فضل قدر الذراع من الجنة
ثم تأمل معي قول النبي عليه الصلاة والسلام :، مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فيهَا
- التصنيفات: الدار الآخرة -
عن أبي هُريرة رضي الله عنه، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ في الجنةِ خيرٌ مِنَ الدنيا و ما فيها ، واقرَأُوا إن شِئْتُم : فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ، وَ مَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (آل عمران 185 ) (أخرجه الترمذي 3013، والنسائي في السنن الكبرى 11085، وأحمد 9651)
لو قيل لك قوم لنا الدنيا، كم تساوي ؟ كل الدنيا، كم يساوي سعرها بالمال ، تقريبا ؟
ابدأ واحسب الشارع الذي تسكن فيه ؛ كم فيه من دار ؟ وكم فيه من محل ؟ وكم فيه من مباني، ومن أراضي ؟ وكم، وكم، وكم..فالشارع كله، بكل ما فيه، ما هو سعره كاملا ؟ ومدينتك ؟ وبلادك كلها؟ والقارة كاملة، كم تساوي ؟ فالدنيا كلها، بكل قاراتها، كم تساوي بهذا المال الذي يتعامل به الناس الْيَوْمَ ؟... طبعا ليس من السهل حساب ذلك كله، فاسأل الذين يحبون الحساب ، ا لذين يحسنون الحساب، كما قال الحق سبحانه :
{فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} ( المؤمنون الآية 113)
ثم تأمل معي قول النبي عليه الصلاة والسلام :، مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فيهَا ؛
والسوط أداة بطول العصا ؛ طولها متر (يزيد أو ينقص قليلا) ومحيطها اثنين سنتيمتر تقريبا، والعصا غالبا لا قيمة لها، قد يلتقطها الطفل ليتسلى بها برهة، ثم يرميها، وحين تضع العصا على الأرض كم ستأخذ مساحة ؟
ومع ذلك مَوْضِعُ السوط في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا، يعنى: أنَّ المَكانَ الصغير الذي يُساوي مساحة العصا ، لو نلته في الجنة ( قدر ذراع تقريبا) أفضَلُ مِنَ الدُّنيا كلها، بكل ما فيها؛ (هذا لو كنت تملكها أصلا )
وقال صلى الله عليه وسلم: << وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ >> (رواه البخاري 2643 )
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: << القاب : ...قيل ما بين الوتر والقوس ، وقيل المراد بالقوس هنا الذراع الذي يقاس به ؛ وكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة >> (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني)
لو كان لك مكان في الجنة بمقدار سوط ، أو بمقدار قوس (قدر مساحة الذراع) لكان خيرا لك من الدنيا وكل ما فيها ،
ولعلك تسأل؛ إذا كان المكان الصغير في الجنة ؛ خير من الدنيا كلها ؛ فكم يبلغ ملك المؤمن في الجنة ؟
أدنى أهل الجنة منزلة:
ولتعرف الجواب ؛ اسمع معي ما سيناله آخر رجل سيخرج من النار بعدما يعذبه الله بذنوبه التي اقترفها في الدنيا، ثم يخرجه سبحانه وتعالى من النار، ويقول له: اذهب فادخل الجنة : فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ : إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ : تَسْخَرُ مِني أَوْ : تَضْحَكُ مِنِّي وَأَنْتَ الْمَلِكُ ؟! فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، وَكَانَ يَقُولُ : ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَة » (رواه البخاري 6202 ومسلم 186 )
فسعة ما لأدنى أهل الجنة منزلة، هو عشرة أضعاف الدنيا (كل الدنيا)، فما أوسع رحمته الله سبحانه ، وما أعظم فظله.
أعلى أهل الجنة منزلة:
أما أعلاهم منزلة ؟ فلا يستطيع، ولن يستطيع أي إنسان، مهما بعد بتفكيره و بخياله، حتى أن يتخيل، مجرد خيال، ما أعده الله لهم، من نعيم وعيش هنئ، فعَن المُغِيرَةِ بْن شُعْبَة رضي الله عنه عنْ رسُولِ اللَّه ِصلى الله عليه وسلم قَالَ : ... «قَالَ: رَبِّ ، فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » (السجدة: 17) . (رواه مسلم: 485)
فلا شك أن الجنة تستحق منك جهدا أكبر ؛ في طاعة الله، والإمتثال لأوامره، والإبتعاد عن نواهيه. والإكثار من الأعمال الصالحة.
أبو عبد الرحمن زهير رزق الله