أفراحنا: سنن ومنكرات

أصل الفرح والسرور واللهو مباح؛ بل هو من سنن الزواج، لكن أن نترك المباح ونتعدَّى إلى المحرَّمات هذا؛ الذي لا يجوز..

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -

الحمد لله الذي وعد مَنْ شكر نعمه بالمزيد، وأوعد مَنْ كفرها بالعذاب الشديد، وكرَّم الإنسان بالزواج دون سعي الحرام، وخَصَّ المسلمين وشرفهم بأحكام الزواج وآدابه على سائر بني الإنسان، والصلاة والسلام على الأتمَّان الأكملان، على سيد ولد عدنان؛ محمد بن عبدالله، وعلى أله وخير آل وصحابته الكرام، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تثبِت التسليم والإذعان، وتعصم قائلها من الخُلْد في النيران، وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ورسوله الذي اجتبى، وعلى آله وصَحْبه ومَنْ بسنَّته اهتدى.

أما بعد أيها الإخوة:
أوصيكم ونفسي بقوى الله تعالى، فلنتَّقِ الله في سرِّنا وجهرنا، وليلنا ونهارنا، وسائر أحوالنا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «اتقِ الله حيثما كنتَ، وأَتْبِعِ السيئة الحسنة تَمْحُها، وخالِق الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ».

عباد الله:
لقد امتنَّ الله علينا بنعمة الزواج في آياتٍ كثيرة من كتابه الكريم؛ فقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

جعل الله - عزَّ وجلَّ - من موجبات تقواه: خَلْقنا من نفسٍ واحده، وأنه خلق من تلك النفس آدم، وخلق منها زوجها.

ثم ما ترتب على ذلك بالزواج، من بثِّ الرجال والنساء وعمران الكون، إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.

وقال سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: 72]؛ يعني أن الزواج نعمة عظيمة، وعلى المسلمين أن يشكروها ولا يكفروها.

ويقول سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

وهناك آيات كثيرة في هذا المعنى، وأحاديث كثيرة أيضًا، كلها تقرِّر أنَّ الزَّواج من أعظم النِّعَم وأكثر الخصائص التي اختصَّ الله بها بني آدم على سائر أنواع المخلوقات، وما دام الأمر كذلك أيها الإخوة؛ فأنه يجب علينا أن نشكر الله على هذه النِّعَم، وذلك بأن نُجري هذا الزواج كما شرعه الله.

أقلُّ ما يجب من شكر نعمة الله على الزواج: أن يكون الزواج على حسب ما شرعه الله، بأحكامه، وبآدابه، وبأهدافه، وبما يتعلَّق به، فلا يكون خارجًا عن شرع الله سبحانه وتعالى هذا أقل ما يجب أن نقوم به شكرًا لله على هذه النعمة.


فهل شكرنا الله فعلاً على هذه النعمة؟
الجواب: إن كثيرًا من الناس ما شكروا الله؛ بل كفروه! كفروا هذه النِّعَم، وهذا من أعظم أسباب المشاكل؛ لأنه - أيها الإخوة - عند التأسيس الزواج هو بمثابة أساس الدار، مَنْ أراد البناء؛ فانه يجب أن يُحْكِمَ أساسه، وهذا أمرٌ معلومٌ، وأساس المعيشة السعيدة، وبناء الأسرة الطيبة هو الزواج؛ فأن تأسَّس على مرضاة الله؛ كان ذلك البناء صلبًا قويًّا مريحًا هنيئًا، وإن تأسس على معصية الله؛ فلا شك أنه لن يكون قويمًا، ولن يكون صلبًا، ولن تكون المعيشة فيه رغدةً هنيئةً؛ بل عقوبة الله تسبِّب المشاكل الزوجية والمشاكل الأسرية، وما نلاحظه ونشكوا منه ويشكوا منه كثير من المجتمعات، مما يعتري داخل البيوت من مشاكل وتناثر وعدم راحة وقلة سكينه - كل ذلك بسبب أنَّنا لم نؤسِّس التأسيس الصحيح، وبسبب أننا لم نشكر النعمة كما يريد الله سبحانه وتعالى.

