من هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الضحك
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نبتسم بلا مجافاة، وكيف نضحك بلا مغالاة، وكيف نستقبل الحياة بإشراقة الأمل:
- التصنيفات: تربية النفس - آداب عامة -
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نبتسم بلا مجافاة، وكيف نضحك بلا مغالاة، وكيف نستقبل الحياة بإشراقة الأمل:
فعن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي. ولقد شكوت إليه أني لا أَثْبُتُ على الخيل؛ فضرب بيده في صدري وقال: «اللهم ثبِّته، واجعله هاديًا ومهديًّا» (متفقٌ عليه).
وعن عبدالله بن الحارث قال: "ما رأيتُ أحدًا أكثر تبسُّمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ (صحيح سنن الترمذي).
وكان يقول: «تبسُّمُكَ في وجه أخيك صدقة» (ص. الترغيب).
ويقول: «ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق» (منبسط سهل) -))؛ رواه مسلم.
لقد ضحك هو صلى الله عليه وسلم في المواقف المتعددة، وداعب أصحابه بما لا يتعارض مع وقاره صلى الله عليه وسلم وعلوِّ مكانته، وتأمَّل في هذه القصة العجيبة، التي ما أحوجنا إلى أن نُنعش أرواحنا بمثلها، مع أصدقائنا، وداخل بيوتنا؛ مع أولادنا وأهلينا.
فعن أنسٍ رضي الله عنه أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هَدْيَة من البادية، فيجهِّزه النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج. فقال صلى الله عليه وسلم: «إن زاهرًا باديتُنا، ونحن حاضروه». وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان رجلاً دميمًا، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره؛ فقال: مَنْ هذا؟ أَرْسِلْني. فالتفتَ فعرف النبيَّ صلى الله عليه وسلم فجعل لا يَأْلو ما ألصقَ ظهرَه بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ يشتري هذا العبد»؟. فقال: يا رسول الله، إذاً والله تجدني كاسدًا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكن عند الله لست بكاسد». أو قال: «أنت عند الله غالٍ» (صحَّحه في الشمائل المحمدية).
ومع ذلك؛ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك من أي شيء، ولأي سبب، وهو القائل: «أَقِلَّ الضحك؛ فإن كثرة الضحك تُميت القلب»؛ (صحيح سنن ابن ماجه)؛ بل كان ضحكه وتبسمه لأغراض شرعية.
فعن عثمان رضي الله عنه أنه دعا بماء، فتوضأ، ثم ضحك، فقال لأصحابه: "ألا تسألوني: ما أضحكني؟"؛ فقالوا: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟. قال:"رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ كما توضأتُ، ثم ضحك؛ فقال: «ألا تسألوني ما أضحككَ» ؟ فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟؛ فقال: «إن العبد إذا دعا بِوَضوءٍ، فغسل وجهه؛ حَطَّ الله عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه، كان كذلك، وإذا طهر قدميه، كان كذلك»"؛ (صحيح الترغيب والترهيب). فهذا ضحكُ بشارةٍ ويُمْنٍ على المتوضئين.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "جاء حبرٌ من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثَّرَى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا المَلِك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نَواجذه، تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» [الزمر: 67]"؛ متفقٌ عليه.
وقد يكون ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق بيان ما يحتاجه المسلمون من تشريع، في قضايا تعترضهم، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: "هلكتُ". قال: (( «ولِمَ» ؟!))؛ قال: "وقعتُ على أهلي في رمضان)). قال: «فأَعْتِقْ رقبةً» قال: "ليس عندي". قال: «فَصُمْ شهرَيْن متتابعَيْن» قال: "لا أستطيعُ". قال: «فأَطْعِمْ ستِّين مسكينًا» قال: "لا أجدُ". فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيه تمرٌ؛ فقال: «أين السائل»؟ قال: "ها أنا ذا". قال: «تَصَدَّقْ بهذا»؛ قال: "على أحوجَ منَّا يا رسول الله؟! فوالذي بعثك بالحق، ما بين لابَتَيْها أهل بيتٍ أحوجَ منا!!". فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. قال: «فأنتم إذاً»؛ أي: أنتم حينئذٍ أحقُّ بهذا التمر؛ متفقٌ عليه.
