(5) بناء بيت المقدس

من هذا الحديث كان للمؤرخين في بناء المسجد الأقصى أقوال: أفضلها أن أول من بناه هو النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وهو الصحيح، وهذا ما يؤيده الحديث السابق، وأما فعل سليمان أو داود فكان من باب التجديد

  • التصنيفات: قصص الأنبياء -

رُوي أنه لما عاد إلى سليمان ملكُه بعد أربعين يومًا من سلبِه الملكَ من قِبل الشيطان "صخر" الذي احتال على أخذ الخاتم، قرر سليمان عليه السلام أن يبني المسجد الأقصى، وكان مكانه قد حدده داود عليه السلام؛ وذلك أن الناس في زمانه قد أصابهم طاعون جارف، فخرج بهم داود إلى موضع بيت المقدس وكان يرى الملائكة تعرج منه إلى السماء؛ فلهذا قصده ليدعو فيه، فلما وقف موضع الصخرة دعا الله تعالى في كشف الطاعون عنهم فاستجاب له ورفع الطاعون، فاتخذ ذلك الموضع مسجدًا، وروي أنه شرع في بنائه لإحدى عشرة سنة من ملكه وتوفي قبل أن يتم بناءه، وأوصى إلى سليمان بإتمامه.

 

وفي رواية أخرى: أن سليمان هو الذي ابتدأ بعمارة المسجد، فبناه بالرخام وزخرفه بالذهب ورصعه بالجواهر، وقوِيَ على ذلك بالجن والشياطين، حتى غدا آية في الفن والجمال، وقد وقعت إشكالية عند عدد من المؤرخين بسبب الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام» قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى» قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصَلِّه؛ فإن الفضل فيه»؛ "أي الصلاة في وقتها أينما كنت ففيها الفضل"، وفي رواية الأعمش: ((فإن الأرض كلها مسجد)).

 

من هذا الحديث كان للمؤرخين في بناء المسجد الأقصى أقوال: أفضلها أن أول من بناه هو النبي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وهو الصحيح، وهذا ما يؤيده الحديث السابق، وأما فعل سليمان أو داود فكان من باب التجديد، ولا يخفى أن ما آتاه الله لسليمان من الإمكانات وتسخير الجن له يعد ما بناه هو البناء الأكمل والأجمل؛ لذلك نسب إليه؛ لذلك أشكل على بعض المؤرخين فقالوا: أول من بناه سليمان، وقد روي في بنائه من قبل سليمان الكثير، وذلك من حيث الفخامة والإتقان والزخرفة والترصيع بالجواهر والتذهيب والنحاسيات والفضيات التي استخدمت في تزيينه، ورُوي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خِلالًا ثلاثًا، فأعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن تكون الثالثة لنا: سأله حُكمًا يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها».