الحرب الدافئة حرب الكلام وألغام المصطلحات

في السنوات الأخيرة ظهرت حرب جديدة ألا وهي حرب الكلام، تستعمل فيها ألغام المصطلحات، وهذا التطور في شن الحروب ظهر مع التقدم والازدهار

  • التصنيفات: قضايا إسلامية - الغزو الفكري -
الحرب الدافئة حرب الكلام وألغام المصطلحات

في السنوات الأخيرة ظهرت حرب جديدة ألا وهي حرب الكلام، تستعمل فيها ألغام المصطلحات، وهذا التطور في شن الحروب ظهر مع التقدم والازدهار، وهي حرب قائمة في كل رقعة من العالم، بل تشن حرب الكلام بألغام المصطلحات على أوراق الصحف، وعلى صفحات المجلات، ولم تنجُ منها حتى صفحات الكتب، إنها حرب تشن عبر الفضائيات في كل آن.


إنها حرب ضارية تنشر ألغامها عبر شبكات الإنترت، إنها حرب ضارية تستهدف العقول، إنها حرب فكرية، نيرانها مشتعلة في كل آن ولم يسلم منها أي كان.


لا تسألوني عن ضحايا هذه الألغام، لأن هذه الألغام من نوع خاص فهي ألغام جوالة، تتحرك من مكان إلى آخر ولا يلزم الضحية أن يمر فوقها بل هي من تحلق فوق رأسه وتخترق فكره أينما حلَّ وارتحل.



من ضحايا هذه الحروب الدافئة التي تستعمل فيها الألغام الجوالة:
من شلت الألغام فكره- نسأل الله العفو والعافية- فصار كلما رأى إنساناً تبدو عليه سمات الالتزام والرغبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشار إليه بإصبع الاتهام واصماً إياه بالإرهاب، ومن المؤسف أن الشلل يتمكن من ضحاياه بقوة عجيبة، فإذا سألت المصاب باللغم، ما معنى الإرهاب في اللغة؟

فوالله لن يجيبك جواباً صحيحاً بل يُربَك ويأتي بمبررات علقت به من أثر اللغم الذي أصابه ولن يعطيك جواباً صائباً أبداً.

وإذا سألت المصاب عن معنى الرجعية، والله لن يعطيك جواباً مقنعاً؛ لأن الرجعية عنده هي الالتزام بالشرع الإسلامي، الرجعية عنده في حجاب المرأة الكامل، الرجعية عنده في الحفاظ على كرامة المرأة، الرجعية عنده في الحفاظ على كيان الأسرة، الرجعية عنده هي عفة المرأة، الرجعية عنده هي رفض المرأة العاقلة للاستلام لدعاة التفسخ والانحلال....


أما إن سألت المصاب باللغم عن التقدمية، فستظهر على وجهه ملامح الفرحة؛ إنها هستيريا يخلِّفها اللغم بعد أن يتمكن من فكر المصاب نسأل الله العفو والعافية!!

ويجيبك: إنه في خروج المرأة لكل الأعمال- حتى ما لا يوافقها- نعم من أجل المساواة لابد أن تشتغل المرأة ليلاً، لا بد أن تشتغل المرأة نادلة في المقاهي لتقدِّم القهوة وتمسح الطاولات للزبائن، وهي معطرة متجمِّلة، وأعين الزبائن تلتهمها وكلماتهم النابية تطارد أذنيها، وهم يسخرون منها ويرمون لها بعض القروش مع كلمات الغزل!
هذه التقدمية!! وعلى المرأة المتقدمة أن تسوق الحافلات والقطارات و....

وعليها أن تشتغل في الفنادق وتقدم الخدمات و... حتى تكون صفقاتهم مربحة فالمقهى الذي تشتغل به نادلة يجلب عدداً أكبر من الزبائن وكذلك المطعم والفندق.. إنها صفقة مربحة! فلم لا يدعون إليها ويكافحون من أجلها؟!

لكن السؤال: أيطالبون بحقهم أم بحق المرأة؟ والجواب واضح لا غبار عليه...

وبجوابك سوف تصنَّف إما رجعياً أو تقدمياً...