وتأمَّل في إصرار الصالحات من النساء على العبادة وفعل الخير، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال هذه القصة التي أُعجب لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسفرت عـن حكمٍ شرعيٍّ عظيم:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد الحج؛ فقالت امرأةٌ لزوجها - واسمها أم سِنان -: "حُجَّ بي مع النبي صلى الله عليه وسلم"؛ قال:"ما عندي ما أُحِجُّكِ عليه". قالت:"أَحِجَّنِي على جَمَلِكَ فلان"؛ قال: "ذاك حبيسٌ في سبيل الله". قالت: "فحُجَّ بي على ناضِحِكَ - الحمار أو الثور يسقى عليه - قال: "ذاك نَعْتَقِبُهُ أنا وابنك". قالت:"فبِعْ ثمرتَكَ"؛ قال:"ذاك قوتي وقوتُكِ". فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت زوجها إليه، فقالت: "أقرئه السلام ورحمةَ الله، وسَلْهُ: ما يَعْدِلُ حجَّةً معكَ؟". فأتى زوجُها النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، امرأتي تقرئك السلام ورحمةَ الله، وإنها سألتني أن أُحِجَّها؛ فقلت: ما عندي ما أُحِجُّكِ عليه. فقالت: أَحِجَّنِي على جَمَلِكَ فلان؛ قلتُ: "ذلك حبيسٌ في سبيل الله". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت أَحْجَجْتَهَا عليه؛ كان في سبيل الله». قالت: فأَحِجَّنِي على ناضِحِكَ؛ فقلتُ: ذاك نَعْتَقِبُهُ أنا وابنكِ. قالت: فَبِعْ ثمرتَكَ. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم عجبًا من حرصها على الحج. قال: ((فإنها أمرتني أن أسألك: ما يَعْدِلُ حجَّةً معكَ؟ قال: «أقرئها السلام ورحمةَ الله، وأخبرها أنها تَعْدِلُ حجَّةً معي عمرةٌ في رمضان»؛ رواه البيهقي في السنن، وقريب منه في صحيح سنن أبي داود.
ومما أضحك النبي صلى الله عليه وسلم:
ما جاء في سياق البشارة للأمة الإسلامية، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم آخرَ أهل النار خروجًا منها، وآخرَ أهل الجنة دخولاً: رجلٌ يخرج من النار حَبْوًا، فيقول الله: اذهب فادْخُلِ الجنَّةَ. فيأتيها، فيخيَّل إليه أنها مَلأَى؛ فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتُها مَلأَى". فيقول: اذهب فادْخُلِ الجنَّةَ. فيأتيها، فيخيَّل إليه أنها مَلأَى؛ فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتُها مَلأَى. فيقول: اذهب فادْخُلِ الجنَّةَ؛ فإن لك مثل الدنيا وعشرةَ أمثالها. فيقول: أَتَسْخَرُ منِّي - أو: تضحك مني - وأنت المَلِكُ»!!. قال عبدالله بن مسعود: "فلقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقال: «ذلك أدنى أهل الجنة منزلةً» (متفقٌ عليه).
وقريبٌ منه حديث أبي ذرٍّ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأعرفُ آخر أهل النار خروجًا من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة: يؤتَى برجلٍ، فيقول: سَلُوا عن صِغار ذنوبه، وأخبِئوا كِبارها. فيُقال له: عملتَ كذا وكذا، يوم كذا وكذا، وعملت كذا وكذا، في يوم كذا وكذا. فيُقال له: فإن لك مكانُ كلِّ سيئةٍ حسنةً؛ فيقولُ: يا ربّ، لقد عملت أشياء ما أراها هاهنا؟!...» قال: "فلقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه"؛ متفقٌ عليه.
_____________________________________________
الكاتب: د. محمد ويلالي