وماذا قدم عباس العقاد للمكتبة الإسلامية؟
محمد جلال القصاص
وإذا أردنا أن نجيب على هذه التساؤلات من خلال أطروحات عباس العقَّاد، فإننا نجد أن أطروحاته ساهمت بشكل كبير في توطين مقولات المستشرقين في الفكر الإسلامي المعاصر
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
حول كلِ مشهورٍ فريقان: فريقٌ يؤيده وفريق يعارضه، وربما كان السبب في ذلك أن الاتجاهات العامة في السياسة والثقافة عمومًا تظهر من خلال أطروحات المشاهير. بمعنى أن كلَّ مشهور، من خلال القضايا التي يتبناها، إنما يمثل تيارًا أو اتجاهًا في السلطة والجماهير، ولذا فإن علينا أن نطرح على ما يقدمه كلُ مشهورٍ سؤالًا مفاده: من يدعم؟ ومن يصارع؟
وإذا أردنا أن نجيب على هذه التساؤلات من خلال أطروحات عباس العقَّاد، فإننا نجد أن أطروحاته ساهمت بشكل كبير في توطين مقولات المستشرقين في الفكر الإسلامي المعاصر، بمعنى أن عبّاس العقّاد قدم قراءة للشريعة الإسلامية بمقولات المستشرقين، وهذا بيان بما يناسب مقال:
أولًا: العبقريات:
في عبقريات عباس العقاد تبرز ثلاثة أفكار رئيسية، أولها: تفسيرٍ للسيرة والتاريخ شديدة الغرابة ومضاد للوحي، وثانيها: التطاول على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وثالثها: إنكار الوحي، وإليك بيان بما يناسب مقال:
العبقريات وتفسير السيرة والتاريخ:
تنطوي العبقريات على فكرة رئيسية تعارض ما استقر في صحيح المنقول وصريح المعقول، وهي أن السيرة، أو التاريخ عمومًا، من صنع أفراد معدودين (العباقرة)، وهؤلاء "العباقرة" صنيعة العوامل الوراثية والبيئية التي نشؤوا فيها، وليسوا صنيعة الوحي، بمعنى أن كل واحدٍ منهم ورث أباه وتأثر ببيئته!!
وبدهي أن ذات البيت وذات البيئة أنتجت الأضداد، فقد كان خير خلق الله كلهم، صلى الله عليه وسلم، وأبو طالب وأبو لهب، من بيئة واحدةٍ. بل ومن بيتٍ واحد (بني عبد المطلب بن هاشم)؛ وكذلك من صلب رأس النفاق (ابن سلول) خرج ابنه "عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول"، وكان ممن يحب الله ورسوله؛ وفي بيت نبي الله نوح، عليه السلام، تربى ولده الذي كان من المغرقين؛ وفي بيت فرعون كانت آسية التي صدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين، وفي بيت نوح ولوط، عليهما الصلاة والسلام، كانت امرأتان على غير ما عليه زوجيهما. فكيف يقال أنها البيئة وأنها العوامل الوراثية؟! [انظر للكاتب مقال بعنوان: خطيئة ابن خلدون].
إنه الوحي صنع الله به محمدًا، صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وأحدث به وبهم هذا التحول الهائل المفاجئ دون مقدماتٍ من البيئة أو الوراثة، وفي محكم التنزيل في أكثر من موضع (إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ) (الأنعام:50) (يونس:15) (الأحقاف:9)، ( إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡي يُوحَىٰ) (النجم:5) (قُل لَّوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوۡتُهُۥ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَدۡرَىٰكُم بِهِۦۖ فَقَدۡ لَبِثۡتُ فِيكُمۡ عُمُرا مِّن قَبۡلِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) (يونس:16).
وإن الذين يتحدثون بحتمية العوامل الوراثية تدحضهم حقيقة شديدة الوضوح في السيرة النبوية والجيل الأول في هذه الأمة، وهي فجائية التغيير الذي حدث على يد النبي وأصحابه، صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، في شخص النبي، صلى الله عليه وسلم، وكيف أنه كان أميًا لم يتلق أي تعليم من غير الوحي، وفي شخص صحابته رضوان الله عليهم. ونسأل: أين تعلم أبو بكر وعمر؟، وأين تعلم خالد؟، ومن أين جاء القرآن الكريم ببلاغته وأخباره وأحكامه، هل نبت من تطور لغوي؟! أم أملاه على الحبيب غير العليم الخبير سبحانه وعزو وجل عن طريق ملك الوحي جبريل عليه السلام؟؛ وليس في أشخاصهم فقط وإنما في الأثر الذي أحدثوه، ففي سنواتٍ معدودة وحدوا العرب وقضوا على مملكة فارس وغلبوا الروم على عامة ما في أيديهم. وأعادوا صياغة المجتمعات الشرقية والغربية في سنواتٍ معدودة!! [انظر للكاتب مقال بعنوان: فجائية الدعوة أكثر ما يؤرق المخالفين].
العبقريات والتطاول على الصحابة رضوان الله عليهم:
ومن أهم ما برز في عبقريات عبّاس التطاول الشديد على الصحابة رضوان الله عليهم، وليس على من ذكروا في القتال بعد موت عثمان بن عفان، رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وبلا دليل صحيح. يستدل بما ورد في كتب الأدب التي اشتهرت بفساد أقوالها عن الصحابة كما كتاب الأغاني للأصفهاني، ويستدل بأخبار يكذبها هو كما في بعض حديثه عن معاوية، رضي الله عنه، وكثيرًا ما كان يكمل من عند نفسه بلا دليل! ولم يكد يسلم منه أحد من خيار الصحابة فضلًا عن غيرهم، وهذه بعض الأمثلة: ادعى أن أمنا عائشة رفعت النعل على عثمان!!، وأنها ذكرت الإمام علي بن أبي طالب بما لا يصح أن يذكر به متأففةً؛ وأن أبا بكر الصديق كان يسب المهاجرين ويتهمهم بأنهم أهل دنيا، وأن عليًا سبَّ الأشعث بن قيس (سيد كندة) بأوقع الألفاظ التي لا يتحدث بها سوقي منحرف؛ وأن عمر بن الخطاب يحب الغناء ويقضي الليل في الاستماع للمغنى؛ وأن معاوية يصلي الجمعة يوم الأربعاء ويقود قومًا لا خلاق لهم؛ وأن خالدًا مشغول بالنساء. وحين يتحدث عن مجتمع الصحابة من حيث العموم يصور حال هذا الجيل الفريد الذي زكاه ربه بأنها حالة من الخلاف والشقاق والتنازع الشديد على حطام الدنيا. والله العليم الخبير قد زكى صحابة النبي، صلى الله عليه وسلم، وذكر أنه ألف بين قلوبهم (وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ) (الأنفال:63) وأمرنا بالتشبه بهم، يقول الله تعالى: { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [البقرة:137] وأمرنا الله باتباع سبيلهم، ويقول الله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء:115].
العبقريات وإنكار الوحي
إنكار الوحي من القضايا الرئيسية التي يحاول من لم يؤمنوا إثباتها. ويأتون من طرق عدة، من أهمها القول بحتمية البيئة والعامل الوراثي.. القول بأن شخص الرسول ﷺ كان بشرًا بإمكانات شخصية هائلة، وأنه استطاع ما استطاع بإمكاناته الشخصية التي ورثها من آبائه واكتسبها من بيئته، وتأتي أطروحات عباس العقاد، عن "الوعي الكوني" و "العبقريات" في هذا السياق.. تأتي في سياق توطين قول الذين لم يؤمنوا بأن الرسالة جهد بشري. فقد خطا عباس العقاد في هذا الطريق خطوات وقدَّم نصًا يحتجون به على زعمهم الكاذب بأن الرسالة أرضية، وذلك من خلال "الوعي الكوني" و "العبقريات".
و"الوعي الكوني" مصطلح نحته عباس وهو في الحقيقة تطوير لما تحدث به ابن خلدون في مقدمته عن النقاء الروحي، ويعرفه بأنه الحواس النفسية عند الإنسان، يقول: ملكة قابلة للترقي، ويسند إليها منشأ العقيدة، يقول: "الوعي الكوني المركب في طبيعة الإنسان هو مصدر الإيمان بوجود الحقيقة الكبرى التي تحيط بكل موجود"، ويعني بالحقيقة الكبرى التي تحيط بكل موجود الله جل جلاله. والمعنى الكامن خلف فكرة (الوعي الكوني) هو العبقرية، أو بمعنى أدق أن الإنسان هو الفاعل على الحقيقة؛ ويتضح هذا الربط بين (الوعي الكوني) و (العبقرية) أو تسييد الإنسان وأنه ارتقى دينيًا من تلقاء نفسه أن العقَّاد حالَ حديثه عن الصوفية في كتابه المسمى (الله) أعطى وصف العبقرية الدينية للمتصوفة، فالصوفية عنده هي العبقرية الدينية، وما ذاك إلا لأن هؤلاء المتصوفة نما عندهم (الوعي الكوني)، فانكشف لهم ما وراء الحجب، فعلموا الحقيقة المطلقة، بزعمه، ويضرب الأمثال بالحلاج وابن عربي ورابعة العدوية!!
