلام والمسلمين، فهم يرونهم أصل المشاكل التي تحلُّ بالبلد من فقر وبطالة وانتشار الجريمة والفساد، ويعملون ليلا ونهارًا من أجل إقناع الناس بذلك، و يجندون إعلامهم وأقلامهم المأجورة لترسيخ ذلك المفهوم يقول فنسون جيسير (Vincent Geisser): "اليوم، المسلم هو كبش الفداء لإخفاء إخفاقات الديمقراطية الغربية، المسلم ليس هو الضحية المذنب، وإنما هو الضحية الذي من الممكن التضحية به لتبرير مشاكل أوروبا الاقتصادية والاجتماعية".
ومنهم من يرى أن هذه المشاكل التي تحاك ضد المسلمين ما هي إلا إرهاصات لعودة الكنيسة للحكم باسم الإله، وبالتالي دعوات تهميش المسلمين وحملات الكراهية ضدهم ما هي إلا للتصالح مع الكنيسة وإعادة دورها في الحياة في فرنسا، فجاءت الدعوات لوضع مشروع (مبادئ تعزيز احترام وقيم الجمهورية)، والتي يقابلها (مكافحة الإسلام الانفصالي) فربطت بين احترام قيم الجمهورية وبين دعوة مكافحة الإسلام الانفصالي، لتبين أن هناك تلازمًا كبيرًا وارتباطًا بين احترام القيم وكراهية الإسلام، وأن الإسلام لا يمكن أن يكون معززا لهذه القيم أو يتواكب معها إطلاقًا، وعليه فإنه يحق للجميع أن يتساءل ما هي الأدلة التي بنت عليها فرنسا أن الإسلام في فرنسا يريد أن ينفصل أو يكون كيانًا تابعًا لأجندات خاصة خارجية، لم تستطع فرنسا أن تثبت شيئًا من ذلك وإنما هي مجرد أوهام، وخيالات وضعتها دون أدلة واقعية تثبت ذلك، فكيف تضيق على أناس، وتحرم آخرين، وتزج بأناس أبرياء في السجون دون دليل يذكر، أين الشفافية والمصداقية؟ كلها مجرد تصريحات لا تتعدى منصات قائليها أو يكون لها أثر في واقع الحياة.
ثامنًا: التضييق:
تحاول الدول الغربية التضييق على المسلمين في معاشهم وعبادتهم ولباسهم وأكلهم، وهذا التضييق هو ما يعرف بالتمييز لغير الأوروبي في الوظائف وفرص العمل ففي فرنسا مثلا إذا كانت المرأة محجبة فإن فرصة حصولها على الوظيفة تكاد تكون شبه منعدمة.. وسوف أنقل لكم نتائج استطلاع قام به معهد إيفون حيث أكد أن 42% من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا يؤكدون أنهم تعرضوا على الأقل لشكل واحد من التمييز المرتبط بديانتهم، وذلك لمرة واحدة على الأقل خلال حياتهم". وقال 32% إن ذلك حدث في السنوات الخمس الأخيرة.
ويتنامى هذا التمييز في حالات عمرية معينة فقد أكد أن أكثر الناس تعرضًا للتميز هم من سن 30-40، وأن التمييز في حق النساء أكثر من الرجال وفي حق المرأة المحجَّبة أكبر.
ناهيك عن الاعتداءات اللفظية والحركات العنصرية التي يتعرضون لها يوميًّا في الطرقات والأماكن العامة، ومن هذه الأمثلة يتبن أن التمييز في هذه الدول هو منهج منظم لا يدخل تحت التجريم إذا كان بحق شخص مسلم أو امرأة مسلمة فهؤلاء يعتبر التمييز في حقهم مباح، أما إذا كان هذا التمييز بحق اليهود فهذا يعتبر ضد السامية ونقيض الإنسانية يحاسب عليها القانون، ويتعرض قائلة للحبس والاعتقال.
وفي الختام نقول: إن ما يتعرض له المسلمون اليوم في هذه الدول هو نوع من الإرهاب الفكري النفسي، والضغط العصبي، يريدون من خلاله خلق تصور لدى المسلمين في الداخل الفرنسي خاصة والأوروبي عامة يقول لهم إذا تخليتم عن الإسلام فأنتم مرحَّب بكم أما بتمسككم بالإسلام فليس لكم مكان عندنا، وهذا والله لا يزيد المسلمين إلا تمسكًا بدينهم وإقبالًا عليه، ودخول أواجٍ جديدة فيه، ورب ضارة جلبت النفع، فقد بينت هذه الحوادث كذب هؤلاء الغرب وعرَّتهم من القناع الذي يستترون خلفة ويدعون أنهم رواد الحرية والديمقراطية، وأنهم يحترمون جميع الأعراق والأجناس، وكشفت الغطاء عن المخدوعين من المسلمين المنبهرين بهم الذين لا يظهرون في تلفاز أو تجمع إلا وألسنتهم تلهث بالثناء والفخر بحرية فرنسا وديمقراطيتها التي يتغنون بها، فأين تلك الخطب وأين ذلك الثناء مما يجري اليوم من تضييق على المسلمين والتمييز الذي يتعرضون له ولكن لا نقول إلا كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } [محمد: 29]، بل سوف يبين طريقتهم ويعريهم للناس؛ ليعرفوهم على حقيقتهم.
____________________________________
الكاتب: محمد علي الخلاقي