غض البصر

الواجب في هذا الصيف غض البصر؛ لكثرة العورات المكشوفات في هذا الوقت، فالواجب على المسلمين أن يلجؤوا إلى الله عز وجل، وأن يستعينوا بالله عز وجل، كما استعان يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما كثر عليه الكيد من النساء

  • التصنيفات: قضايا الشباب - تزكية النفس -

الواجب في هذا الصيف غض البصر؛ لكثرة العورات المكشوفات في هذا الوقت، فالواجب على المسلمين أن يلجؤوا إلى الله عز وجل، وأن يستعينوا بالله عز وجل، كما استعان يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما كثر عليه الكيد من النساء، استعان بالله عز وجل عليهن، وقال: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} [يوسف 33، 34].

فعلى المؤمن عباد الله أن يلجأ إلى العبادات التي شرعها الله عز وجل؛ من أجل أن تزكو نفسه في الدنيا، ومن أجل أن يسعد بمجاورة الله عز وجل في الآخرة، قال الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].

وقوله عز وجل  {يَغُضُّوا}  [النور: 30]: فعل مضارع لم يسبقه جازم، فلماذا حذفت النون؟

 

قالوا: هنا أداة شرط مقدرة، وهي: إن قلت للمؤمنين: غضوا، يغضوا؛ لأن هذا مقتضى الإيمان؛ أن المؤمن يلتزم أمر الله عز وجل، فإن قلت للمؤمنين: غضوا، يغضوا، أما غير المؤمنين عباد الله فإنهم يستمرون في إطلاق البصر؛ لأنهم ليس في قلوبهم من الإيمان ما يدفعهم إلى طاعة الرحمن، وإن وجد إيمان فإيمان ضعيف لا يحجز صاحبه عن معصية الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن» أي عنده إيمان ضعيف لا يحجزه عن معصية الله عز وجل، فأمر الله عز وجل بغض البصر، وقرن الله عز وجل بين الأمر بغض البصر وحفظ الفرج؛ لأن غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج.

أَلاَ إِنَّمَا  العَيْنَانِ  لِلقَلْبِ  رَائِدٌ   ♦♦♦   فَمَا تَأْلَفُ العَيْنَانِ فَالقَلْبُ آلَفُ

 

فالعين رائد القلب، فإذا ألفت العين ألف القلب.

ونفَّر النبي صلى الله عليه وسلم من إطلاق البصر، وسمي إطلاق البصر زنا، وقال صلى الله عليه وسلم: «كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، فهو مدرك ذلك لا محالة، العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واليدان تزنينان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدِّق ذلك الفرج أو يكذبه»[11]، فهو زنا وإن كان دون زنا الفرج، ولكن نفَّر النبي صلى الله عليه وسلم من إطلاق البصر، فسماه زنا العينين.

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؛ أي عندما يقع نظر العبد على عورة مكشوفة، وعلى موضع يحرم النظر إليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصرف بصرك» [1].

وقالوا في فوائد غض البصر عباد الله: إن غض البصر استجابة لأمر الله عز وجل، وتنفيذ لأمر الله عز وجل، وما استجلب العبد خيرًا في الدنيا والآخرة بمثل امتثال أمر الله عز وجل.

قالوا كذلك: إطلاق البصر عباد الله يضعف القلب ويحزنه، وغض البصر لله عز وجل، يقوي القلب ويفرحه، قالوا كذلك: إطلاق البصر يشتت القلب، ويجلب له الحزن، وهذا مشاهد معروف عباد الله، يشتت القلب؛ لأن القلب يكون مشغولاً بما يَرِدُ عليه من الصور المحرمة، فلا يتقرب بطاعة الله عز وجل، ومحبة الله عز وجل، وعبادة الله عز وجل، يصير القلب كالمزبلة، فكيف يصلح لمحبة الله عز وجل!

قالوا كذلك: إطلاق البصر عباد الله يقسي القلب، ويسد عليه أبواب العلم، فيصعب على العبد مع إطلاق البصر أن يحفظ في القرآن أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

قالوا كذلك: إطلاق البصر ظلمة على القلب، وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب الشر والبلاء من كل جانب، فما شئت من بدعة وضلالة، واتباع هوى واجتناب هدى، فإذا أظلم القلب عباد الله، صار عباد الله موئلاً لكل شر، ولكل ما يغضب الله عز وجل، وإذا غض العبد بصره لله عز وجل استنار قلبه؛ ولذلك ذَكَر الله عز وجل بعد آية غض البصر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 30، 31].

قال عز وجل بعد عدة آيات: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ } [النور: 35]؛ قالوا: مثل نوره في قلب المؤمن الذي امتثل أوامره، واجتنب ما نهى الله عزَّ وجلَّ عنه.

