الجزء الثالث عشر

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

* خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله, وعلى الحق, وعلى عباد الله, واستكبر في الأرض, وعاند الرسل وشاقهم.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

سورة يوسف:

* ( { وأن الله لا يهدي كيد الخ} ائنين ) فإن كل خائن لا بدّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه, ولابد أن يتبين أمره.

* ( {وعليه فليتوكل المتوكلون }) فإن بالتوكل يحصل كل مطلوب, ويندفع كل مرهوب.

* {ولكن أكثر النا س لا يعلمون } عواقب الأمور, ودقائق الأشياء, وكذلك أهل العلم منهم يخفي عليهم من العلم وأحكامه ولوازمه شيء كثير.

* الصبر الجميل, الذي لا يصحبه تسخط ولا جزع, ولا شكوى للخلق.

* ( {ولا تيأسوا من روح الله } ) فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه, والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ. وأولى ما رجا العباد فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه....وبحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه.

* ( {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا } ) أي: فضلك علينا بمكارم الأخلاق, ومحاسن الشيم, وأسأنا إليك غاية الإساءة, وحرصنا على إيصال الأذى إليك, والتبعيد لك عن أبيك. فآثرك الله تعالى, ومكنك مما تريده.

* ( {إن ربي لطيف لما يشاء} ) يوصل بره وإحسانه إلى العبد, من حيث لا يشعر, ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها.

* علم التعبير من العلوم المهمة, التي يعطيها الله من يشاء من عباده....ومن العلوم الشرعية, وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه.

* هذه القصة من أحسن القصص, وأوضحها, وأبينها, لما فيها من أنواع التنقلات, من حال إلى حال, ومن محنة إلى محنة, ومن محنة إلى منحة ومنةٍ, ومن ذل إلى عز, ومن رقٍّ إلى ملك, ومن فرقة وشتات, إلى اجتماع وائتلاف, ومن حزن إلى سرور...ومن ضيق إلى سعة...فتبارك من قصها فأحسنها ووضحها وبينها...وقال رحمه الله: ومن فوائد قصة يوسف: أن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً, فإنه لما طال الحزن على يعقوب, واشتد به إلى أنهى ما يكون, ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب, ومسهم الضر, أذن الله حينئذ بالفرج, فحصل التلاقي في أشد الأوقات إليه حاجة, واضطراراً, فتم بذلك الأجر, وحصل السرور.

* ينبغي للعبد البعد عن أسباب الشر, وكتمان ما يخشى مضرته, لقول يعقوب ليوسف: ( { لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} )

* الحذر من شؤم الذنوب, وأن الذنب الواحد يستبع ذنوباً كثيرة.

* العبرة في حال العبد بكمال النهاية, لا بنقص البداية, فإن أولاد يعقوب عليه السلام, جرى منهم ما جرى في أول الأمر, مما هو أكبر أسباب النقص واللوم, ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح, والسماح التام من يوسف ومن أبيهم, ومن الدعاء بالمغفرة والرحمة.

* من دخل الإيمان في قلبه, وكان مخلصاً لله, في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه, وصدق إخلاصه, من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي, ما هو جزاء لإيمانه وإخلاصه لقوله: ( { وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه, كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين } )    

* ينبغي للعبد إذا رأى محلاً فيه فتنة وأسباب معصية أن يفرَّ منه...غاية ما يمكنه

* يوسف....جماله الباطن, العفة العظيمة عن المعصية, مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوعها.

* ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين: إما فعل معصية, وإما عقوبة دنيوية, أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة.

* ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله, ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية, ويتبرأ من حوله وقوته, لقول يوسف عليه السلام: ( { وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكن من الجاهلين } )

* العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير, وينهيانه عن الشر, وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس, وإن كان معصية ضاراً لصاحبه.

* كما أن على العبد عبودية لله في الرخاء, فعليه عبودية له في الشدة, فـ " يوسف " عليه السلام, لم يزل يدعو إلى الله, فلم دخل السجن استمر على ذلك, ودعا الفتيين إلى التوحيد, ونهاهما عن الشرك.

* إذا سئل المفتي وكان السائل في حاجة أشد لغير ما سأل عنه, أنه ينبغي أن يعلمه ما يحتاج إليه قبل أن يجيب سؤاله, فإن هذا علامة على نصح المعلم وفطنته, وحسن إرشاده وتعليمه, فإن يوسف لما سأله الفتيان عن الرؤيا, قدّم لهما قبل تعبيرها, دعوتهما إلى الله وحده لا شريك له.

* على المعلم...أن لا يمتنع من التعليم, أو لا ينصح فيه, إذا لم يفعل السائل ما كلفه به المعلم, فإن يوسف عليه السلام قد قال ووصى أحد الفتيين أن يذكره عند ربه فلم يذكره ونسي, فلما بدت حاجتهم إلى سؤال يوسف, أرسلوا ذلك الفتى, وجاءه سائلاً مستفتياً عن تلك الرؤيا فلم يعنفه يوسف....بل أجابه عن سؤاله جواباً تاماً.

* ينبغي ويتأكد على المعلم استعمال الإخلاص التام في تعليمه, وأن لا يجعل تعليمه وسيلة لمعاوضة أحد من مال, أو جاه, أو نفع.

* ينبغي للمسئول أن يدلّ السائل على أمر ينفعه مما يتعلق بسؤاله, ويرشده إلى الطريق التي ينتفع بها في دينه, ودنياه, فإن هذا من كمال نصحه, وفطنته, وحسن إرشاده, فإن يوسف عليه السلام, لم يقتصر على تعبير رؤيا الملك.

بل دلّهم مع ذلك على ما يصنعون في تلك السنين المخصبات من كثرة الزرع, وكثرة جبايته.

* تعبير الرؤيا داخل في الفتوى, لقوله للفتيين: ( { قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان } ) وقال الملك: ( أفتوني في أمري ) وقال الفتى ليوسف: ( {أفتنا في سبع بقرات} ) الآيات فلا يجوز تعبير الرؤيا من غير علم.

* لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل, إذا كان في ذلك مصلحة, ولم يقصد العبد الرياء, وسلم من الكذب, لقول يوسف عليه السلام: ( { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} )

* لا تذم الولاية إذا كان المتولي فيها يقوم بما يقدر عليه من حقوق الله, وحقوق عباده, وأنه لا بأس بطلبها, إذا كان أعظم كفاءة من غيره, وإنما الذي يُذمُّ إذا لم يكن فيه كفاية, أو كان موجوداً غيره مثله, أو أعلى منه, أو لم يرد بها إقامة أمر الله. فهذه الأمور ينهى عن طلبها, والتعرض لها.

* العبد ينبغي له أن يدعو نفسه ويشوقها لثواب الله, ولا يدعها تحزن إذا رأت زينة أهل الدنيا ولذاتها, وهي غير قادرة عليها, بل يسليها بثواب الله الأخروي وفضله العظيم لقوله تعالى: ( { ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون} )

* هذه المحنة العظيمة التي امتحن الله بها نبيه وصفيه يعقوب عليه السلام, حيث قضى بالتفريق بينه وبين ابنه يوسف الذي لا يقدر على فراقه ساعة واحدة, ويحزنه ذلك أشدّ الحزن, فحصل التفريق بينه وبينه مدة طويلة لا تقصر عن ثلاثين سنة. ويعقوب لم يفارق الحزن قلبه هذه المدة ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) ثم ازداد به الأمر شدة حين صار الفراق بينه وبين ابنه الثاني, شقيق يوسف, هذا وهو صابر لأمر الله, محتسب الأجر من الله, قد وعد من نفسه الصبر الجميل, ولا شك أنه وفى بما وعد به. ولا ينافي ذلك قوله: ( { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} ) فإن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر, وإنما الذي ينافيه الشكوى إلى المخلوقين.  

* إن الفرج مع الكرب, وإن مع العسر يسراً, فإنه لما طال الحزن على يعقوب, واشتد به إلى أنهى ما يكون, ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب, ومسهم الضر, أذن الله حينئذ بالفرج, فحصل التلاقي في أشد الأوقات إليه حاجة واضطراراً, فتم الأجر وحصل السرور, وعُلِمَ من ذلك أن الله يبتلي أولياءه بالشدة والرخاء, والعسر واليسر, ليمتحن صبرهم وشكرهم, ويزداد بذلك إيمانهم ويقينهم وعرفانهم.

