من الأسباب الجالبة لرحمة الله تعالى

محمد سيد حسين عبد الواحد

فخذوا أيها المؤمنون بأسباب الرحمة يرحمكم الله تعالى وتجدون آثارها في أنفسكم وفي أموالكم وفي أولادكم وفي دنياكم وأخراكم

  • التصنيفات: التقوى وحب الله -

أيها الإخوة الكرام: إن القرآن الكريم الذي أودعه الله تعالي في قلوبنا وجعله في بيوتنا وفي مساجدنا وفي كل مكان هوبين أيدينا سهلا ميسرا ..

في هذا القرآن عرفنا رب العالمين سبحانه وتعالي بذاته العلية عرفنا إليه بأسماءه وصفاته جل في علاه ..

ورد في القرآن أن الله تعالي كريمٌ ورد أنه حكيمٌ حليمٌ عليمٌ ودودٌ قريبٌ هذه السماء الحسنى وهذه الصفات العلى وردت في القرآن بكثرة لكن ما ورد أكثر وأكثر من الأسماء والصفات أن الله تعالى رحمنٌ رحيمٌ أول آية في القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم وعروس القرآن سورة الرحمن وورد الحديث عن رحمة الله تعالي في القرآن ثلاثمائة وخمس عشرة مرة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

هو الرحمن سبحانه وتعالي هو الرحيم جل في علاه هو خير الراحمين هو أرحم الراحمين الذي وسعت رحمته كل شيء  {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ

أرسل الله الرسل رحمة وأنزل الكتب رحمة وأمهل العصاة رحمة وفتح أبواب الصالحات رحمة  {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا

سبحانه وتعالي يرحم الكبار لشيبتهم يرحم الصغار لضعفهم يرحم من أطاعه فيثيبه يرحم من عصاه فيستره يرحم المؤمن فيكرمه يرحم الكافر فيمهله {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى

أن تبصر بعينيك هذه رحمة من الله تعالي أن تستوي قائما علي قدميك هذه رحمة من الله تعالى أن تصبح وتمسي آمنا في سربك معافى في جسدك عند قوت يومك هذه رحمة من الله سبحانه وتعالي أن تكون صاحب فهم وعلم أن تكون ذا مال وزوج وولد وأن يكون لك مأوى تأوي إليه هذه أيضا رحمة من الله تعالي أن تحيا مؤمنا وأن توفق لعمل الصالحات وأن تُرزق الإخلاص وأن يتقبل الله منك وأن تموت موحدا هذه رحمة وأي رحمة {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}

كل مخلوق له من رحمة الله تعالي نصيب ..

لكن تتفاوت أنصبة الناس وتتفاوت حصص الناس من رحمة الله تعالي فالناس في رحمة الله ليسوا سواء منهم من يحظى من رحمة الله بنصيب الأسد ومنهم من حظه من رحمة الله عند أدني درجة ولا يظلم الرحمن أحدا ..

ذلك أن رحمة الله الكاملة لا تُنال إلا بطاعته إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها إن الله تعالي حدّ حدودا فلا تعتدوها إن الله تعالي حرم أشياء فلا تنتهكوها ..

رحمة الله التامة لا تُنال إلا بتقواه لا تُنال رحمة الله تعالي إلا بذكره وشكره وحسن عبادته وطاعة رسوله صلي الله عليه وسلم تُنال رحمة الله تعالي بالتوبة إليه بالعودة إليه تنال بخشيته تنال بمحبته تنال بالحياء منه واستحضار عظمته سبحانه وبحمده ..

{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ}  وفي قراءة {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَساءَ}   {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ, الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}  اللهم اجعلنا منهم يا ذا الجلال والإكرام ..

ثم إن رحمة الله تعالي بتمامها بكمالها تُنالها أيضا ويكون نصيبك منها وافرا بإحسانك إلي الناس قال الله جل في علاه  {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

أكْرم الكبار ارْحم الصغار عًلّم الجاهل أطْعم الجوعان اسْق الظمآن أَغث اللهفان وَاس الفقير عُد المريض امسح رأس اليتيم خذ من مالك شيئا خذ من جاهك شيئا خذ من علمك شيئا خذ من قوتك نصيبا فاجعله في سبيل الله أحسن إلي الخلق (كل الخلق) يرحمك الخالق سبحانه وتعالى..

ورد في الصحيح أن صحابيا قال «يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ، وَأَنَا أَرْحَمُهَا - أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا – فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: " وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ» " «وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ " قالها مرتين» .

وخطب النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس يوما فقَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: " «ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لَكُمْ» 

وقال عليه الصلاة والسلام «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ»

فخذوا أيها المؤمنون بأسباب الرحمة يرحمكم الله تعالى وتجدون آثارها في أنفسكم وفي أموالكم وفي أولادكم وفي دنياكم وأخراكم

الخطبة الثانية

ورد في الصحيح أنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « «إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» »

بقي لنا في ختام الحديث المختصر عن رحمة الله تعالي أن نقول :

نحن أفقر ما نكون إلي رحمة الله تعالي في الدنيا والآخرة فلا غنى لنا عن رحمة الله طرفة عين نحن فقراء إلي رزقه إلي حفظه نحن فقراء إلي ستره إلي عفوه إلي توفيقه ومدده {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ

قلت: وأفقر ما نكون إلي رحمة الله يوم القيامة يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ, يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ, يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا, يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ..

من المبشرات ومن دلائل الرحمات:

أن الله تعالي سيحكم بين الناس يوم القيامة باسمه الرحمن {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ}  { لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ

هذه الآيات ما دلالتها ؟

دلالة هذه الآيات أنه إذا كان يوم القيامة رحم الله جل في علاه عباده ..

يرحم الله عباده بحسنات يضاعفها يرحمهم بموازين يثقلها يرحمهم بوجوه يبيضها يرحمهم بذنوب يغفرها بعيوب يسترها وبالنار يزحزحهم عنها يرحم الله عباده يوم القيامة فيدخلهم جنته ومستقر رحمته برحمته ..

قَالَ النبي عليه الصلاة والسلام:  «سَدِّدُوا وَقَارِبوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَا يُنَجِّيهِ عَمُلُهُ» قِيلَ: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ»