اللعان
اللعان والملاينة والالتعان: بمعنى، وهو مأخوذ من اللعن، وخصت المرأة بالغضب لعِظم ذنبها إن كانت كاذبة، لِما فيه من تلويث الفراش والتعرض لإلحاق ما ليس من الزوج به،
- التصنيفات: الفقه وأصوله - فقه الزواج والطلاق -
عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلًا رمى امرأته وانتفى من ولدها في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتلاعنا كما قال الله تعالى، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرَّق بين المتلاعنين.
الأصل في اللعان قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9].
واللعان والملاينة والالتعان: بمعنى، وهو مأخوذ من اللعن، وخصت المرأة بالغضب لعِظم ذنبها إن كانت كاذبة، لِما فيه من تلويث الفراش والتعرض لإلحاق ما ليس من الزوج به، فإذا قذف الأخرس امرأته بكتابة، أو إشارة، أو بإيماء معروف، فهو كالمتكلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أجاز الإشارة في الفرائض، وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم.
وقال الله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29]، وقال الضحاك: {إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41] إشارة.
قال الحافظ: وأجمعوا على مشروعية اللعان، وعلى أنه لا يجوز مع عدم التحقق[1].
قوله في الحديث الثاني: (أن رجلًا رمى امرأته).
فيه دليل على أن اللعان يمين، وهو قول، فيصح اللعان بين كل زوجين مسلمين أو كافرين حرين أو عبدين، عدلين أو فاجرين، والمراد بالأحلاف هنا النطق بكلمات اللعان، قال القفال في محاسن الشريعة: كررت إيمان اللعان؛ لأنها أُقيمت مقام أربع شهود في غيره، ليقام عليها الحد، ومن ثم سُميت شهادات.
قوله: (أن فلان بن فلان)، وفي رواية لمسلم: عن سعيد بن جبير قال: سئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب، فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة، وفيه قلت: أبا عبدالرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما؟ قال: سبحان الله نعم إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان.
قوله: (وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلَّم بغير عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك)، وفي حديث سهل: أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟
قال الحافظ: وقد اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلًا فتحقق الأمر فقتله، هل يقتل به، فمنع الجمهور الإقدام، وقالوا: يقتص منه إلا أن يأتي ببيِّنة الزنا، أو على المقتول بالاعتراف أو يعترف به ورثته، فلا يقتل القاتل به بشرط أن يكون المقتول محصنًا، وقيل: بل يقتل به؛ لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن الإمام، وقال بعض السلف: بل لا يقتل أصلًا، ويعزَّر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه، وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك[2].
قال في الاختيارات: ومن رأى رجلًا يفجر بأهله، جاز له قتلهما فيما بينه وبين الله تعالى، وسواء كان الفاجر محصنًا أو غير محصن معروفًا بذلك أم لا، كما دل عليه كلام الأصحاب وفتاوى الصحابة، وليس هذا من باب دفع السائل كما ظنَّه بعضُهم، بل هو من عقوبة المعتدين المؤذين، وأما إذا دخل ولم يفعل بعد فاحشة، ولكن دخل لأجل ذلك، فهذا فيه نزاع والأحوط لهذا أن يتوب من القتل في مثل هذه الصورة، ومن طلب منه الفجور، كان عليه أن يدفع الصائل عليه، فإن لم يندفع إلا بالقتل، كان له ذلك باتفاق الفقهاء، فإن ادعى القاتل أنه صال عليه وأنكر أولياء المقتول، فإن كان المقتول معروفًا بالبر وقتله في محل لا ريبة فيه، لم يقبل قول القاتل، وإن كان معروفًا بالفجور والقاتل معروفًا بالبر، فالقول قول القاتل مع يمينه، لا سيما إذا كان معروفًا بالتعرض له قبل ذلك[3].
قوله: (ثم فرَّق بينهما)، وفي حديث سهل: فكانت سنة في المتلاعنين لا يجتمعان أبدًا.
قال الحافظ: ووقع في آخر حديث ابن عباس عند أبي داود، وقضى أن ليس عليه نفقة ولا سكنى من أجل إنهما يفترقان بغير طلاق، ولا متوفى عنها، وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان، ويستفاد منه أن قوله في حديث سهل فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفراقها أن الرجل إنما طلَّقها قبل أن يعلم أن الفرقة تقع بنفس اللعان، فبادر إلى تطليقها لشدة نُفرته منها، واستدل بقوله لا يجتمعان أبدًا على أن فرقة اللعان على التأبيد[4].
وقال النووي: المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها، لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم، أو إشاعة فاحشة، أو شناعة عليه، وليس المراد المسائل المحتاج إليها إذا وقعت، فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل، فيجيبهم - صلى الله عليه وسلم - بغير كراهة.