ولا تستغرب أن الحرب مازالت قائمة! وعلى المرأة أن تتبرج وتخرج لتعرض نفسها سلعة رخيصة في كل مكان لكل من هبَّ ودبَّ، أجل إنها التقدمية!!

وبهذا تجد الرجال المصابين بلغم المصطلحات وضحايا الحرب الدافئة، نسأل الله العفو والعافية!! يمسك أحدهم بيد زوجته وهي في كامل تبرُّجها وزينتها، والرجال ينظرون إليها وهو فرح مسرور؛ لأنه متقدم وليس رجعياً!!

ولأنه يمشي في كل مكان بغير رجعية فهو يعرض زوجته لأعين الآخرين باسم التقدمية! عجيب أمر هذا اللغم إذا ما أصاب الفكر شلَّ صاحبه عن التفكير، فتختلط المفاهيم عنده، تجده رجلاً من دون غيرة ولا نخوة!

ومن شيم الرجال العظام الغيرة على الأعراض، لكن هو لا يحركه ساكن، فقد تجد زوجته تصافح إخوانه وأصدقاءه وتراقص الغرباء في الحفلات وهو في غاية السعادة، لأنه يمارس التقدمية، وإذا مر بقريب له ملتزم وزوجته مرتدية الحجاب الكامل استهزأ به وعيَّره بأنه رجعي ومتخلف وإرهابي ومتزمت و.....

سبحان الله إنه لغم يفتك بالدماغ الذي يصدر الأفكار. لا حول ولا قوة إلا بالله!

وأما إذا حدث زلزال أو فيضان فإن المصابين بهذا اللغم يرون أنه من غضب الطبيعة. والعجب كل العجب أن الطبيعة تغضب. وماذا عن خالق الطبيعة؟!
سبحان الله! لو لاحظتم معي لصعب عليكم حال المصابين، مساكين!! يتقبَّلون ويقتنعون بكل ما يصل إليهم إذا كان العنوان هو التقدم والمصدر هو من يدعي التقدم. ويرفضون كل شيء يعاكس قناعتهم المقتبسة باسم الرجعية.

أما عن الديموقراطية فهذا مصطلح فضفاض بل هو جد فضفاض!! يمكن أن يضعه المصاب في أي مكان وفي كل زمان كما يطيب له، حتى إن اخترق مبادئ الديموقراطية فهو ديموقراطي، لأن المصطلح مثل المطاط يتغير حجمه على حسب الشيء الذي تستعمله فيه، فقد يراك المصاب أنك لست ديموقراطياً وتصبح دكتاتورياً، بمجرد أن تكون تغار على عرضك وهذا من أبسط ما يتميز به الرجل العادي وهو أحرى بالمسلم الملتزم.


إذاً لابد أن تتجرَّد من بعض أخلاقياتك حتى لا تمارس الدكتاتورية على زوجتك وبناتك، باختصار: كي تكون ديموقراطياً لابد أن تدعوَ إلى الانحلال الخلقي وأن تصير ديوثاً.

وقد تدعو الديموقراطية إلى الحفاظ على الأخلاق في يوم آخر ومكان آخر لا بأس!! لا بأس في ذلك! إنها الديموقراطية.

فالمصطلحات كما قلنا صارت بضعة من أمتار المطاط شكِّلها كما شئت، لكن إذا كنت ديموقراطياً أو تقدمياً.!!

ولا تنسَ أنه يمنع عليك منعاً كلياً أن تستفيد من تمديد المصطلحات والاستفادة من مكونها المطاطي المرن إذا كنت رجعياً!!
 

فما الرجعية الحقة؟
وما التقدمية الحقة؟
وما الديموقراطية الحقة؟
وما معنى الديكتاتورية؟
وما مفهوم الإرهاب؟
وما مفهوم السلام؟
وما معنى العدل؟
وما معنى....؟

 

كل هذه المصطلحات وغيرها قابلة للتمدُّد والتشكُّل، والمعجم لم يعد له نصيب في تحديد المصطلحات إلا على صفحاته.

 

وأرجو ألا نصحوَ ذات صباح فنجد أوراق معجمات اللغات كلها صارت من مادة المطاط تتمدَّد في شرح المصطلحات على حسب المكان والزمان!!

______________________________________
الكاتب: وفاء محمد النجار