غنائم تُدنيك من الحبيب

إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ   ***   ولا تغفل عن الإحسان فيها فلا تدري السكونُ متى يكونُ

  • التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي - العشر من ذي الحجة -
غنائم تُدنيك من الحبيب

محبة الله جل وعلا أمنية الصالحين وقد وصف الله أهل الإيمان بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} وأثنى جل وعلا على بعض عباده بقول: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ[المائدة: 54] وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:" أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك" رواه الترمذي وصححه البخاري.

فعلينا عباد الله أن نطمع في نيل محبة الله عز وجل ونلهج بما لهج به رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك.
وأعظم طريق لنيل هذه المنزلة الاستكثار من عمل الصالحات قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].


ونحن عباد الله مقبلون على موسم عظيم يدنينا من هذه المنزلة موسم قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» – يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال «ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» (رواه البخاري).
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام أعظم ولا احب إلى الله العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» (رواه الإمام أحمد).


عباد الله دونكم الفرصة فبادروا باغتنامها:

إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها فَعُقْبَى كُلِّ خافِقَة ٍ سُكُوْنُ   ***   ولا تغفل عن الإحسان فيها فلا تدري السكونُ متى يكونُ

أيام أخبرنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم بأن العمل الصالح فيها أحب إلى الله، فيا من يحب الله ويطمع أن يحبه الله بادر بالصالحات في هذه الأيام فإن المحب يبادر إلى التزلف إلى حبيبه بما يحب، ولذا كان السلف الصالح يجتهدون في استغلال هذه العشر، فقد كان سعيد بن جبير كان إذا دخلت أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه، وكان يقول: لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر - تعجبه العبادة.


ومن الأعمال التي تشرع في هذه العشر:

أولاً: أداء الحج والعمرة، وهما أفضل ما يعمل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» (متفق عليه).


وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله قال له: «أمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»  (رواه مسلم).

ثانياً: صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها، فإن جنس الصيام من أفضل الأعمال، وهو مما اصطفاه الله لنفسه، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي»  (رواه البخاري).

  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله ، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً» (متفق عليه).


ولذا كان السلف الصالح يصومون هذه الأيام العشر باستثناء يوم العاشر لأنه عيد، قال عبدالله بن عون: كان محمد بن سيرين يصوم العشر عشر ذي الحجة كله. وقال ليث بن أبي سُلَيْم: كان مجاهد يصوم العشر، قال: وكان عطاء يتكلفها، فعلينا عباد الله أن نصوم ما استطعنا من هذه الأيام.


ويشرع بالأخص صيام يوم عرفة فعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده» (رواه مسلم

ثالثاً: كثرة الذكر في هذه الأيام لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} وقد فسرت بأنها أيام العشر وأعظم الذكر تلاوة القرآن فينبغي للعبد أن يشتغل في هذه الأيام الفاضلة بكثرة تلاوته والحرص على ختمه.


ومن أعظم ما يشرع من الذكر في هذه الأيام التكبير والتحميد والتهليل فعن ابن عمر رضي الله عنهما: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» (رواه أحمد).


وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم.

رابعاً: كما يشرع في هذه الأيام التكبير المطلق في جميع الوقت من ليل أو نهار إلى صلاة العيد، يشرع كذلك التكبير المقيد وهو الذي بعد الصلوات المكتوبة التي تصلى في جماعة، ويبدأ لغير الحاج من فجر يوم عرفة، وللحجاج من ظهر يوم النحر، ويستمر إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق.

خامساً: كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصلة الأرحام وبرهم والإحسان إلى الخلق، وليتذكر المسلم أن الله يحب كل طاعة يعملها في هذه الأيام.

سادساً: من أراد الأضحية فعليه أن لا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً من دخول هلال ذي الحجة حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» (رواه مسلم) وفي رواية: «فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي» رواه النسائي وصححه الألباني.
وهذا النهي يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه.

سابعاً: التقرب إلى الله عز وجل بذبح الأضحية، وهي عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مرة واحدة في العام، فليؤديها بنفس طيبة، وليتختر أطيب الأضاحي، فإنه الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقد "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما " متفق عليه

وللأضحية شروط هي:


الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها.


الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» (رواه مسلم).


فالثني من الإبل ما تم له خمس سنين، والثني من البقر ما تم له سنتان، والثني من الغنم ما تم له سنة.
والجذع: ما تم له نصف سنة.


الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ «أَرْبَعًا» «الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِى لاَ تُنْقِى» (رواه مالك في الموطأ والإمام أحمد).


الربع: أن يضحي بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة فعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء» (رواه البخاري)، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ» (رواه البخاري) وفي رواية: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى»

أخي المبارك دونك هذه الأيام العظيمة الفاضلة المبارك فإنها من أعظم الغنائم وهي طريقك للفوز بمحبة الله عز وجل، رزقني الله وإياك حبه وحب من يحبه وحب عمل يُقربُ إلى حبه.

________________________________
الكاتب:
 شائع بن محمد الغبيشي