لذلك - أيها الإخوة - فأنه يجب أن نلتزِم بالآداب، ونتقيَّد بالأحكام، ونجري هذا الزواج بما فيه من أفراح ومن ابتهاجات، ومن عادات وأخلاق، أن نجري ذلك على وفق سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

لقد شرع لنا ربُّنا سبحانه في الزواج ما تصفوا به الأرواح، وتزكوا به النفوس، وما يلبي به الغرائز السليمة، ويُنشئ المودَّة والرحمة، ويجلب الطمأنينة، ويحافظ على استمرار ذلك كله.

لكن في هذه الأيام؛ حيث كثرت الإعراس - رأينا أمرًا عجبًا من المخالفات والمعاصي وكفران النِّعَم، بعضها بالتقليد الأعمى، التقليد لمَنْ؟ التقليد للأعداء، التقليد للسَّفَلة، التقليد لأهل العُهْر والدِّعارة، لمَنْ لا خَلاق لهم، لمَنْ لا دين لهم!!

كيف يليق بأتباع محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - وأتباع الصحابة الكرام أن يتركوا الاقتداء به وبهم، ويقتدوا بالكَفَرة الملحِدين، وبالفَجَرة الفاسقين، وبمَنْ لا دين ولا خلاق لهم؟! كيف يليق؟ في أي عقلٍ؟ في أي شرعٍ؟ في أي دينِ؟ في أي مصلحةٍ أن نترك الإقتداء بمن بُعث ليتمِّم مكارم الأخلاق، ثم نقتدي بأعدائنا من الفَجَرة والكَفَرة ومَنْ لا خَلاق لهم؟!!

إن ذلك ينافي العقل، ينافي الفِطرة، ينافي المصلحة، ينافي كلَّ شيءٍ؛ إذ إن التقليد الأعمى لأعدائنا، وتسليم الخِيار إلى الذين يريدون أن تشيع الفاحشة فينا - قد حمل الكثير منَّا على مخالفات مؤذنه بعقوبة من الله، أهونها أن تتنكَّد الحال على الزوجَيْن، فتُسلَب المودَّة والرَّحمة، ويحلّ محلَّها البغضاء والمكايدة، وأن ينقلب الحال على الأسرة؛ فلا تقرُّ عيونها بذلك الزواج؛ بل يكون وبالاً عليهم، وبداية مشاكلٍ لا نهاية لها.

فلنتَّقِ الله، ونمسِك بأزِمَّة الأمور، ولا ندعها للشيطان وأعوانه، حتى نَسْلَمَ من تلك العقوبات، والله قد حذَّرنا فقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

عباد الله:
لقد أظهر موسم الأعراس في هذه السنة جملةً كبيرةً من المخالفات والمناكِر المصاحِبة لهذه الأعراس، ولو أردتَ تتبُّعها كلها لم أستطع، ولن تكفي هذه الخطبة لها، ولكنني سأقتصرُ على ما يختصُّ بالاحتفالات وبالزفاف فقط.

فمن ذلك أيها الإخوة:
ما يحدث عند العَقْد في المسجد. عادةٌ طيبةٌ أن نُقيم عقودنا في المسجد، نشهرها ونعلنها كما أمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن يجب ألا ننسى في غمرة فرحنا، وفي الرغبة إلى الوصول لتطلعاتنا وشهواتنا - لا ننسى حُرْمَة المسجد.

المسجد له حُرْمَةٌ: لا يجوز رفع الأصوات فيه، ولا يجوز المخالفات، والرسول - صلى الله عليه وسلم – يقول: «اياكم وهَيْشات الأسواق».

لا تكونوا في المسجد كما تكونون في السوق؛ صياحٌ وإزعاجٌ وفوضى! إن ذلك لا يليق ببيت الله، كيف ونحن قبل قليل كنا صافِّين خاشعين مُخْبِتين إلى الله، لا كلمة ولا حركة في الصلاة، ثم بعد العقد ينقلب المسجد إلى فوضى، إلى إزعاج، إلى صياح!! إن ذلك لا يليق، وعلى إدارة الأوقاف، وعلى أئمة المساجد - عليهم أن يحدِّدوا الضوابط التي تمنع من إثارة هذه الفوضى والضجيج، ويُلْزَم مَنْ يريد العَقْد في المسجد بها كذلك.

