عاقبة حب العلو

سهام علي

فحب العلو والفساد عادة ًيكون أحدهما سبب للآخر أو نتيجة بل أحدهما يقود إلى الآخر

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٨٣﴾}  [القصص:83]
هذه الآية الجامعة التي تبين أن سبب انتكاس الحياة على الأرض قائم على هذين الأمرين أولًا حب العلو ؛وحب العلو هو سر الأثرة والأنانية وتقديس الذات وغمط الناس وبطر الحق ،ومن يتملكه هذا الأمر عادةً ما يتبنى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ،فلا قيم ولا مثل ولا أخلاق ،المهم هو الوصول إلى مكانة عالية لا لأجل هدف نبيل وإنما من أجل التكبر والاستعلاء على الآخرين ،وفي سبيل تحقيق تلك الغاية يتخلى المرء عن معظم مفردات منظومة القيم وبل لا يجد بأسًا من ممارسة أبشع أنواع الرذائل ،ففى طريقه نحو مأربه كم يرتكب من الذنوب والآثام والمظالم والجرائم غير عابئ بمنهج سماوي أو أرضي ،المهم أن يشعر بلذة استعباد الآخرين بشكل أو بآخر ،والشعور الوهمي بأنه مسيطرعلى مقدراتهم ،بل يصل به الوهم أنه مخلّد كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
 {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ﴿٣﴾}  [الهمزة:3]فهو يرى العلو بالمال أو الجاه أو السلطان أو المكانة حتى ينسى أن الكبير الغني المتعال هو الله وحده.
أما الفساد فهو الطريق المتداخل مع حب العلو كما رأينا في نفس الآية من سورة القصص ضم القرآن العلو مع الفساد فى شخصية واحدة هى شخصية فرعون فذكر ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٤﴾}  [القصص:4]
فحب العلو والفساد عادة ًيكون أحدهما سبب للآخر أو نتيجة بل أحدهما يقود إلى الآخر ولا يغيب عنا نموذج الدولة الإسلامية القوية العظمى التي كانت فاتحة خير للبشرية جمعاء لقرون طويلة كان العماد الأساسي في تكوينها هو خلق الصحابة ومن خَلَفَهم والذي تميز بالحب والإيثار كسمة طبيعة العلاقة بينهم ،والإخلاص فيما يخص علاقتهم بالله
وهنا نشير إلى أن أشر أنواع الاستعلاء هو الذي يكون بالدين وبدلًا من أن تكون التقوى هي المحرك الأساسي للمرء كما في الآية التى اُستهل بها الموضوع ،يكون الدافع الحقيقي هو حب العلو والشهرة وطلب الدنيا ،فالمرء يسلك طريق العلم أو الدعوة بداعِ حب العلو فقد ورد في الحديث الشريف موقف الدين الذي يتمسحون به وهو أنهم أول من  تسعربهم النار والعياذ بالله قال صلى الله عليه و سلم : " «إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: قاتَلْتُ فِيكَ حتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ قاتَلْتَ لأَنْ يُقالَ: جَرِيءٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ، ورَجُلٌ وسَّعَ اللَّهُ عليه، وأَعْطاهُ مِن أصْنافِ المالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: ما تَرَكْتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فيها إلَّا أنْفَقْتُ فيها لَكَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقالَ: هو جَوادٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ في النَّارِ» . 
(الراوي :أبو هريرة | (المصدر : صحيح مسلم  رقم [1905])


و لا يفوتنا هذا التنويه الهام وهو أن من أشد أنواع الفساد هو إعانة المفسد أو التعلل بأي عذر فإذا كان السكوت على الفساد إثم فكيف بالإعانة على الإفساد
و قد قال تعالى عن فرعون  {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴿٤٠﴾}  [الذاريات:40] .

وختاما أذكر يوما استوقفتني فيه إحداهن عند ذكري لمعنى هذه الآية لتخبرني أن الإنسان بطبعه يحب التميز ولديه طموحات فأخبرتها أن الإسلام يشجع على ذلك كل التشجيع بل ويدعو إليه، لكنه يبغض الكبر والتعالي وتحقير قدر الآخرين ويحارب شهوة التسلط والتعالي والأثرة.