سورة قريش ونعمة الأمن
إيمان الخولي
خلقنا لنعبد الله وحده ونصلح فى الأرض وليس لنكون عبيداً للمال أو الجاه إذ كيف يؤدى كل منا رسالته وهو غير آمن
- التصنيفات: التفسير -
سورة قريش ونعمة الأمن :
جاءت سورة قريش بعد سورة الفيل فى ترتيب المصحف لتبين ما بينهم من ترابط فسورة الفيل تذكر بفضل الله على قريش بإهلاك عدوهم الذى جاء لهدم البيت الحرام لتزيد مكانة البيت الحرام عندهم ويهابه القاصى والدانى وهو أصل الخير الذى عم على قريش بمجاورتهم بيت الله وتأتى سورة قريش لتذكر بمنه جديدة الأمن بعد الخوف والغنى من بعد فقر رواج تجارى وألفة اجتماعية بينهم وبين الناس وكأنها استجابة لدعاء ابراهيم عليه السلام حين دعا لأهله عند البيت أن يجعل أفئدة الناس تهوى إليهم ويرزقهم من الثمرات فكان حقا فجمع كلمتهم وألف بينهم وجعل لهم الأرض مستقراً ومقاماً، فأكسبهم ذلك مهابة في نفوس الناس وأمن خوفهم فلا يغير عليهم أحد لحرمة البيت الحرام ومكنهم من التنقل وحرية التجارة إلى اليمن شتاء، وإلى الشام صيفا؛
وهل شكرت قريش نعم الله عليها هل آمنت بالحق وكفرت بالباطل أم ظلوا على عنادهم كما تبين لنا الآيات إذ يقول تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون} (العنكبوت: 67)،
وإن المتأمل فى الآيات يجد الإطعام من جوع والأمن من الخوف هى الاحتياجات الأساسية لأى دولة لكى تقام وتستقر إذ لا عيش مع الجوع ولا استقرار مع الخوف والناظر لأهل الجزيرة وقتها أنهم ليسوا أهل صناعة وأرضهم ليست بذات زرع فكانت تضيق عليهم مسالك الأرزاق، وتنقطع عنهم ينابيع الخيرات، فكيف آواهم ووسع أرزاقهم على غير استحقاق منهم إنها نعمه سعة الرزق التى يغفل عنها كثير من الناس ففى عصرنا هذا ليس هناك من يعبد صنماً إنما ينفقون ما اكتسبوا فى غير حله وغير موضعه بين إسراف وتبذير وبين استخدام المال فى إيذاء الآخر والمتاجرة بالربا أهذا حق شكر نعمة الغنى ؟؟؟ هل أدوا حق الفقير هل أطعموا الجائع كما أطعمهم الله من صنوف الطعام ؟؟؟
وقد بين حديث النبى حد الغنى والشكر على النعم ليس بالكثير المطغى ولكن من ضمن قوت يومه وآمن على حياته فقد حيزت له الدنيا.
روى الترمذي في سننه مِن حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ رضي اللهُ عنه وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» وهل شكرنا ورضينا بما قسم الله لنا أم أن لسان حالنا هل من مزيد ؟. وليس هذا كله إلا لإلف النعمه وطول العيش فيها يزيد الإنسان طمعاً فى المزيد وقسوة فى القلب فلا يطعم مسكيناً ولا يشعر به من أساس
والشعور بالأمن نعمة لا يشعر بها إلا المطمئنة قلوبهم بالإيمان فإننا نجد الآيات تربط بين الإيمان والشعور بالآمان وعدم الخوف فلا آمان لمن لا إيمان له إذ يقول تعالى:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون}[الأنعام: 82].
الأمن تلك النعمة التى غابت عنا لفترات طويلة وعن معظم بلاد المسلمين ترى هل عرفنا قدرها وأهميتها فى حياتنا أن نحيا آمنين مطمئنين لا يخشى أحد على نفسه أو ماله أو ولده فلا ندور فى فلك البحث عن لقمة العيش ليل نهار حتى ينسينا أننا خلقنا لنعبد الله وحده ونصلح فى الأرض وليس لنكون عبيداً للمال أو الجاه إذ كيف يؤدى كل منا رسالته وهو غير آمن على نفسه وولده فى صراع كل يوم من اجل كسب لقمة العيش ؟؟