* فضيلة التقوى, وأن كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثار التقوى والصبر, وأن عاقبة أهلها أحسن العواقب لقوله: ( {قد منّ الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} )

* ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال أن يعترف بنعمة الله عليه, وأن لا يزال ذاكراً حاله الأولى ليحدث لذلك شكراً  كلما ذكرها.

* لطف الله بيوسف حيث نقله في تلك الأحوال, وأوصل إليه الشدائد والمحن, ليوصله بها إلى أعلى الغايات, ورفيع الدرجات.

* ينبغي للعبد أن يتملق إلى الله دائماً, في تثبيت إيمانه, ويعمل الأسباب الموجبة لذلك ويسأل الله حسن الخاتمة وتمام النعمة لقول يوسف علية الصلاة والسلام ( {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليّ في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} )

سورة الرعد:   

* ( {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم}) أي: لا يزال خيره إليهم, وإحسانه وبره وعفوه نازلاً إلى العباد, وهم لا يزال شركهم وعصيانهم إليه صاعداً, يعصونه فيدعوهم إلى بابه, ويجرمون فلا يحرمهم خيره وإحسانه, فإن تابوا إليه فهو حبيبهم, لأنه يحب التوابين, ويحب المتطهرين, وإن لم يتوبوا فهو طبيبهم يبتليهم بالمصائب ليطهرهم من المعايب.

* ( {وإن ربك لشديد العقاب} ) على من لم يزل مصراً على الذنوب, قد أبى التوبة والاستغفار والالتجاء إلى العزيز الغفار. فليحذر العباد عقوباته بأهل الجرائم, فإن أخذه أليم شديد.

*( { إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ } ) من النعمة والإحسان ورغد العيش ( {حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم}  ) بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر, ومن الطاعة إلى المعصية, أو من شكر نعم الله إلى البطر بها, فيسلبهم الله إياها عند ذلك. وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية فانتقلوا إلى طاعة الله غيَّر الله عليهم ما كانوا عليه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة.

* الله وحده...الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء والخوف والرجاء والحب والرغبة والرهبة والإنابة, لأن ألوهيته هي الحق, وألوهية غيره باطلة.

* التعليق على المحال من أبلغ ما يكون في نفي الشيء, كما قال تعالى: ( { إن الذين كفروا وكذبوا بآياتنا لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} )

* ( { ويدرءون بالحسنة السيئة ) أي: من أساء إليهم بقول أو فعل لم يقابلوه بفعله, بل قابلوه بالإحسان إليه, فيعطون من حرمهم, ويعفون عمن ظلمهم, ويصلون من قطعهم, ويحسنون إلى من أساء إليهم, وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان فما ظنك بغير المسيء ؟ !.

* ( { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } ) أي: يزول قلقها واضطرابها, وتحضر أفراحها ولذاتها.

* لا شيء ألذ للقلوب ولا أحلى من محبة خالقها, والأنس به ومعرفته, وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له يكون ذكرها له.  

سورة إبراهيم:    

* الشكر هو: اعتراف القلب بنعم الله, والثناء على الله بها, وصرفها في مرضاة الله تعالى, وكفر النعمة ضد ذلك.    

* ( {ولنصبرن على ما آذيتمونا} ) أي: ولنستمرنّ على دعوتكم ووعظكم وتذكيركم, ولا نبالي بما يأتينا منكم من الأذى, فإنا سنوطن أنفسنا على ما ينالنا منكم من الأذى, احتساباً للأجر, ونصحاً لكم, لعل الله أن يهديكم مع كثرة التذكير.

* خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله, وعلى الحق, وعلى عباد الله, واستكبر في الأرض, وعاند الرسل وشاقهم.

* ( {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} ) فضلاً عن قيامكم بشكرها.

* ( {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } ) حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق, وتركهم يتقلبون في البلاد, آمنين مطمئنين, فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم, فإن الله يُملي للظالم ويمهله, ليزداد إثماً, حتى إذا أخذه لم يفلته, ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) والظلم ههنا يشمل الظلم بين العبد وربه, وظلمه لعباد الله.

     كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