طلب العلم وأثره في تقدم الأمم فكن عالما أو متعلما

محمد سيد حسين عبد الواحد

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: كان يقال: إذا استطعت فكن عالماً، فإن لم تستطع فكن متعلماً، وإن لم تستطع فأحبهم، وإن لم تستطع فلا تبغضهم, وبذلك قد جعل الله لك مخرجاً.

  • التصنيفات: طلب العلم -

أيها الإخوة الكرام: قبل أيام كنا تحدث عن قول الله تعالى {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}  وأتينا بالحديث يومها على أنه ما من فساد في الأرض إلا وهو من صنع البشر, فبعض البشر يلقي بمنهج الله تعالى من وراء ظهره وينساق وراء شهواته ورغباته فيفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل فيرجع وليس في الوجود أحد أضل منه قال الله تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}

قلت:إن هذه الآية {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} أسست لقاعدة وقانون سماوي دقيق معناه أن الجهل بالله تعالى والجرأة على عصيانه والبعد عن طاعته وافتقاد رضاه سبب شقاء العبد وسبب فساد العبد وإفساده..

ومن هنا جاءت الدعوة قوية في القرآن والسنة إلي كل مؤمن أن ينجو بنفسه من هذا المصير المرير بطلب كل (علم نافع), ذلك أن كل علم نافع يصل بصاحبه في النهاية إلى كمال الإيمان بالله الواحد الأحد ويشرح صدره لحب الخير والصلاح ..

العمدة في حديثنا اليوم (كلمة حكيمة)

قالها أبو الدرداء صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم قال رضي الله عنه: «كن عالماً أو متعلماً أو محباً أو متبعاً، ولا تكن الخامس فتهلك» ..

في هذه الكلمة وصية بالعلم والتعلم والاستماع والتأسي بالعلماء (كن عالماً أو متعلماً أو محباً أو متبعاً) فبالعلم تنال الرفعة في العاجل والآجل {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} وبالتعلم تنال الجنة «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا، سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ" وباستماع العلم تنال الرحمة {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

أول كلمة في أول آية في أول سورة نزلت (اقرأ)

أقرأُ لماذا ؟

تقرأ لأنك إنسانٌ عاقلٌ مفكرٌ مؤمنٌ وكلما قرأتَ كلما تعلمتَ وكلما استمعتَ كلما ازددتَ معرفة بربك, كلما قرأتَ كلما تعلمتَ وكلما استمعتَ كلما ازداد إيمانك وكنت صالحاً في نفسك مصلحاً لغيرك فمن كان بالله أعرف كان لله أخوف الدليل: قول الله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)

أول كلمة في أول آية في أول سورة نزلت (اقرأ)

ما أقرأ ؟

أول قراءة أُمرنا بها قراءة البحث والإيمان ثم قراءة الشكر والعرفان {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ, خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ, اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ, الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} في هذه الآيات إشارة إلى طلب العلم النافع الذي يبني ولا يهدم والذي يصلح ولا يفسد والذي ينقل صاحبه إلى الإيمان بالله الخالق البارئ وينقله إلي ذكر الله تعالى وشكره

أخرج الطبراني والبيهقي والدارمي وغيرهم :

من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « «اغْدُ عَالِمًا , أَوْ مُتَعَلِّمًا , أَوْ مُسْتَمِعًا , أَوْ مُحِبًّا , وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَ فَتَهْلَكَ» »

إن لم تستطع أن تكون عالما فكن متعلما فإن لم تستطع فكن مستمعا فإن لم تستطع فكن محباً للعلم والعلماء فإن ذلك ينفعك..

رجل من أهل اليمن يقال له أويس بن عامر القرني:

من مراد ثم من قرن كان به برص فشفاه الله تعالى إلا موضع درهم أسلم (أويس) على يد أبي هريرة ومرت الأيام بهم فهاجر أبو هريرة ومن معه من المسلمين من أهل اليمن إلا (أويس بن عامر) وكان رضي الله عنه يحب ويتمنى أن يفد إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكن حال بينه وبين الهجرة وبين أن يكون عالما وبين أن يكون متعلما وبين أن يكون مستمعا (أن كان له أم هو بها برٌّ) حال بره بأمه وخدمته لها بينه وبين أن يكون مهاجرا أو عالما او متعلما او مستمعا لكنه كان (محباً) محبا لله ورسوله محبا للإسلام والمسلمين محباً للعلماء والمتعلمين فنفعه حبه ..

جبريل عليه السلام أوحى للنبي عليه الصلاة والسلام أن باليمن غلام يحبك يا رسول الله ويحب الإسلام والمسلمين ويحب الإيمان ويحب العلم ويأمل لو رآك وجلس بين يديك لكن منعه من القدوم إليك برُّثه بأمه..

لم يستطع ذلك الغلام أن يكون مهاجرا أو عالما او متعلما او مستمعا لكنه كان (محباً) فنفعه حبه قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ»

قلت: هذه بركة الحب للعلم والعلماء ( لو أقسم على الله لأبره ) فماذا لو كنت عالما أو متعلماً !! نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل علم وعمل يقربنا إلي حبه..

الخطبة الثانية

بقي لنا في ختام الحديث عن قول النبي عليه الصلاة والسلام «اغْدُ عَالِمًا , أَوْ مُتَعَلِّمًا , أَوْ مُسْتَمِعًا , أَوْ مُحِبًّا , وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَ فَتَهْلَكَ» بقي لنا أن نقول ومن الخامس ؟

إن لم تكن عالما, ولا متعلماً, ولا مستمعاً, ولا محباً, فلا تكن الخامس فتهلك..

فإن قيل ومن الخامس ؟

قلت: الخامس هو الكاره والمعادي للعلم والعلماء, الخامس هو الذي يسب العلماء ويشتمهم ويُسيء الظن بهم ويفتري عليهم, الخامس هو الذي يتأسد على العلماء، وينتهك لحومهم وأعراضهم.. قال ابن عبد البر: الخامسة التي فيها الهلاك (معاداة العلماء وبغضهم)، ومن لم يحبهم فقد أبغضهم أو قارب ذلك وفيه الهلاك..

وقال الحافظ ابن عساكر"اعلم بأن لحوم العلماء مسمومة، وأن عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب"

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: كان يقال: إذا استطعت فكن عالماً، فإن لم تستطع فكن متعلماً، وإن لم تستطع فأحبهم، وإن لم تستطع فلا تبغضهم, وبذلك قد جعل الله لك مخرجاً.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل علم وعمل يقربنا إلي حبه..