قوله: (فلما كان بعد ذلك أتاه، فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتُليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور)، وفي حديث سهل: فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم، ماذا قال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير قد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسألة التي سألته عنها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسط الناس فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قد نزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها» "، قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
قوله: (فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات) إلى آخره، وفي حديث أنس عند أبي يعلى وأصله في مسلم، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، فشهد بذلك أربع شهادات، ثم قال له في الخامسة: ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا، ففعل ثم دعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: قومي اشهدي بالله إنه لمن الكاذبين بالله، إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا، فشهدت بذلك أربع شهادات، ثم قال لها في الخامسة: وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا، فقالت: قال مخلد: فلما كان في الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت على القول، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود والنسائي، فدعا الرجل، فشهِد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين، فأمر به فأمسك على فيه، فوعظه، فقال: كل شيء أهون عليك من لعنة الله، ثم أرسله، فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وقال في المرأة نحو ذلك.
قوله: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب ثلاثًا).
قال عياض: ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فرارهما من اللعان، فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب ولو بطريق الإجمال، وأنه يلزم من كذبه التوبة من ذلك.
قوله: (لا سبيل لك عليها، قال: يا رسول الله، مالي؟ قال: "لا مال لك إن كنت صدت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها").
قال الحافظ: وقد انعقد الإجماع على أن المدخول بها تستحق جميع الصداق واختلف في غير المدخول بها، فالجمهور على أن لها النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول.
قال: ويستفاد من قوله: فهو بما استحللت من فرجها أن الملاعنة لو أكذبت نفسها بعد اللعان، وأقرت بالزنا، وجب عليها الحد، لكن لا يسقط مهرها؛ انتهى، وفي حديث سهل بن سعد عن ابن شهاب، فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا قال: كذبت عليها يا رسول الله، إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذاك تفريق بين كل متلاعنين، قال ابن جريج: قال ابن شهاب: فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملًا، وكان ابنها يُدعى لأمه، قال ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له[5].
قال ابن جريج، عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن جاءت به أحمر قصيرًا كأنه وحرة فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين، فلا أراه إلا قد صدق عليها، فجاءت به على المكروه من ذلك» (رواه البخاري).
والوحرة بفتح الواو والمهملة دويبة تترامى على الطعام واللحم، فتفسده وهي من نوع الوزغ.
وفي حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن».
قال الحافظ: أي لولا ما سبق من حكم الله؛ أي: إن اللعان يدفع الحد عن المرأة لأقمتُ عليها الحد من أجل الشَّبه الظاهر بالذي رُميت به، ويستفاد منه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي خاص، فإذا أنزل الوحي بالحكم في تلك المسألة، قطع النظر وعمل بما نزل، وأجرى الأمر على الظاهر، ولو قامت قرينة تقتضي خلاف الظاهر.
وفي رواية: فقال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو رجمت أحدًا بغير بينة لرجمت هذه»، فقال ابن عباس: لا تلك امرأة كانت تظهر السوء في الإسلام.
قال الحافظ: أي كانت تعلن بالفاحشة، ولكن لم يثبت عليها ذلك ببيِّنة ولا اعتراف.
قال الحافظ: وفي أحاديث اللعان من الفوائد غير ما تقدم أن المفتي إذا سئل عن واقعة ولم يعلم حكمها، ورجا أن يجد فيها نصًّا لا يبادر إلى الاجتهاد فيها، وفيه الرحلة في المسألة النازلة؛ لأن سعيد بن جبير رحل من العراق إلى مكة من أجل مسألة الملاعنة، وفيه إتيان العالم في منزله ولو كان في عائلته إذا عرف الآتي أنه لا يشق عليه، وفيه تعظيم العالم ومخاطبته بكنيته، وفيه التسبيح عند التعجب، وإشعار بسعة علم سعيد بن جبير؛ لأن ابن عمر عجب من خفاء مثل هذا الحكم عليه، وفيه بيان أوليات الأشياء والعناية بمعرفتها؛ لقول ابن عمر: أول مَن سأل عن ذلك فلان، وفيه أن البلاء موكَّل بالمنطق، وأنه إن لم يقع بالناطق وقع بين له به وصلة، وفيه أن الحاكم يردع الخصم عن التمادي على الباطل بالموعظة والتحذير، ويكرر ذلك ليكون أبلغ، وفيه ارتكاب أخف المفسدتين بترك أثقلهما؛ لأن مفسدة الصبر على خلاف ما توجبه الغيرة مع قبحه وشدته، أسهل من الإقدام على القتل الذي يؤدي إلى الاقتصاص من القاتل، وقد نهج له الشارع سبيلًا إلى الراحة منها؛ إما بالطلاق وإما باللعان، وفيه أن الاستفهام بأرأيت كان قديمًا، وأن خبر الواحد يعمل به إذا كان ثقة، وأنه يسن للحاكم وعظ المتلاعنين عند إرادة التلاعن، ويتأكد عند الخامسة، وفيه ذكر الدليل مع بيان الحكم، وفيه كراهة المسائل التي يترتب عليها هتك المسلم أو التوصل إلى أذيَّته بأي سبب كان، وفيه أن الصحابة كانوا يسألون عن الحكم الذي لم ينزل فيه وحي، وفيه أن للعالم إذا كره السؤال أن يعيبه ويهجنه، وأن من لقي شيئًا من المكروه بسبب غيره يعاتبه عليه، وأن المحتاج إلى معرفة الحكم لا يرده كراهة العالم لما سأل عنه ولا غضبه عليه، ولا جفاؤه له، بل يعاود ملاطفته إلى أن يقضي حاجته، وأن السؤال عما يلزم من أمور الدين مشروع سرًّا وجهرًا، وأن لا عيب في ذلك على السائل ولو كان مما يستقبح، وفيه التحريض على التوبة والعمل بالستر، وانحصار الحق في أحد الجانبين عند تعذر الواسطة، لقوله: إن أحدكما كاذب، وأن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما، وإن أحاط العلم بكذب أحدهما لا بعينه، وفيه أن اللعان إذا وقع سقط حد القذف عن الملاعب للمرأة وللذي رُميت به؛ لأنه صرح في بعض طرقه بتسمية المقذوف، ومع ذلك لم ينقل أن القاذف حد، قال الداودي: لم يقل به مالك؛ لأنه لم يبلغه الحديث ولو بلغه لقال به، وفيه أنه ليس على الإمام أن يعلم المقذوف بما وقع من قاذفه، وفيه أن الحامل تلاعن قبل الوضع؛ لقوله في الحديث: انظروا فإن جاءت به إلخ، وبه قال الجمهور، وفي قوله عليه السلام: البينة وإلا حد في ظهرك، دلالة على أن القاذف لو عجز عن البينة، فطلب تحليف المقذوف لا يجاب؛ لأن الحصر المذكور لم يتغير منه إلا زيادة مشروعية اللعان، وفيه جواز ذكر الأوصاف المذمومة عند الضرورة الداعية إلى ذلك، ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة، وفيه أن الحكم يتعلق بالظاهر وأمر السرائر موكول إلى الله تعالى، ويستفاد منه أن الحاكم لا يَكتفي بالمظنة، والإشارة في الحدود إذا خالفت الحكم الظاهر، وفيه أن الحاكم إذا بذل وسعه واستوفى الشرائط، لا ينقض حكمه إلا إن ظهر عليه إخلال شرط أو تفريط في سبب، وفيه أن اللعان يشرع في كل امرأة دخل بها أو لم يدخل، ونقل فيه ابن المنذر الإجماع، واستدل به على أن الالتعان ينتفي به الحمل خلافًا لأبي حنيفة ورواية عن أحمد لقوله: انظروا فإن جاءت به...إلخ، فإن الحديث ظاهر في أنها كانت حاملًا وقد ألحق الولد مع ذلك بأمه، وفيه جواز الحلف على ما يغلب على الظن، ويكون المستند التمسك بالأصل، أو قوة الرجاء من الله عند تحقق الصدق، لقول من سأله هلال: والله ليجلدنك، ولقول هلال: والله لا يضربني، وقد علم أني رأيت حتى استفتيت، وفيه أن اليمين التي يعتد بها في الحكم ما يقع بعد إذن الحاكم؛ لأن هلالًا قال: والله إني لصادق ثم لم يحتسب بها من كلمات اللعان الخمس[6]؛ انتهى.
تتمة:
قال في الاختيارات: ولو لم يقل الزوج في أيمانه فيما رميتها به قياس المذهب صحته، كما إذا اقتصر الزوج في النكاح على قوله: قبلت، وإذا جوزنا إبدال لفظ الشهادة والسخط واللعن، فلأن تجوزه بغير العربية أولى، وإن لاعن الزوج، وامتنعت الزوجة عن اللعان، حدث وهو مذهب الشافعي، ولفظه: علق هل هي صريح أو تعريض، اختلف فيه كلام أبي العباس، ولو شتم شخصًا فقال: أنت ملعون ولد زنا، وجب عليه التعزير على مثل هذا الكلام، ويجب عليه حد القذف إن لم يقصد بهذه الكلمة أن المشتوم فعله؛ كفعل الخبيث أو كفعل ولد الزنا، ولا يحد القذف إلا بالطلب إجماعًا، والقاذف إذا تاب قبل علم المقذوف، هل تصح توبته الأشبه أنه يختلف باختلاف الناس، وقال أبو العباس في موضع آخر: قال أكثر العلماء إن علم به المقذوف لم تصح توبته، وإلا صحت ودعا له واستغفر، وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب له الاعتراف لو قاله، فيعرض ولو مع استخلافه؛ لأنه مظلوم وتصح توبته، وفي تجويز التصريح بالكذب المباح ها هنا نظر، ومع عدم توبته وإحسان تعريضه كذب، ويمينه غموس، واختيار أصحابنا لا يعلمه، بل يدعو له في مقابلة مظلمته وزناه بزوجة غيره كغيبته، وولد الزنا مظنة أن يعمل عملًا خبيثًا كما يقع كثيرًا، وأكرم الخلق عند الله تعالى أتقاهم[7].
[1] فتح الباري: (9/ 440).
[2] فتح الباري: (9/ 449).
[3] الاختيارات الفقهية: (1/ 595).
[4] فتح الباري: (9/ 459).
[5] فتح الباري: (9/ 456).
[6] فتح الباري: (9/ 461).
[7] الاختيارات الفقهية: (1/ 584).
_________________________________________________
الكاتب: الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك