العبيد بين أمس واليوم
هاني مراد
ومن عبيد اليوم أولئك الذين يتبعون طريق الملحدين ويفضلونها على طريق رب العالمين. ومن عبيد اليوم أولئك الذين يقبضون الملايين ثمنا للعبة الإلهاء والتضليل
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
كان عبيد أمس مقهورين، يئنون تحت وطأة عبوديتهم، وتتوق أرواحهم قبل أجسادهم إلى لحظة كسر قيدهم! لكن عبيد اليوم يتفاخرون بتلك العبودية، بعد سعيهم إليها وجهدهم في وضع طوقها حول رقابهم، فرحين فخورين مختالين، فهم في عبودية الاختيار المحض دون قهر أو جبر!
عبيد أمس كانوا فقراء لا يملكون قوت يومهم، أو كساء أجسادهم! أما عبيد اليوم، فقد يملكون الطائل من المال، ويسكنون الفاخر من القصور، ويستقلون أفخم السيارات! ومع ذلك، فإنهم يسعون مسرعين إلى حبس أرواحهم، وتكبيل أيديهم، وسلسلة أقدامهم بقيود العبودية.
كان العبيد أمس ضعفاء مذعورين مستذلين مجهولين لا يعرفهم أحد. لكن عبيد اليوم منهم الملوك والرؤساء والسادة، أو من يطلق عليهم صفة الصفوة من المجتمع!
وعبيد أمس كانوا يخضعون لسيد واحد، أو لصنم واحد، لكن عبيد اليوم يخضعون لأصنام الإعلام، والأفكار، والموضة، والحرية الشخصية، والشهرة، والقومية، والجنسية، والمظهرية الدينية، والوجاهة القبلية، والنجومية، والمال، والسلطة، والنفوذ، والعرف، والتقاليد، والكثير.
وعبيد اليوم يعبدون الرؤساء والشيوخ الذين في ظنهم لا يخطئون، ولهم يتعصبون ويتحزبون، ويوالون ويعادون ويصالحون ويخاصمون! فكل ما يقوله رؤساؤهم أو شيوخهم صواب لا يحتمل الخطأ، وكل ما يقوله غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب!
ومن عبيد اليوم أولئك الذين يتبعون طريق الملحدين ويفضلونها على طريق رب العالمين. ومن عبيد اليوم أولئك الذين يقبضون الملايين ثمنا للعبة الإلهاء والتضليل؛ سواء كانوا ممثلين يقدمون العري باسم الفن، أو شيوخا يتحدثون للناس عن الزهد، ثمنا لإلهاء الجماهير الساذجة!
وعبيد اليوم لا يفهمون بواعث الأحرار ولا معنى الحرية. ويرون الأحرار متمردين عابثين مخربين، ويرون عزتهم خروجا على العرف والمجتمع! وهم لا يتورعون عن البطش بكل حرّ؛ تذكرهم كرامته بمهانتهم، وعزته بذلهم، وكبرياؤه بانحطاطهم!
ويتعدد عبيد اليوم، والعبودية واحدة!