الناظر عباد الله يرمي بسهامٍ غرضُها قلبُه، فالعبد إذا نظر نظرة محرمة، فكأنما رمى قلب نفسه بسهم:

يَا رَامِيًا بِسِهَامِ اللَّحْـظِ مُجْتَهِدًا   ***   أَنْتَ القَتِيلُ بِمَا تَرْمِي فَلاَ تُصِبِ 

وَبَاعِثَ الطَّرْفِ تَرْتَادُ الشِّفَاءَ لَهُ   ***   تَـوَقَّــهُ إنَّــهُ يَـرْتَــدُّ بِـالْعَـطَــــبِ 

 

 

وكل نظرة هي جرح لقلب العبد، والنظرة تستدعي غيرها:

مَــا زِلْــتَ تُتْبِــعُ نَـــظْرَةً فِي نَظْــــــرَةٍ   ***   فِي وَجْهِ كُلِّ مَلِيحَةٍ وَمَلِيحِ 

وَتَظُنُّ ذَاكَ دَوَاءَ جُرْحِكَ وَهْوَ فِي التَّ   ***   حْقِيقِ تَجْرِيحٌ عَلَى تَجْرِيـحِ 

فَقَتَلْتَ قَلْبَكَ بِاللِّحَاظِ وَبِـالْـبُـكَــــــــــا   ***   فَالقَلْبُ مِنْكَ ذَبِيحٌ ايُّ ذَبِيحِ 

 

 

النظرة عباد الله هي سم للقلب، وهي شرارة في الهشيم اليابس، إما أن تحرقه كله، أو تحرق بعضه:

كُلُّ الحَوَادِثِ مَبْدَؤُهَا مِنَ النَّظَــــرِ   ***   وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّـــــرَرِ 

كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَـا   ***   فِعْلَ السِّهَامِ بِلاَ قَوْسٍ وَلاَ وَتَــــــــــرِ 

وَالمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُـهَــــــــا   ***   فِي أَعْيُنِ الغِيدِ مَوْقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ 

يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَــــــــــــهُ   ***   لاَ مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّـــــــــــــرَرِ 

 

 

النظر المحرم عباد الله يورث الحسرات والزفرات، فيرى العبد ما لا يقدر عليه ولا يصبر عليه:

وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا   ***   لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَــاظِــرُ 

رَأَيْتَ الَّذِي لاَ كُلَّهُ أَنْتَ قَــــــــادِرٌ   ***   عَلَيْهِ وَلاَ عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ 

 

 

النظرة توقع في أسر الهوى والشهوة، والعبد إذا وقع أسيرًا للهوى والشهوة صار:

 

كَعُصْفُورَةٍ فِي كَفِّ  طِفْلٍ  يَسُومُهَا   ♦♦♦   حِيَاضَ الرَّدَى وَالطِّفْلُ يَلْهُو وَيَلْعَبُ


غض البصر يورث العبد فراسة، ويطلق نور بصيرته، كما قال شاه بن شجاع الكرماني:

 

"مَن عمَّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، واغتنى من حلال، واجتنب المحرمات، وغض بصره - لا تخطئ له فراسة"، وكان شاه هذا لا تخطئ له فراسة.

إطلاق البصر عباد الله يجعل العبد يقع في اتباع الهوى، ويقع في الغفلة والإعراض عن شرع الله عز وجل، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].

النظرة عباد الله هي كأس من الخمر، مَن شرب منه وقع في سكر الهوى، وقد يصاب عباد الله بداء بلا عوض، وهو داء العشق، وهو داء بلا عوض، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

وَمَا فِي الأَرْضِ أَشْقَى مِنْ مُحِبٍّ    ***   وَإِنْ وَجَدَ الهَوَى حُلْوَ المَذَاقِ 

تَــرَاهُ بَاكِيًــا فِـي كُلِّ حَــــــــــالٍ   ***   مَخَافَــةَ فُرْقَــةٍ أَوْ لاشْتِـيَــاقِ 

فَيَبْكِي إِنْ نَأَوْا شَـوْقًـا إِلَيْـهِـــــمْ   ***   وَيَبْكِي إِنْ دَنَوْا خَوْفَ الفِـرَاقِ 

فَتَسْخُنُ عَيْنُهُ عِنْدَ التَّلاَقِـــــــي   ***   وَتَسْخُنُ عَيْنُـــهُ عِنْـدَ الفِـــرَاقِ 


فنسأل الله عز وجل أن يستر عورات المؤمنين، ونسأله تعالى أن يرزقنا غض البصر له عز وجل، ونسأله تعالى أن يبارك في أوقاتنا وفي أعمالنا.
 


[1] أبو داود (1836)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

___________________________
الكاتب: د. أحمد فريد