أين السعادة !!!
السعادة الحقيقية التي يشعر بها الانسان ويكون معها مطمئن ومرتاح البال طيب العيش هي في تحقيق العبودية لله تعالى.
- التصنيفات: تزكية النفس -
الحمد لله والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :
كلن يبحث عن مايسمى ( السعادة) ويسعى جاهداً في تحقيقها. لأن السعادة مقصود كل انسان يعيش على هذه الأرض.
والسعادة شعور جميل وبهجة تطغى على القلب فينشرح ويصبح الانسان هادئاً سعيداً مقبلاً على أمور دينه ودنياه.
واختلف الناس في تحقيق السعادة:
١- منهم من جمع المال بأي طريقة حتى يكون عنده المال الوفير ليحقق السعادة المنشودة.
فاختلط الحلال بالحرام وعصى رب الأرباب جل في علاه فلاهو حصل السعادة ولاحصل رضا الله تعالى وأصبح من الخاسرين. فإذا دعا لم يستجب دعاءه وإذا تصدق لم تقبل صدقته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: [ «إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المُرسلين؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون:51]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]، ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له»؟! (رواه مسلم).
٢- ومنهم من ضرب الأرض طولها بعرضها وركب الطائرات والباخرات واتخذ السفر له خليلاً لم يدع بلد الا زارها وتجول بها، وقد يتعرض للخطر من نهب أو اعتداء، وقد يرى الشرك بالله تعتلى ووسائله المنتشرة في أغلب بلدان العالم اليوم، وقد يدخل في الأمور المتشابهه «ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام» (رواه البخاري ومسلم). فهذا لاحصل مراده بالسعادة ورجع حيث ماكان وزالت عنه السعادة الزائفة التي ينشدها ورجع إلى حيرته وتفكيره مرتبط فقط بالسفر ومايخطط له من بلد جديد ليزيل عنه وحشة الكآبة التي يشعر بها.
{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.
٣- ومنهم من غشي المحرمات بأنواعها لايبالي بحرمة مسلم ولابصحته ولابغضب الجبار جل جلاله
وهذه سعادة شيطانية زينها الشيطان لهؤلاء الجاهلون بحقيقة الدنيا والعابثون بأخلاقهم الذين ركنوا لها وقدموها على الآخرة. وكيف يكون هؤلاء في سعادة وقد عصوا ربهم وأذلوا أنفسهم للشيطان فالحزن يكسو قلوبهم وتراهم في هم وغم ويشتكون ذلك ولايعرفون أنه بسبب ذنوبهم وعصيانهم لربهم.
إذن أين السعادة وكيف الطريق إليها ؟
السعادة الحقيقية التي يشعر بها الانسان ويكون معها مطمئن ومرتاح البال طيب العيش هي في تحقيق العبودية لله تعالى.
في تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى ونبذ كل مايعبد من دون الله تعالى ونبذ الشرك.
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[سورة الذاريات: 56]. أي ليوحدو الله تعالى.
قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [سورة الأنعام: 82]قال السعدى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا}؛ أي: ولم يخلطوا "بظلم"؛ أي: بشرك، {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} الأمن من المخاوف والعذاب والشقاء والهداية إلى الصراط المستقيم.
إذن التوحيد هو السعادة والهناء والأمن من الشقاء والخوف والعذاب.
ومن أعرض عن الايمان والتوحيد وعن ذكر الله تعالى فكيف يجد السعادة والهناء، قال ربنا جل وعلا : {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ً ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [سورة طه الآية : 123]، وفي تفسير هذه الآية : {ومن أعرض عن ذكري}: أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه {فإن له معيشة ضنكا} أي ضنكا في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشرح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة. تفسير ابن كثير.
وقد ترى بعضهم يتصدق ويصلي ويعمل الصالحات لكنه لايرى أثر ذلك العمل الصالح على نفسه وقلبه ويشعر بالهم أو الضيقة !!
فربما دخل في هذا العمل مايبطله من أكل مال حرام أو رياء وسمعة والله تعالى أعلم بمافي قلوب العالمين.
ولقبول العمل لابد له من شرطين: أن يكون خالصاً لله تعالى، وأن يكون متابعاً فيه للنبي صلى الله عليه وسلم.
هذه هي السعادة الحقيقة الحياة الطيبة التي يبحث عنها كل انسان ويبذل مااستطاع من مال ووقت ووجهد لتحصيلها لكن هيهات هيهات الحصول عليها والتلذذ بها إلا إذا عرفت طريقها وسلكت مسالكها كما سلكها الصالحون وشعروا بها وعايشوها،
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:67]
قال إبراهيم بن أدهم: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف". قال ابن تيمية: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"، وقال: "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري؛ إن رحت فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة!". قال أحد السلف: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل وما أطيب ما فيها؟ قال محبه الله تعالى ومعرفته وذكره والأنس به؟ وقال آخر: "أنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربًا، حتى أقول إن كان أهل الجنه في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب". انتهى.
واعلم أنك ملاقي ربك جل وعلا وهو سائلك فماذا قدمت من إجابة للسؤال !!! قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه» (رواه مسلم).
فيا الله ما أعظم الموقف وما أعظم السؤال ، ويا حسرة أصحاب الشهوات المفسدين، ويالسعادة الطائعين الصابرين عند تغير الحال وظهور الفساد ، فحق لهم هذا الثناء ... ( فطوبى للغرباء ) .
والحمد لله رب العالمين.
___________________________________________
المؤلف: فواز بن لوفان الظفيري