وحين تتصفح ما كتب العقاد عن رسل الله، صلوات الله عليهم، لا تكاد تجد شيئًا يذكر عن أمين الوحي جبريل، عليه السلام، الذي قال الله فيه (إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُول كَرِيم. ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِين. مُّطَاع. ثَمَّ أَمِين) (التكوير: 19-21). ويصرح بأن الأنبياء تعلموا من تلقاء أنفسهم (الوعي الكوني) أو تعلموا من بشر. فموسى تعلم من حميه (أبو زوجته)شعيب، وعيسى تعلم في الهيكل، ومحمد، صلى الله عليه وسلم، كما يذكر في عبقرية محمد، صلى الله عليه وسلم، تحت عنوان "محمد السيد" أوحت البواعث النفسية إلى النبي ﷺ أعمالَه ومعاملاته!!، ويزعم أن عبادات النبي، صلى الله عليه وسلم، لم تكن بوحي من الله، وإنما بما ورثه من آبائه وبيئته؛ يقول تحت عنوان "العابد": "تهيأ للعبادة بميراثه ونشأته وتكوينه؛ فولد في بيت السدانة والتقوى، وتقدمه آباءٌ يؤمنون ويوفون بإيمانهم، ويعتقدون ويخلصون فيما اعتقدوه..."، وعباس يكذب فسدانة البيت لم تكن في بني عبد المطلب، ولا في بني عبد مناف وإنما كانت في بني عبد الدار، وحديث رد مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة العبدري معروف ومشهور؛ ويقارن بين النبي، كبعقري لا كرسول لله، ومن برزوا في حياة الناس كنابليون وعابد البقرة غاندي، وغير ذلك الكثير من الشواهد على أن "إنكار الوحي" مرّ من خلال كتابات العقاد عن طريق "العبقريات" و "الوعي الكوني" والإصرار على حتمية البيئة والعوامل الوراثية والقول بالتطور المعرفي والعضوي، فبقصد أو بدون قصد اصطف العقاد مع المستشرقين وردد مقولاتهم في فهم وتفسير الشريعة، ومن كتب العقاد تسربت أفكار المستشرقين لعوام المسلمين فأفسدت تصوراتهم العقدية.
ثالثًا: الدفاع عن النصرانية المحرفة
سعى الاحتلال الغربي إلى تفعيل الأقليات الدينية والعرقية والمذهبية كأداة من أدوات بث الفرقة والنزاع، وصولًا لتغيير هوية الأمة وإعادة بناء المجتمعات على غير قواعد الشريعة، وفي هذا السياق صعد نصارى الداخل في المشهد الثقافي، والمشهد السلطوي، والمشهد الاقتصادي، وعامة مجالات الحياة. وحين تتأمل السياق الذي تحرك فيه النصارى من القرن التاسع عشر إلى اليوم، يظهر بوضوح تمكنهم من أسباب لم تكن بأيديهم من قبل، حتى أنهم تجرؤوا على محاولة تنصير المسلمين، فيما يعرف بحملات التنصير في أطراف العالم الإسلام وقلبه، وأفادت منهم الإمبريالية الغربية كأسباب (مبررات) للفعل الإمبريالي أو بتمكينهم هم من السيطرة على القدرات الكامنة وبناء تكتلات داخل المجتمعات الإسلامية لتشتيت المجتمع وتحويله لكيانات متصارعة (سياق استحداث الاحتلال الغربي للصراع الطائفي/ العرقي/ الإثني..إلخ)؛ حين تتأمل هذا السياق يكاد يذهب بعقلك العجب من عباس العقاد وهو يصطف بجوار النصارى ويدافع عنهم، وهو يتجرأ على ما لم يتجرأ عليه غيره، وذلك بدافعه عن بولس (شاؤول) الذي بدّل ما أنزل الله على عيسى عليه السلام؛ ودافعه عن كتاب النصارى الموجود بين أيدينا؛ وأشد من هذا كله أنه وقف متحيرًا لا يعرف كيف كانت نهاية المسيح، عليه السلام. اه والله !!
كتاب كامل (عبقرية المسيح) وليس مقالًا أو مقالين، وطبع عدة طبعات، وحين صَدَرَتْ الطبعة الأولى منه (حياة المسيح) واعترض عليه من حوله ركب رأسه ولم يتراجع عن شيء مما كتب، بل وسخر ممن نصحوه وحاولوا مناقشته، ولازال دفاعه عن النصرانية المحرفة يستخدمه المتطرفون من النصارى، كزكريا بطرس وناهد متولي وأمثالهم، في القول بأن ما هم عليه صحيح.. يقولون: بشهادة "علماء" المسلمين ويقصدون عباس وبعض الملحدين كسيد القمني و"الشيخ" خليل عبد الكريم!!
