(6) وفاة سليمان

فشا في الناس أن سليمان كان ساحرًا، فلما جاء الإسلام وذكر نبوة سليمان عارضته اليهود؛ فأنزل الله تبرئة سليمان: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102].

  • التصنيفات: قصص الأنبياء -
(6) وفاة سليمان

كان مِن عادة سليمان إذا صلى الفجر أن يرى شجرة نابتة بين يديه، فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول: كذا، فيقول: لأي شيء أنتِ؟ فإن كانت لغرس غرست، وإن كانت لدواء كتبت، فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها: ما اسمك؟

فقالت: الخرنوبة.

فقال لها: لأي شيء أنت؟

قالت: لخراب هذا البيت، يعني بيت المقدس.

 

فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب البيت، فقلعها، ثم قال: اللهم عمِّ على الجن موتي حتى يعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب.

 

وكان يقيم في بيت المقدس للعبادة لمدد متطاولة، وبينما كان قائمًا يصلي متوكئًا على عصاه أتاه أجله، فمات، ولم تعلم الشياطين بموته مدة سنة حتى أكلت الأرَضةُ عصاه فانكسرت فسقط على الأرض، وهنا علمت الجن بموته.

 

فلماذا كان الجن يتلهَّفون لموته؟

كان سليمان يشغلهم في أقسى الأعمال وأشقها، يعملون بلا هوادة، ومن يتمرد على العمل فإن سليمان يوقع به أشد العقوبات، فقد كانوا يعملون له كارهين عن غير رضا، فقد سخرهم الله له، فسيطر عليهم؛ لذلك ورد في القُرْآن حسرتهم أنهم لم يعلموا بوفاته إلا بعد حين: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14].

 

ولقد ورَد في سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]، اتهم في مرحلة من المراحل أن سليمان يستعمل السحر في إدارة مملكته وقهر خصومه وسيطرته على الجن والشياطين، وذلك كما روي أن سليمان عليه السلام قد اكتشف أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء فتقعد منها مقاعد للسمع - يستَرِقون السمع - فيستمعون من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيب أو أمر فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فيحدِّث الكهنةُ الناسَ فيجدونه كما قالوا، فلما أمنتهم الكهنة كذبوا لهم وأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب، وفشا ذلك في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمان في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق، وقال: لا أسمع أحدًا يذكر الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربتُ عنقه، فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان، وخلف من بعد ذلك خلف، تمثل الشيطان صورة إنسان، ثم أتى نفرًا من بني إسرائيل فقال لهم: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدًا؟! قالوا: نعم، قال: فاحفِروا تحت الكرسي، فذهب معهم وأراهم المكان وقام ناحيته، فقالوا له: فادنُ، فقال: لا، ولكنني ها هنا في أيديكم، فإن لم تجدوه فاقتلوني، فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها قال الشيطان: إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر، ثم طار وذهب، وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرًا، فلما جاء الإسلام وذكر نبوة سليمان عارضته اليهود؛ فأنزل الله تبرئة سليمان: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102].