فن التعامل
أنعم الله على الأمة الإسلامية بأن أرسل رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {هُوَ الذي بَعَث في الأُمِّيِّينَ رَسولاً}..
- التصنيفات: فقه المعاملات - محبة النبي صلى الله عليه وسلم -
أنعم الله على الأمة الإسلامية بأن أرسل رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {هُوَ الذي بَعَث في الأُمِّيِّينَ رَسولاً}يحدثنا القرآن الكريم عن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ}.
فهو بشر يختلف عن البشر، ومن صفاته رقة وطيب القلب كامل العقل سامي الأخلاق لم يضرب أحدا بيده تقول عائشة رضي الله عنها: (ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا) والصدق والأمانة في التبليغ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، وهو يحرص على هداية الناس، ويعز عليه أن يراهم يتهافتون إلى موارد الهلكة، فهو ذو رأفة كاملة ورحمة عامة، وصفة الرحمة واللين من الصفات اللازمة في المبلغ بعد الصدق والأمانة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}وبعثته صلى الله عليه وسلم فيها تزكية وتعليم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}، ويؤكد القرآن ما هو عليه من شمائل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}وهذا الارتفاع في الذكر والمكانة والقمة من الخلق العظيم، منحت له ليكون قبلة الأنظار من أتباعه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
وكانت هذه الشمائل مع غيرها من الصفات النفسية معطيات الحب الصادق الذي بلغ درجة الهيام في قلوب من خالطوه وعاشوا معه، غير أن القرآن الكريم قد وجه هذه العاطفة القوية من الحب إلى نشاط وعمل، فالحب الذي قرره القرآن هو حب الاتباع، حب الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم،ثم أعلن القرآن الكريم عن الوصايا التي تتابعت من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تدعيمًا لعملية التبليغ: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}.
فهو بشر يختلف عن البشر، ومن صفاته رقة وطيب القلب كامل العقل سامي الأخلاق لم يضرب أحدا بيده تقول عائشة رضي الله عنها: (ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا) والصدق والأمانة في التبليغ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، وهو يحرص على هداية الناس، ويعز عليه أن يراهم يتهافتون إلى موارد الهلكة، فهو ذو رأفة كاملة ورحمة عامة، وصفة الرحمة واللين من الصفات اللازمة في المبلغ بعد الصدق والأمانة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}وبعثته صلى الله عليه وسلم فيها تزكية وتعليم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}، ويؤكد القرآن ما هو عليه من شمائل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}وهذا الارتفاع في الذكر والمكانة والقمة من الخلق العظيم، منحت له ليكون قبلة الأنظار من أتباعه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.
وكانت هذه الشمائل مع غيرها من الصفات النفسية معطيات الحب الصادق الذي بلغ درجة الهيام في قلوب من خالطوه وعاشوا معه، غير أن القرآن الكريم قد وجه هذه العاطفة القوية من الحب إلى نشاط وعمل، فالحب الذي قرره القرآن هو حب الاتباع، حب الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم،ثم أعلن القرآن الكريم عن الوصايا التي تتابعت من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تدعيمًا لعملية التبليغ: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}.
ومن مظاهر صبره صلى الله عليه وسلم على أعدائه ما نزل من القرآن في أبي لهب وامرأته حمالة الحطب فجعلت قريش حين منعه الله منها وقام عمه وقومه من بني هاشم وبني المطلب دونه وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به- يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه وجعل القرآن ينزل في قريش بأحداثهم وفيمن نصب لعداوته منهم ومنهم من سمي لنا ومنهم من نزل فيه القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار فكان ممن سمي لنا من قريش ممن نزل فيه القرآن عمه أبو لهب بن عبد المطلب وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب وإنما سماها الله تعالى حمالة الحطب لأنها كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان من الرسول أن يفعل شيئا، ومن مظاهر معاملته مع أصحابه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه السنّة قولا وعملا ويحضّهم على الأخذ بهامن رحمة الله ما حصل للصحابة من لين رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم واستغفاره لهم والدعاء لهم ومشاورتهم.
والمواقف التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه الكرام في السراء والضراء، والرخاء والشدة، ومن مظاهر تعامله مع الصبيان كان إذا سمع بكاء الصبي في الصلاة تجوّز في صلاته مما من شدة أمه من بكائه ، يزور البقيع فيتذكر الآخرة ويبكي كان صلى الله عليه وسلم يزور ابنه إبراهيم عند مرضعته وهو رضيع فيأتيه إبراهيم وعليه أثر الغبار فيلزمه ويقبله ويشمه من عطف الأبوة عليه ولما مات دمعت عيناه وقال: «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون» وعلى الرغم من انشغال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد ومجالدة الشرك وأهله، إلا أنه كان دائمًا مع أصحابه مخالطًا ومعايشًا ومُرَبِّيًا وموجِّهًا، ومعلِّمًا لهم على اختلاف أحوالهم وأعمارهم، ولا يترك موطنًا من مواطن الزلل أو جانبًا من جوانب الخطأ إلا وأصلحه وبينه، ولا موطنًا من مواطن الخير إلا حثّهم عليه ورغبهم فيه.
فكان يؤاكل أصحابه فربما حضر الطعام معه الأعرابي حديث عهد بالإسلام، أو الغلام والجارية ممن لا يعرف آداب الطعام والشراب فيأخذ صلى الله عليه وسلم بأيديهم ويعلّمهم ويربِّيهم.
روى أحمد عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بطعام فجاء أعرابي كأنما يطرد فذهب يتناول فأخذ صلى الله عليه وسلم بيده وجاءت جارية كأنها تطرد فأهوت فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا أَعْيَيْتُمُوهُ جَاءَ بِالْأَعْرَابِيِّ وَالْجَارِيَةِ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، بِاسْمِ اللَّهِ كُلُوا}.
وروى البخاري ومسلم عن عمر بن أبي سلمة يقول: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فما زالت تلك طعمتي بعد.
وكان يبرز للناس كلِّهم ويبايع الوفود بنفسه ولا ينيب عنه أحدًا من أصحابه، ولا يكتفي برئيس الوفد بل يبايعهم واحدًا واحدًا، وأحيانًا يجيء الرهط من الناس ليبايعوه على الإسلام فيرى في أحدهم مظهرًا من مظاهر الشرك من بقايا الجاهلية فيأبى أن يبايعه حتى يزيله.
روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وتركت هذا قال: «إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً» فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: «مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ». وقد أخذ بهذا المنهج صحابته الكرام رضي الله عنهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ويلاعب أطفالهم روى مسلم عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه قال كان فطيما قال فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه قال: «أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» قال: فكان يلعب به .
أما خدمه ومواليه فلم يكن يكلّفهم من العمل ما لا يطيقون، ولم يبكتهم يومًا ما أو ينهرهم فضلاً عن أن يضربهم، بل إنهم لم يسمعوا منه مجرّد التأفّف عليهم. ففي صحيح مسلم قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا فأرسلني يوما لحاجة فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: «يَا أُنَيْسُ، أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ» قال: قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله، قال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا، أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا.
وربما قام صلى الله عليه وسلم بالتعليم وهو على حمار مردفًا لأحد أصحابه وذلك بتكرار النداء وفي هذا إثارة انتباه السامع. يقول معاذ بن جبل: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ» قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. ثم سار ساعةً، فقال: «يَا مُعَاذُ» قلت: لبيك رسول الله وسعديك. ثم سار ساعةً فقال: «يَا مُعَاذُ بن جبل»، قلت: لبيك رسول الله وسعديك. قال: «هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ»؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ: «لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا» (رواه البخاري ومسلم).
وقد اختار صلى الله عليه وسلم معاذًا لينوب عنه في دعوة أهل اليمن ورسم له منهج الدعوة وبماذا يبدأ به الناس فقال له: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» (البخاري ومسلم) .
وكان صحابته يرجعون إليه في كل شيء حتى في مخالفات الأطفال، فيتعامل معها صلى الله عليه وسلم بأسلوب تربوي عظيم بما يتناسب مع سنّ الصغير ومرحلة الطفولة. روى أبو داود عن أبي رافع بن عمرو الغفاري قال ((كنت غلاما أرمي نخل الأنصار فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يَا غُلامُ لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ»؟ قال آكل قال: «فَلا تَرْمِ النَّخْلَ وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسْفَلِهَا» ثم مسح رأسه فقال: «اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ». وفي رواية للترمذي قال: «أشبعك الله وأرواك».
يصف الصحابة رضوان الله عليهم مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جميع حياتهم حضرها وسفرها، وتفقده لأحوالهم الخاصّة والعامّة، فيقول أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: ((إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ)) (رواه أحمد) ..
وقد اختار صلى الله عليه وسلم من أساليب التعليم أحسنها وأفضلها، وأوقعها في نفس المخاطب وأقربها إلى فهمه وعقله، وأشدّ تثبيتًا في نفسه، وأكثرها إيضاحًا: فتارةً يؤكّد لهم التعليم بالقسم، وتارةً بالتكرار، وأخرى بالنداء، وأحيانًا بإبهام الشيء لحمل السامع على استكشافه والسؤال عنه كما في حديث أبي هريرة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ» (رواه البخاري ومسلم).
وأحيانًا يعلّمهم بأسلوب الشرح والبيان والتوضيح، وترتيب النتائج على مقدماتها كما في حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ» (رواه النسائي) .
وأحيانًا يأتي تعليمه بالمناسبات العارضة كما في قصّة الرجل الذي حلف بغير الله، كما روى سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلا يقول: لا والكعبة فقال ابن عمر: لا يحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ». قال أبو عيسى هذا حديث حسن.
وروى الإمام أحمد عن سعد بن عبيدة سمع ابن عمر رجلا يقول: والكعبة فقال: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ».
وأحيانًا يأتيه الأعرابي الجافي فيغلظ للرسول الله صلى الله عليه وسلم القول، وربما يستطيل بيده على طبيعة الأعراب من العنف والجفاء، فيبتسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجيبه إلى طلبه بحسن خلق وسموّ معاملة.
روى البخاري عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذة شديدة قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء.
وفي رواية لمسلم: ثم جبذه إليه جبذة رجع نبي الله صلى الله عليه وسلم في نحر الأعرابي. وفي حديث همام: فجاذبه حتى انشق البرد وحتى بقيت حاشيته في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكنّه، لما رأى رجلاً لبس سوارًا من نحاس يقي به مرضا يأخذ في العضد، غضب عليه وزجره ونهره. فعن عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة، أراه قال: من صفر فقال: «ويحك ما هذه»؟ قال: من الواهنة قال: «أَمَا إِنَّهَا لا تَزِيدُكَ إِلا وَهْنًا انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا» (رواه أحمد وابن ماجه).. فهناك لم يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، أمّا هنا ولمّا رأى مظهرًا من مظاهر الشرك غضب لله عز وجل، حيث إنه صلى الله عليه وسلم بعث بتكميل أديان الخلق بنبذ الوثنيّات والتعلّق بالمخلوقين، وعلى تكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات، والجدّ في الأمور النافعة المرقّية للعقول، المزكّية للنفوس، المُصْلِحَة للأحوال كلها دينها ودنياها. القول السديد ص 37 وربما لحقه الأطفال فأركبهم معه على بغلته. فعن إياس عن أبيه قال: لقد قدت بنبي الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين بغلته الشهباء حتى أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قدامه وهذا خلفه. رواه مسلم.
بل ربما نزل وترك الخطبة من المنبر وحمل الأطفال ثم أتم خطبته. قال عبد الله بن بريدة: سمعت أبي بريدة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال: «صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا» (رواه الترمذي وحسنه).
وإذا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكر انتدب له رجلاً من صحابته ليقوم بإزالته، فقد روى لنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه بمهمّة وهي تسوية القبور بالأرض وعدم رفعها، وطمس التماثيل والصور. روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته، وفي رواية قال: ولا صورة إلا طمستها.
ولم يكن رسول الله يخصّ أحدًا من أقاربه بعلم دون الناس. ففي صحيح مسلم عن أبي الطفيل قال: سئل علي أخصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا قال: فأخرج صحيفة مكتوب فيها: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا».
وكان يرسل البنيات الصغيرات لِيَلْعَبْنَ مع عائشة رضي الله عنها. عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي. رواه البخاري.
وكان صلى الله عليه وسلم لا ينفكّ عن التعليم والتوجيه في حال الصحة والمرض فقد كان بعض نسائه يقصصن عليه بعض القصص وهو في مرضه، لعلّ ذلك من أجل تسليته. ففي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية وكانت أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها فرفع رأسه فقال: «أُولَئِكِ إِذَا مَاتَ مِنْهُمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ».
فعلى الرغم من مرضه صلى الله عليه وسلم استدرك على نسائه وبيّن ضلال أولئك النصارى حيث اتخذوا المساجد على قبور الصالحين وصوّروا صورًا فيها.
وقد تعامل مع أخطاء الأعراب الجفاة بالحكمة والتأني مع الحلم والصبر عليهم والصفح عنهم، وحسن توجيههم وإرشادهم وتربيتهم، مع غاية الرحمة والرأفة بهم. فعن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه! قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُزْرِمُوهُ» (أي لاتقطعوا عليه بولته) «دَعُوهُ» فتركوه حتى بال ثم إن رسول صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» أو كما قال رسول صلى الله عليه وسلم قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه (رواه البخاري ومسلم) .
وكان لطيفًا رحيمًا رقيقًا في معاملته لأصحابه وفي تعامله مع أخطائهم. يصف لنا ذلك معاوية بن الحكم السلمي فيقول - كما في صحيح مسلم - عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وقد أكّد رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيه عن إتيان الكهان في موطن آخر فقالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» (رواه أحمد عن أبي هريرة).
وقد بلغ من رأفته ورحمته أن يصعد الصبي على ظهره وهو ساجد يصلي بالناس فيطيل السجود كراهة أن يعجل الصبي. عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها قال أبي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك قال: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» (رواه النسائي).
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتمسكين بسنته المقتفين أثره المتبعين لهديه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
________________________________
الكاتب: عدنان محمد سعيد باحكم
الكاتب: عدنان محمد سعيد باحكم