أيها الإخوة:
التصوير بالفيديو رخَّص فيه كثيرٌ من العلماء، أما التصوير الفوتوغرافي؛ فأكثر العلماء على تحريمه، خصوصًا إذا كان لمجرَّد الذكريات؛ لأن هذه الصور ستؤخَذ وتُحْفَظ وتعلَّق في البيوت، والرسول - صلى الله عليه وسلم - منعنا من حفظها وقال: «لا تدع صورةً إلا طَمَسْتَها»، ومنعنا من تعليقها، وأخبر أنَّ الملائكة - ملائكة الرحمة - تنفر من البيوت التي تُعلَّق فيها الصور ولا تدخلها.

أيها الإخوة:
ومن هذه المخالفات: أن يكون فيها من اللهو، وأصل اللهو مشروعٌ، واللهو للزواج مشروعٌ، ولقد رخَّص النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بضرب الدُّفِّ في النكاح؛ بل أمر به وقال لعائشة عندما زفَّت مع نسوةٍ أُخَر عروسًا إلى زوجها: «هلا كان معكم من لهوٍ؛ فأن الأنصار يُعجِبهم اللهوَ».

فأصل الفرح والسرور واللهو مباح؛ بل هو من سنن الزواج، لكن أن نترك المباح ونتعدَّى إلى المحرَّمات هذا؛ الذي لا يجوز.


فهناك تعدٍّ كبيرٍ عند بعض الناس؛ فمنه: أن يكون الحفل واللهو بالآلات الموسيقية المحرَّمة؛ فالآلات الموسيقية حرامٌ، سواءٌ منها المدروف والمزمار والعود والكمنجات، وسائر أنواع الموسيقا، وفي البخاري أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه يكون في آخِر الأمَّة قومٌ يَسْتَحِلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف» كلها محرَّمات.

الحرَ: كنايةٌ عن الزِّنا، والحرير: معلومٌ أنه محرَّم على الرجال، والخمر: معلومٌ للجميع حكمه، وكذلك آلات المعازف؛ بل إنه سببٌ لوقوع الخسف والقذف والمسخ في هذه الأمَّة.

إذًا؛ فالطرب والسَّمَر والاحتفال بهذه الآلات محرَّمٌ، سواءٌ كان للرجال أو للنساء، أما النساء: فيجوز لهنَّ استعمال الدُّفِّ واللعب والرقص بما يليق لحالهنَّ، وبما لا يخرج عمَّا هو معلومٌ من حدود الشرع.

ثم إنهم لم يقتصروا على ذلك؛ بل هناك عند الرجال: السَّهَر المفرِط سهر؛ يبتدؤون الحفل من بعد الساعة الحادية عشرة! سبحان الله!! الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحديث بعد صلاة العشاء، وهؤلاء من الساعة الحادية عشرة يبتدؤون حفلهم، وإلى قُرَيْب الفجر!! إن ذلك سيكون سببًا لإضاعة صلاة الفجر!!!

وليعلم صاحب الزَّواج: أنَّ كلَّ مَنِ ارتكب معصيةً في الحفل، أو بعد الحفل، أو أثناء الزفاف، أو في أي صورةٍ كانت - كان هو السبب فيها؛ فإن على صاحب الزواج مثل أوزار أولئك، فكلُّ مَنْ أضاع صلاة الفجر؛ فعلى صاحب الزواج ذنبٌ مثل ما هو يتحمَّل من الذنب، وكل مَنْ كان ارتكب معصيةً بسببك أنتَ؛ فعليك من وزره؛ يحملون أوزارهم وأوزارًا مع أوزارهم.

فلنتَّقِ الله كذلك في بعض التصرفات والحركات التي لا تليق: مثل دعوة السكارى وأصحاب المخدِّرات، والضحك إليهم، وإعطائهم المجال في التصرفات التي لا تليق، كل ذلك من المنكرات التي يجب إزالتها، ويحرم وجودها، ويتحمل صاحب العُرْس وِزْرَها كما يتحمل أصحابها أوزارهم.


وهكذا بالنسبة للنساء: هناك عدة مخالَفات عند بعض النساء؛ فهناك اللِّباس الخليع، هذه الموجه المقصودة، هذا الغزو الموجَّه لمجتمعنا الطيِّب المحافِظ، الذي يُراد منه أن تكون نساؤنا كتِلك النساء اللاتي نشاهدهنَّ في القنوات، كنساء المجتمعات المتفرنِجة المتبرِّجة المنحطَّة، التي بدأ نساؤها يتألمَّن من وضعهنَّ، ويفكِّرن في الرجوع إلى الحجاب!

هم يريدون لنا أن نذوق ما ذاقوا من المرِّ، وأن ننزل إلى ما نزلوا إليه من السوء، وأن نصل إلى ما وصلوا إليه من الرَّذيلة والفاحشة!! فلنتقِّ الله أيتها الأخوات.

أيها الرِّجال:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، ونحن قد أتينا بالقنوات، وأطلعنا نساءنا على أؤلئك المتبرجات العاهرات، ثم تركناهنَّ يشترين الملابس دون مراقبة، ويفصِّلْنَها دون محاسبة، ولا نرى ما هنَّ عليه تحت الحجاب، تحت البالطو التبرِّج، تحته الفُحْش، تحته الشرُّ!!

فلنتَّق الله، أيُّ رجلٍ يرضى أن تذهب زوجته وثوبها مشقوقُ إلى نصف الفخِذ أو أكثر، أو بالبنطلون الضيِّق الذي يجسِّدها!! إن هذا من أعظم المنكرات.

كذلك الرَّقصات، الرقصات التي ترقصها بعض النساء في الأفراح، مما أخَذْنَه عن أؤلئك العاهرات الفاجرات! إنَّ التشابه معهنَّ في الظاهر يوجِب محبتهنَّ في الباطن، ويوجِب أن يُقتدَى بهنَّ في كل الأفعال؛ فهل نرضى أن تقتدي نساؤنا بالزَّانيات، بالفاجِرات، بالعاهِرات؟!! ألا نتَّقِ الله سبحانه وتعالى؟!!

إن هذا - والله أيها الإخوة - وباءٌ وبلاءٌ، وعلينا أن نحاربه ونقاومه، وإلا وقعنا في ما وقع فيه الآخرون.


لقد حفظنا الله في أحلك الظروف، فكيف نسمح اليوم بهذه الحرب، كيف نسمح أن نُختَرَق، وأن تُجْتَزَّ أخلاقُنا، وأن يُقضى على شرفنا ونخوتنا وعروبتنا وإيماننا؟!! إن هذا لا يجوز أيها الإخوة.

فلنتَّقِ الله كذلك؛ فإن بعض الرجال عندما يضعون الأشرعة في الشوارع، لا يستروهنَّ السِّتر الصحيح، يدعون منافذَ لمَنْ يريد أن يتفرَّج، وهؤلاء آثمون؛ لأنهم السبب في النظر إلى النساء وهن في حال زينتهنَّ، وفي حال رقصهنَّ، وفي حال غنائهنَّ، وكلها أمورٌ تدعوا إلى الفاحشة، أمور تثير الغرائز، فكيف لا نستر هذه ألاماكن بالشكل المطلوب؟

ومن ذلك أيضًا: تصوير النساء بالفيديو، وأصل التصوير بالفيديو أنه رخَّص فيه العلماء، لكن أن نرخِّص أن نصوِّر النساء وهنَّ في حال زينتهنَّ بالفيديو، ويقول الواحد: نحتفِظ به، ولا يطَّلع عليه أحدٌ، تراه أمَّهات العروس وخالات العروس في المهجر وخارج البلاد - هذا والله غيرُ صحيح؛ لأنه لو حصلت الصورة؛ فيمكن التحكُّم فيها. وهناك مَنْ هو مريض النفس، صاحب مرض شهوة في البيوت؛ فيحاول أن يأخذها ويتفرَّج عليها، ويدعو أصحابه وأصدقاءه للتفرُّج عليها، وتصوِّر يا أخي زوجتك وهي كاشفة الرأس، متلبسة بأحسن اللِّباس، وربما من أوسخ اللباس كذلك، ثم تصوَّر وتعرض على الرجال؛ أين أنت؟ أين شيمتك وغيرتك؟ أيجوز ذلك؟؟

إذًا؛ مَنْ فعل هذا فهو آثمٌ، واللهِ آثمٌ، وعليه أثمُ مَنْ توصَّل إلى هذا الشريط.

أيها الإخوة:

ما يسمى بـ(التشريع) عادة جديدة أصلها نصراني؛ حيث يجلسون ويقولون: باسم الأب، وباسم الابن، وباسم روح القدس، ثم يصوِّرون، ثم يلبسون بعضهم بعضًا (الدبلة) وما أشبه ذلك.

إنها بدأت تغزونا وتظهر في مجتمعاتنا، فيدخل الزوج وبعض الرجال أمام النساء، وربما تكون النساء أيضًا كاشفات متزيِّنات متعطِّرات، ويراهن المراقِبون، وتشرع النفوس إليه وهو يلمس زوجته، وربما صوَّروا فوق ذلك، وهذه المنكرات مترادفة، وظلمات بعضها فوق بعض.

 

ومنها أيضًا: أن هذه العروس أُلْبِسَتِ الثياب كما نراها في الغرب؛ تلبس الثياب البيضاء، وليس الأمر في الثياب البيضاء، ولكن في شكل اللِّباس كما نراه عند الآخرين، وأقبح من ذلك: أن يوضع على رأسها ثوبٌ رقيقٌ، لا يستر شيئًا، وتخرج كاشفة الوجه، تخرج كاشفة الوجه وهي عروسٌ، حتى لو لم يكن هناك إثارة من رؤية الوجه عند بعض الرجال؛ إلا إنها عندما تكون عروسٌ فالإثارة بالتطلع إليها حاصلةٌ، والذي يخرج بعروسه يقودها ووجهها مكشوفٌ، وهو بلا غَيْره، بلا رجولة، يتركها لينظر إليها الرجال، وتصوَّر أمام الرجال، ويتجول بها في الشوارع أمام الرجل؛ فهذا مناقضٌ للشرع، مناقضٌ للرجوله، مناقضٌ للغَيْرة.

كذلك الزَّفة، وأن نسري بالعروس في آخر الليل بتلك الضجة، بتلك الصياحات، بذلك الموكب من السيارات والنساء، نجول الشوارع، نزعج النائمين، ونؤذي المرضى، ونعمل عملاً ليس له قيمة، ليس له فائدة، وما الفائدة المرجوَّة من الذي يحصل؟ ما الذي نستفيده؟ ما الذي سيعود علينا؟ ... لا شيء!!

وأقبح من هذا: أن بعض النساء المصاحِبات لهذه الزَّفة في سيارات مخصوصة، يرقصن ويطبِّلن ويغنِّينَ، ويُظهِرنَّ من أنواع قلة الحياء ما لا مزيد عليه، وما يدل على الوقاحة والنذالة، ما يدل على قلَّة الحياء، وهذا أمرٌ خطيرٌ.

إذا ذهب الحياء فلا خير فينا أيها الإخوة، يأثم مَنْ يسمح لامرأته أو بنته أو أخته أو قريبته بالذهاب مع هؤلاء بهذه الصورة المحرمة، عليك ألا تسمح لامرأتك أن تذهب في هذا الموكب الذي يسخط الله، والذي يثير الشغب، والذي يعود بالسوء على المجتمع كلِّه، وليس على صاحبه وحدة... فلنتَّق الله أيها الإخوة.

نسأل الله أن يرزقنا تقواه، وأن يرزقنا شكرَ نعمته، وأن يجعلنا نتقيَّد في أفراحِنا وأتراحِنا وسائر أمورنا بشرع الله تعالى؛ فذلك هو العصمة من الله.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله، حمدًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيد الأوَّلين والآخِرين؛ سيدنا ونبيِّنا محمدًا، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أيها الإخوة المؤمنون:
يقول الله - عزَّ وجلَّ -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

أيها الإخوة:
إن منكرات الأعراس، إن المخالفات الكثيرة التي في الزيجات - لا تكاد تنحصر، وما ذكرتُ إنما هو نماذج فقط، وليس للحَصْر، ولكن كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «البرُّ ما اطمئنَّت إليه النفس، واطمئن إليه القلب، والإثم ما حاك في نفسكَ، وكرهتَ أن يطَّلِع عليه الناس».

