ذو الحجة.. موسم البركة لأيام يحبها الله
لقد هلت نفحات الإيمان الطيبة للعشر الأوائل من ذي الحجة؛ لتطرق أفئدة المسلمين والمسلمات؛ ليشمر كل واحد منهم عن ساعديه في إقباله لفعل الخيرات، فهي من أيام الأشهر الحُرم..
- التصنيفات: العشر من ذي الحجة -
لقد هلت نفحات الإيمان الطيبة للعشر الأوائل من ذي الحجة؛ لتطرق أفئدة المسلمين والمسلمات؛ ليشمر كل واحد منهم عن ساعديه في إقباله لفعل الخيرات، فهي من أيام الأشهر الحُرم التي قال عنها الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}[التوبة:36].
فهي أيام يحبها الله تعالى وتُعظم بها أجور الأعمال الصالحة، وبنفس الوقت يذكرنا الله عزوجل باجتناب المعاصي {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} فإن كانت المعصية محرمة في كل أيام العام فإن تحريمها في هذه الأشهر الحُرم وأيام ذي الحجة أعظم.
مواسم البركة
لقد أيد الله تعالى أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) بمواسم كثيرة البركة، تُضاعف فيها السيئات وترفع فيها الدرجات حيث يقول أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة أ.د. سلمان نصر الداية في حديثه لـ "البيان": "إن من تلك المواسم: العشر الأول من ذي الحجة فقد ذكرت في القرآن الكريم والسنة بمعرض الفضل، وعلو القدر".
ويسترشد على ذلك بقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج:28]، وقد قال ابن عباس (رضي الله عنهما):" الأيام المعلومات: أيام العشر، والأيام المعدودات أيام التشريق".
واستدل كذلك عن جابر (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال تعالى: {وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر:1-4]. قَالَ: {الْعَشْرُ عَشْرُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعُ يَوْمُ النَّحْرِ}.
وعن جابر، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ» قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِيَ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «هِيَ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ....».
ويذكر د.الداية، أن الحديث دل بالعبارة، أن أفضل أيام السنة عند الله تعالى عشر ذي الحجة، وأن شُغلهن بالأعمال الصالحة يسبق بالفضل أيامًا بعددهن جهادًا في سبيل الله تعالى، ويؤيد هذا الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( رضي الله عنهما ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى اللهُ عليه وسلَّم ): «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
ويلفت في حديث، إلى أن كلمة " الْعَمَلُ" قد جاءت معرفًا، وهو اسم جنس دخلت عليه(أل) الاستغراق فعم جميع أفراد العمل الصالح ما يعني: أن أي عمل صالح يعملهُ المؤمن في هذه الأيام العشر، يعدل الأجر والمثوبة عمل مجاهد خرج يخاطر بنفسه وماله في سبيل الله تعالى، فقتل، وذهب ولم يرجع بشيء منهما، وفي هذا الأمر يعد إغراء للمؤمنين من أجل أن يكثروا من الصالحات، اغتنامًا لعظم الأجر، وتكثير الذنوب.
الأعمال الصالحة
وحول الأعمال التي يحث على فعلها في هذه الأيام المباركة يُشير د.الداية في حديثه، إلى أنه يستحب للمؤمن أن يكثر من التكبير والتهليل والتحميد.
ويستدل بذلك عَنِ ابْنِ عُمَرَ(رضي الله عنهما)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ».
ويتابع في حديثه عن الأعمال الصالحة التي يحث المؤمن على فعلها، :"إن تلاوة القرآن خير الذكر وأفضله باتفاق أهل العلم، ويستحب في كل الأزمان، وهو في العشر أحب إلى الله وأعظم منه في أي وقت آخر".
ويستدل على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29-30].
ومن الأعمال الصالحة التي يؤكد على فعلها، الصلاة فرضها ونفلها فهي خير الأعمال، وأفضلها وأمحاها للإثم وأرفعها للدرجة، وهي عمود دين المسلم.
ويستدل على ذلك قول رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْمَلُوا، وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلاَةُ، وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ».
ويضيف في حديثه: "الصيام فرضه ونفله فعبادة الصيام عظيمة المنفعة فإنها تزكِ النفس، وتهذب الشهوة، وتزخر القلب، وتزيد الحكمة، وتعلم الصبر، وتحفظ من طغيان الهوى، وتضيق مجرى الشيطان، ويتأكد استحبابها في التسع من ذي الحجة".
ويستدل على ذلك أنه َرُوِي عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ...".
ويبين، أن في الحديث يدل على استحباب صيام التسع من ذي الحجة، ولقد كان أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه) يؤخر قضاء ما فاته من رمضان؛ ليشركه مع التسع من ذي الحجة، تكثيرًا للأجر، ولأنه الأحب إلى الله عزوجل.
تفريج الكرب
صُنع المعروف يعد من أحب الأعمال إلى الله تعالى وأعظمها أجرًا وأدفعها لمصارع السوء، ويزيد أجرها في العشر الأوائل من ذي الحجة إذ يقول د.الداية: "ليبادر المؤمنون إلى صنائع المعروف، وإدخال السرور على الناس في هذا الموسم الأغر اغتنامًا للأجر".
ويستدل على ذلك عن أبي هريرة عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، قال: «مَن نَفَّسَ عن مسلم كُرْبةً مِن كُرَبِ الدُّنيا، نَفسَ الله عنه كُرْبةً من كرب يوم القيامة، ومَن يَسَّرَ على مُعْسِرٍ، يَسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخِرَة، ومَن سَتَر على مسلمٍ، سَتَرَ الله عليه في الدُّنيا والآخرة، واللهُ في عَونِ العبد ما كان العبدُ في عَونِ أخيه».
ويضيف:" أن الحديث يحكي أن الجزاء من جنس العمل، فمن نفس كربة عن مؤمن، قابله الله تعالى بمثل ذلك يوم القيامة، ومن يسر على معسر، قابله الله تعالى بمثله في الدنيا والآخرة، ولاشك أن ما يكون من الله تعالى هو أعظم وأبقى".
ومن الأعمال الصالحة التي يُحث المؤمن على القيام بها هي الصدقة من كسب طيب حيث يقول د.الداية: "إن الصدقة تطفئ الخطيئة، وتطهر من الشح، وتزك النفس، وتزيد المال وتحفظه من الزوال، وتذهب غضب الجبار، وتظل صاحبها من حر النار".
ويستدل على ذلك في قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].
والأعمال الصالحة لا تقتصر على ذلك؛ بل هي منطلق لغيرها من فعل الخيرات والتي منها صلة الأرحام والابتسامة في وجه المسلم، والكلمة الطيبة....فلا تحرم نفسك هذا الأجر العظيم فهي أيام معدودات سرعان ما تمضي فلا تغفل بها؛ بل شمر عن ساعديك للخير مقبًلا فهي أيام يحبها الله تعالى فأحسن صُنعك فيها فتغتنم الأجر فهو مضاعف، واركض بعيدًا عن المعاصي وأنت تتلو قوله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}.