رابعًا: دعم مصدر المعلومات العلماني
العلمانية المعاصرة.. هذه التي تحكم العالم اليوم، تمردت على الكتب السماوية كمصدر للمعرفة، وراحت تبحث عن قراءة للتاريخ من خلال شواهد مادية في واقع الناس (الآثار، والوثائق، والعملات،... إلخ)، وفي هذا السياق جاء الحديث عن التطور العضوي والتطور المعرفي، كأن كل شيء نبت من الأرض وتطور بعوامل أرضية مادية، وليس أن الله هدى البشرية وأصلح دنياهم وأخراهم بالوحي (وَعَلَّمۡنَٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسٖ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ فَهَلۡ أَنتُمۡ شَٰكِرُونَ)(الأنبياء: 80)، (وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا) (الكهف:65)، [انظر للكاتب مقالًا بعنوان: القيمة العليا في الإسلام وفيه إجابة على سؤالٍ هذا نصه: كيف تعمر الأرض بالعابدين]؛ وكأن الله لم يهلك الأولين ويمحو أخبارهم بما لا يستطيع أحد من الأحياء اليوم الوصول لأخبارهم إلا عن طريق الوحي، يقول الله تعالى: (وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ )(القصص:43) ولذا كان من أول الأشياء التي سأل عنها فرعونُ موسى، عليه السلام، حين أخبره أنه رسول رب العالمين أخبار القرون الأولى، (قَالَ فَمَا بَالُ ٱلۡقُرُونِ ٱلۡأُولَىٰ)(طه:51).
اتكأ عباس العقاد على مصادر العلمانية في حديثه عن الخليل إبراهيم، وتفسيراته لتطور التوحيد من شرك كلي إلى شركٍ جزئي ثم إلى توحيدٍ محدود (توحيد أخناتون) ثم إلى توحيد الأنبياء والكهنة، يقول: كان الإنسان الأول همجي مشرك ثم تدرج حتى تعرف على التوحيد بعد قرونٍ كثيرة، ولو كان قرأ في كتاب الله ساعة لعلم أن الإنسان الأول: خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه حتى فاق الملائكة فيما يخصه، عليه الصلاة والسلام، ثم اصطفاه على العالمين، فكان نبيًّا مكلمًا، والعقَّاد يقول بقول الكافرين: همجيٌ.. مشركٌ..!!
وبعض المنحرفين من المنتسبين للإسلام يقدمون العقل في فهم الدين، والعقل يعمل في التثبت من صحة الدليل ومن صحة الاستدلال به إن كان الدليل من المحكم الإضافي، ويعمل في تحقيق المناط ليبحث له (المناط) عن الحكم المناسب، ولا يعمل أبدًا في مناقشة الحكم إذا ثبت صحته بالدليل القاطع وثبت صحة الاستدلال، وعباس العقاد في كتاب (التفكير فريضة إسلامية) يدعو إلى مناقشة الحكم ومن يناقش الحكم نحدثه بالإسلام، نخبره بأن المشرع هو الحكيم العليم!!
هذا ما قدمه عباس العقاد في إسلامياته. قدّم نصًا مواجهًا للشريعة والمدافعين عنها، نصًا يتبنى قضايا المستشرقين ورؤاهم الكلية، ولذا اهتموا بما كتب وقدموه لنا على أنه قراءة جديدة للشريعة الإسلامية، يقول: صاحب دار الكتاب بدولة لبنان في تقديمه للمجلد الخامس والأخير من موسوعة العقّاد الإسلامية،: "يتألف هذا القسم من نتاج العقَّاد، والذي دعوناه بـ«موسوعة العقّاد الإسلامية» من خمسة ِمجلدات ٍهي العبقريات و«شخصيات إسلامية» و«توحيد وأنبياء» و«القرآن والإنسان» و«بحوث إسلامية»، ويشتمل على خمسة وعشرين كتابًا مختلفًا، تؤلف الذخيرة اللازمة للاطلاع على حقيقة الدين الإسلامي وجوهره". هذا ما يدور في رأس من قدّمه لنا.. اهتموا بنشر كتبه من أجل "الاطلاع على حقيقة الدين الإسلامي وجوهره". فليست كتابات أدبية إذًا. بل قراءة جديدة للشريعة، ولذا وجب إعادة النظر فيما كتب عباس العقاد والوعي بأنه مواجه للشريعة لا مدافع عنها.
د. محمد جلال القصاص
صباح الأحد 25 من ذي القعدة 1442ه
الموافق 4/7/2021