ففتِّش في نفسكَ، فتِّش في ما تعمله، وستدرك ما كان من المخالَفات، وماكان من الإثم، وما كان من المعصية، وما كان مما يُسخِط الله - سبحانه وتعالى.

فما عرفته فاجْتَنِبْهُ ودعه، ولا عليك أن تخالِف ما عليه الناس، لا عليك من أن يقول الناس: هذا متخلِّف، هذا بخيل، هذا لا يريد أن يظهر بما يظهر عليه الناس. دعهم يظهرون أمام سخط الله، وارضَ برحمة الله وعفوه، وإن كنت متسترًا لا يراك أحد؛ فالله هو الذي يرى، و«الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكنه ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».

أيها الإخوة:
ذكرنا كثيرًا من المخالفات، وكانت هذه المخالفات مما أخذناه عن الأعداء، مخالفاتٌ جديدة، وهناك مايعود  منها في التاريخ إلى الوراء، عادات قديمة قد ماتت، عادات الجهل والبداوة.

بعض الأعراس - وللأسف - في وسط (المكلا) ظهر فيها الرجال والنساء يشترحون جنبًا إلى جنب! كيف يكون هذا - أيها الإخوة -؟ كيف يليق؟ كيف يجوز؟ في أي عقل؟ في أي  دين؟ في أي خُلُق أن ترضى بزوجتك أو أختك تنزل جنبًا إلى جنب مع الرجال في حال الطبل والتصفيق والرقص وإهاجة الشهوات، وهي بين الرجال تدور وترقص وتتكسَّر وتتثنَّى؟ أي غيرة؟ أي رجولة؟ أي شهامة؟

إذًا؛ فلندع المخالَفات، ما كان منها قديمًا وما كان حديثًا.

كذلك أيها الإخوة:
أختم بهذه الملاحظة بما يحدث في الولائم:
أما الإسراف؛ فأرجو ألاَّ يكون هناك إسراف - والحمد لله - إلى الآن، وأرجو أن نستمر على هذا الحال، فلا نندفع فنكون من المسرفين.

لكن هناك شيء آخر مقابل، للأسف الشديد هناك عادة سيئة أخرى، هي المجيء من غير دعوة، هي أن يتسامَع كثيرٌ من الناس أن هناك زواج في المكان الفلاني، في القصر الفلاني، في الفندق الفلاني، ثم يأتون ساقطين على أصحاب الزواج، يحرجونهم إن جاؤوا أن يردونهم، وإن تركوهم بقي الضيوف المدعوون بلا أكل، أو اضطر صاحب العرس إذا كان عنده أكل مائه أن يصنع أكل خمسمائة، من أجل هؤلاء السَّقَطَة، من أجل هؤلاء المتطفِّلين الطُّفَيْلِيِّين.

أيها الإخوة:
نحن في حضرموت نتميز على كثير من البلاد الأخرى بعزة النفس، كان الواحد منا يفضِّل أن يموت ولا يمد يده للآخرين، هذه ميزة - ولله الحمد - تميزنا بها عن كثير من الناس، لكن نشعر أن في الأيام الأخيرة بدأنا نقطع أوصال هذه الميزة ونطمسها ونهدمها، ونرضى أن نعود ما عليه الناس، وأخسّ مما عليه الناس! هذا لا يليق، لا يجوز يا أخي أن تأكل طعامًا ما أُذن لك في أكله، حرامٌ أن تأكل طعام إنسان ما أذن لكَ وما دعاك؛ بل تحرجه وتؤذيه.

هذه أمورٌ مما وقع فيه الناس في الزوجات والأعراس من المخالفات، أحببتُ أن أقولها ونحن في هذا الموسم الذي كثر فيه الزواج، تذكيرًا بما مضى، أو تحذيرًا مما يأتي.

نسأل الله أن يرزقنا الاستقامة، ويجنِّبنا ما يسخطه؛ إنه سميعٌ مجيبٌ.

________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم