(3) فتنة سليمان

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34]،

  • التصنيفات: قصص الأنبياء -
(3) فتنة سليمان

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34]، وكان أشقَّ امتحان خضع له سليمان، وقد رُوي أنه غزا عدوًّا في إحدى جزائر البحر، فقتل ذلك الملك، وأسر منهم أسرى، وكان من بين الأسرى ابنة ذلك الملك، وكانت جميلة رائعة الجمال، واسمها "جرادة"، فاختصها سليمان لنفسه وتزوجها بعد أن عرض عليها الإسلام، وقد قبلته على كره منها، ثم احتالت على سليمان بأن أظهرت نفسها حزينة، فقال لها: ما يُحزنك؟ قالت: أذكر والدي وما كنت عليه عنده من العز والدلال، قال: وقد أبدلكِ الله خيرًا منه ومِن ملكه وأنت على الإيمان، قالت: صحيح، ولكني لا أستطيع نسيانه، فلو أمرتَ الجن أن يصوروه لي فيكون لي سلوى، فأمر الرسامين منهم فصوروا لها مثل أبيها وألبسته مثل ثيابه التي كان يلبسها، فكانت تسجد له مع غلمانها وتعبده على عادتهم الوثنية في غياب سليمان، وسليمان لا يدري، ولم يكتشف أمرها إلا آصف بن برخيا بعد أربعين يومًا من عبادتها له، فأخبر سليمان، فعاقبها وحطم الصنم، وخرج إلى البرية تائبًا مما وقع يعبد الله ويستغفر لذنبه، ولهذا الخلل الذي حصل عنده عاقبه الله بسلب ملكه أربعين يومًا، فقد كان من عادته إذا دخل الخلاء نزع خاتمه الذي فيه ملكه وقوته وأودعه عند زوجته الأمينة، فأتى ماردٌ من الشياطين بصورة سليمان منتحلًا شخصه - لأمر يريده الله - وطلب منها الخاتم فأعطته إياه، ولما خرج سليمان من قضاء حاجته وطلب الخاتم أنكرته الأمينة، وقالت: أخذه سليمان، فعرف أنه فتن، فاختفى عن الأنظار، وعمل حمالًا على شاطئ البحر يحمل السمك للبيوت، وجلس الشيطان المارد على كرسي سليمان، ومارَس الحكم من خلاله، وكانت أحكامه مغايرة لما كان عليه سليمان حتى أنكره الناس وتجمع كبارهم لإخراجه، فهرب وألقى الخاتم في البحر، فابتلعه حوت، وقع بأيدي الصيادين، ولما نقل سليمان الحيتان إلى أحد الأشخاص أعطاه أجرًا واحدًا منها ولما أراد شواءه شق بطنه لتنظيفه فوجد الخاتم فيه، فلبسه وعاد له ملكه، وطلب المارد حتى ألقي القبض عليه فحبسه في صندوق من الرصاص وألقي في البحر، وهنا طلب سليمان من ربه، {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35]؛ فأُعطي ما سأل، وعاد له ملكه أقوى مما كان.

 

تعليق: هذه القصة وردت عن روايات أهل الكتاب بأساليب متعددة، اخترنا منها هذا الذي أوردناه، لكن ربط قوة سليمان بهذا الخاتم أمر غير معقول، ولو كان الأمر كذلك لكان ذهب ملكه عندما كان يخلعه لقضاء الحاجة؛ فحكمه مؤيد من الله؛ فهو ملك نبي، فوثق الله له الملك والنبوة بتأييد من عنده، وبجنود سخرهم له فأطاعوه بلا تمرد أو عصيان، وكانوا من الجن والإنس والطير والحيوان، كل له عمله ووظيفته، ولكن فتنة سليمان التي ذكرها الله لعلها كانت من أجل الزواج من المرأة المجوسية التي عبدت الصنم في بيته، فكان أن سلبه الله الملك لأيام، فامتنعت الملائكة من دخول بيته بشأن الصنم، وفقد التأييد إلى أن انتبه للتقصير، وأزال الصنم، فعاد له ملكه.

________________________________________

الكاتب: د. محمد منير الجنباز