المرأة بين ضلالات دوستويفسكي وهدي محمد صلى الله عليه وسلم

لزوجة في ديننا هي الحب والدفء والحنان، هي ريحانة البيت، ومصباح الدار، هي الواحة التي يستريح فيها الرجل بعد عناء العمل، والكدح من أجل لقمة العيش، هي الجنة والحصن الذي يمنع الرجل من الوقوع في الرذيلة، وهي مصدر الحياة..

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - العلاقة بين الجنسين -
المرأة بين ضلالات دوستويفسكي وهدي محمد صلى الله عليه وسلم

فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي (1821 - 1881)، روائي وكاتب قصص قصيرة، وصحفي، وفيلسوف روسي، وهو واحد من أشهر الكتاب والمؤلفين حول العالم، وقد تم تصنيفه أحدَ أكثر علماء النفس تأثيرًا في عالم الأدب، وأكثر أعماله شهرة هي: "الإخوة كارامازوف"، و"الجريمة والعقاب"، و"الأبله"، و"الشياطين".

 

تزوج دوستويفسكي من الأرملة ماريا ديمترييفنا إساييفا Maria Dmitrievna Isaeva في عام 1857، كانت علاقتهما متوترة، بسبب الطبيعة المعقدة لكلٍّ من الزوجين، بعد وفاة زوجته الأولى، تزوج من آنا جريجورييفنا سنيتكينا Anna Grigoryevna Snitkina.

 

كان دوستويفسكي شخصية متناقضة، وقد أُصيب بالصرع، وكان مدمنًا على القمار؛ مما جعله يسقط في هاوية الديون، وفوق ذلك كان يعيش حياة زوجية تعيسة، وقد انعكست كل هذه الظروف على أفكاره ونظرته للمرأة.

 

ومن أقواله في المرأة:

1- "المرأة مخلوقة لا يعرف إلا الشيطان ما في نفسها".

 

2- "إن تناقضات كثيرة تجتمع لدى النساء".

 

3- "إنني لا أُطيق النساء، يكفي أن يسمعن نعيقَ غراب حتى يأخذن يسألن: ما هذا؟ ولماذا؟".

 

فهو يحتقر المرأة ويُشيطنُها، ويرى أنها مخلوقة متناقضة، ومزعجة، لدرجة أنها لا تُطاق.

 

وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: «إنما النساء شقائقُ الرجال»؛ [رواه أبو داود، وحسنه الألباني]؛ ومعنى الشقائق: أي: نظائرهم وأمثالهم في الخُلُقِ والطِّباع، فكأنهن شُقِقْنَ من الرجال.

 

قال ابن الأثير: "أي: نظائرهم وأمثالهم كأنهن شُقِقْنَ منهم، ولأن حواءَ خُلقت من آدمَ عليه الصلاة والسلام، وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه؛ لأنه شُقَّ نسبه من نسبه"؛ [عون المعبود، ج: 1].

 

أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة الوداع، فقال: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلقت من ضِلَعٍ، وإن أعوجَ شيء في الضِّلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرته، وإن تركته لم يَزَلْ أعوجَ، فاستوصوا بالنساء»؛ [رواه البخاري].

 

ومعنى: «استوصوا بالنساء خيرًا»؛ أي: إن الإنسان يقوم عليها خيرَ قيام، فيُحسن عِشرتها ومخالطتها، ويُنفق عليها بالمعروف، ويغفر لها الزلة والخطأ، ويتجاوز ويعفو ويصفح، ولا يقف عند كل صغيرة وكبيرة، ولا يستوفي حقه منها، وإنما يترك بعض الشيء، ويُفوِّت بعض التقصير، ولا يقف عند كل جليل وحقير ودقيق.

 

وأعلن حُبَّه للنساء؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «حُبِّبَ إليَّ من دنياكم النساء والطِّيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة» [رواه النسائي، وصححه الحاكم والذهبي].

 

وحب النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يُفهم على وجهين:

الأول: هو الحب الفطري الذي يكون بين الرجل والمرأة، فالرجل لا يستغني عن المرأة، ولا المرأة يمكن أن تستغنيَ عن الرجل، فكلاهما محتاجٌ للآخر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم محبًّا لنسائه، حريصًا على رضاهن، قائمًا على راحتهن، وكان يعاونهن في أمور بيوتهن؛ رأفة ورحمة بهن.

 

الثاني: حُبِّب إليه النساء لينقلْنَ عنه ما لا يطَّلِعُ عليه الرجال من أحواله، ويُخجَلُ من ذكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياءً، وكان حياؤه أشدَّ من حياء العذراء في خِدْرها، فحُبِّب الله إليه النساء لينقلنَ من الشرع ما يَرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله التي قد يستحيي من الإفصاح بها بحضرة الرجال ليكتمل نقل الشريعة.

 

ومن أسوأ مقالات دوستويفسكي عن المرأة قوله: "أسهل طريقة لنسيان امرأة تحبها هي أن تتزوجها غير ذلك ستبقى تُحبها".

 

وبعض الناس تعجبهم هذه المقولة لشعورهم أنها تعبر عن واقع وينسَون أو يتناسَون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم نَرَ للمتحابين مثل النكاح» أي: الزواج؛ [رواه ابن ماجه (1847)، وصحَّحه البوصيري، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (624)].

 

إن مقولة ديستويفسكي الخبيثة جعلت كثيرًا من الشباب ينفرون من الزواج؛ بدعوى أن الزواج هو الصخرة التي يتحطم عليها الحب، فيقبل الواحد منهم الاستمرار في علاقة محرمة، ويصوِّر له شيطانه أنه يفعل ذلك لمصلحة الحب.

 

ليس الزواج هو الذي يطرد الحب من البيوت، وليس الزواج هو سبب فساد العلاقة بين الزوجين، وإنما هي تصرفاتنا الخاطئة، وبُعدنا عن الدين، وعدم وجود مرجعية لحل الخلافات.

 

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس، إن النساء عندكم عَوَانٌ، أخذتموهن بأمانة الله، واستحلَلْتُم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن حقٌّ، ومن حقكم عليهن ألَّا يُوطِئنَ فُرُشَكم أحدًا، ولا يَعْصِينكم في معروف، فإذا فعلن ذلك، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف» [رواه ابن جرير الطبري بإسناد صحيح].

 

إن البيوت تنشأ بأمانة الله، والفروج تُستحلُّ بكلمة الله، ولو عاش الزوجان على منهجٍ، فلن يبقى هناك مكان للخلافات، وإذا حدثت، فسوف تحل سريعًا، إن الحياة في ظلال منهج الله تملأ البيوت سعادة، وتزيد من الرحمة والمودة بين الزوجين.

 

وما أجمل قول الله عز وجل: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]؛ أي: كلا الزوجين يسكن إلى صاحبه، ويكون من شدة القرب منه كالثوب الملابس له، وكانت العرب تسمي المرأة لباسًا، والآية تعبير رائع وبليغ عن القرب والملاصقة، والستر والتجميل، والغطاء والمتعة، والوقاء من الحر والبرد، ويرتفع بمشاعر الإنسان عن المستوى البهيمي، في الوقت الذي يلبي فيه متطلبات جسده، فكلا الزوجين بهذا المعنى لصاحبه.

 

هذا هو هديُ محمد صلى الله عليه وسلم في سموِّه وروعته، وواقعيته ووضوحه، وهذه ضلالات المقامر البائس الذي يراه بنو قومه عالِمًا من علماء النفس.

 

الزوجة في ديننا هي الحب والدفء والحنان، هي ريحانة البيت، ومصباح الدار، هي الواحة التي يستريح فيها الرجل بعد عناء العمل، والكدح من أجل لقمة العيش، هي الجنة والحصن الذي يمنع الرجل من الوقوع في الرذيلة، وهي مصدر الحياة، تعطي حياتها لزوجها وأولادها، فكيف بالله عليكم نطيع فيها دوستويفسكي، ونعصي محمدًا صلى الله عليه وسلم.

___________________________________
الكاتب: جهلان إسماعيل