(3) الاستشراق في خدمة اليهودية
إذا كان المستشرقون بمجملهم قد عملوا على تحقيق أهداف عدة على رأسها الأهداف الدينية ثم الاستعمارية والسياسية والتجارية والعلمية مدفوعين بدوافع مشابهة
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
إذا كان المستشرقون بمجملهم قد عملوا على تحقيق أهداف عدة على رأسها الأهداف الدينية ثم الاستعمارية والسياسية والتجارية والعلمية مدفوعين بدوافع مشابهة، فإن هذه الأهداف – عدا العملية – إلى اليهود ألصق منها بغيرهم من المستشرقين، رغم ما تركته الحروب الصليبية من إصرار للمسيحيين على العودة إلى الديار المقدسة بأي شكل من أشكال العودة. واليهود أكثر إصراراً على العودة بعد أن أجلاهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – من الجزيرة العربية عندما أدرك ((أن الدولة الإسلامية لا يمكن أن ترسخ في شبه جزيرة العرب ما دام اليهود يثيرون أهلها على الدولة ويفقرونها بالربا الفاحش))[36] ولسنا هنا بصدد التوسع في سرد تاريخ اليهود وعلاقتهم بالمسلمين منذ البعثة المحمدية – على صاحبها الصلاة والسلام – ولكن يكفي أن نقرر هنا أن دخول اليهود مضمار الاستشراق إنما تدفعه بواعث عرقية قديمة لم تكن وليدة القرون المتأخرة، وأن اليهود يتطلعون إلى العودة إلى ((خيبر)) و((المدينة المنورة)) عن طريق ((القدس)) و((الجليل)). فعندما سقطت ((القدس)) في أيدي اليهود سنة 1387هـ/ 1967م دخلها وزير الدفاع – آنذاك – ((موشي دايان)) مع الحاخام الأكبر ((شلوموغورين))، وبعد أن أدى صلاة الشكر عند حائط البراق الشريف قال: ((اليوم فتحت الطريق إلى بابل ويثرب)) وتقول رئيسة الوزراء السابقة ((غولدا ماثير)) وفي في ((إيلات)): ((إني أشم رائحة أجدادي في خيبر)). ويقول ((هرتزوغ)) لامرأة مسلمة ضيق عليها اليهود الخناق حتى دهموا دارها بالجرافات، فآثرت الرحيل إلى المملكة العربية السعودية حيث أبناؤها: ((إذا رأيتِ الملك فيصل (رحمه الله) فقولي له إننا قادمون إليه، فإن لنا أملاكاً عنده، إن جدنا إبراهيم هو الذي بنى الكعبة إنها ملكنا وسنسترجعها بالتأكيد))[37] وهذه أقوال ((قادة)) يهود يملكون – نوعاً ما – القرار السياسي والعسكري.
ومن هذا المنطلق يسعى اليهود إلى الوصول إلى هذه الأهداف مستخدمين وسائل شتى، من ضمنها الاستشراق بالمفهوم الذي يناقش فيه هنا، ولذا لم تغفل الجامعات اليهودية الدراسات الإسلامية والعربية أقساماً مستقلة فيها، بل هي الآن وبحكم قربها من العالم العربي والإسلامي أكثر تأثيراً من مراكز ومعاهد الدراسات العربية والإسلامية في البلاد الأخرى. وتتاح لها من الظروف والإمكانات ما لا يتاح لتلكم المراكز والمعاهد.
وقد حاول المستشرقون اليهود في البدايات الأولى للاستشراق التكتم على انتمائهم اليهودي ونظروا إلى أنفسهم، وأرادوا الآخرين أن ينظروا لهم على أنهم مستشرقون فحسب، وقَلَّ منهم من صرح بيهوديته.
ويأتي اتجاه اليهود نحو الاستشراق في البدايات فقط إلى الشعور السامي لديهم وأنهم والعرب – منشأ الإسلام – يعودون إلى أصول واحدة، فدرسوا العبرانية في البداية وجرتهم دراسة اليهودية إلى دراسة الإسلام عندما أرادوا أن يبرزوا الأثر اليهودي على الإسلام كما أراد المستشرقون المسيحيون إبراز الأثر المسيحي على الإسلام.
وما الاستشراق اليهودي إلا إمتداد لموقف اليهود عموماً من العرب والمسلمين، ذلك الموقف الذي لم يكن وليد القرون المتأخرة، بل صاحب الإسلام منذ أيامه الأولى في المدينة المنورة. ولذا نجد أن جانب الإنصاف والنزاهة بين المستشرقين اليهود يقل كثيراً عنه بين المستشرقين والمسيحيين أو الملحدين من غير اليهود. وهذه ردة فعل طبعية أملتها الجذور التاريخية للعلاقة بين العرب واليهود. ولذا نجد أن هناك من يصنف المستشرقين على فئتين:
ففئة تستحق التقدير والاحترام لما لها من المآثر في نشر العلم والثقافة وتسهيل الوصول إلى مؤلفات وأعمال ودراسات بادروا إلى تحقيقها ودرسها وفهرستها ونشرها. وهذه الفئة هي التي كانت ذات أهداف علمية نزيهة.
وفئة أخرى – ومعظمهم من اليهود، أو ممن يتعاطف معهم – درسوا الإسلام وعلومه قصداً إلى محاربته وإنكار أصالته وأهميته وأثره في تفكير المؤلفين الأوربيين وفي المنجزات الفكرية الحضارية[38] وهذا تقسيم سريع لفئات المستشرقين أريد منه التأكيد على التأثير اليهودي على الفئة الأخرى للاستشراق. والحق أن المستشرقين طوائف عدة إذا نظر إليهم بعيداً عن جنسياتهم وخلفياتهم الثقافية. فمنهم فئة لم تملك ناصية اللغة فأخطأت في نشر الكتب وفي فهم النصوص. ومنهم فئة آثرت في دراساتها مآرب السياسة والتعصب للدين فوجهت الحقائق وفسرتها بما يوافق أغراضها أو ما تسعى إليه. ومنهم فئة أوتيت الكثير من سعة العلم والتمكن من العربية والإخلاص للبحث والتحرر والإنصاف[39].
ومثل هذا أن يقال عنهم إنهم فئات متعددة حسب الميول والأهواء. فالفئة ذات المآرب السياسية هي الفئة التي يمكن أن يقال عنها إنها الفئة المتعصبة للغرب وطنياً وجنسياً، وهناك فئة المستشرقين الماديين الملحدين الذين يدعون إلى هدم المجتمعات القائمة ويؤكدون على أن الأديان تقف في عقبة في طريق الإصلاح الإجتماعي، وهناك فئة المؤمنين المحترفين سماسرة التنصير يتخذون من تشويه الإسلام صناعة لهم يستدرون بها الرزق، وهناك طائفة المغرمين بالأساطير والخرافات والخيال ينقلون عن المجتمع العربي المسلم صوراً علقت في أذهانهم عندما قرأوا ((ألف ليلة وليلة)). وهناك فئة الصهاينة وهي أخطر الفئات على الإطلاق لما يتوافر لها من الإمكانات المادية والوسائل الدعائية والإعلامية ودور النشر وغيرها[40]. وهناك فئة المستعمرين التي تبحث الآن عن مجالات أخرى تخدم فيها الاستعمار بعد أن شهدت أفوله على أرض العرب والمسلمين.
والمستشرقون من حيث اهتماماتهم فئات أيضاً. فهناك فئة عنيت بالقرآن الكريم وعلومه، وهناك فئة اهتمت بسيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم –. وهناك فئة عنيت بالسنة والحديث. وهناك فئة ركزت على الفرق الإسلامية. وهناك فئة عنيت بالتعاليم الإسلامية، وهناك فئة اهتمت بالفتوح الإسلامية، وهناك فئة ركزت على الولاة والأمراء وحكام الأمصار والخلفاء في الدولة الإسلامية، وهناك فئة درست الحضارة الإسلامية ومالها من تأثير وما عليها من تأثر[41] وهناك فئة تخصصت في الآداب العربية، وهناك فئة اهتمت بالفن الإسلامي. وفئة أخرى إتجهت إلى العلوم عند المسلمين. وهكذا تتعدد الفئات حسب الإهتمامات. ويدخل اليهود المستشرقون في هذه الفئات جميعها محاولين عدم التميز عن غيرهم من المستشرقين، بل ربما تعمدوا إخفاء الخلفية العرقية التي يعودون إليها واكتفوا بأنهم مستشرقون إنجليز أو فرنسيون أو ألمان أو هولنديون أو أمريكيون.. إلخ ((وهكذا لم يرد اليهود أن يعملوا داخل الحركة الاستشراقية بوصفهم مستشرقين يهوداً حتى لا يعزلوا أنفسهم وبالتالي يقل تأثيرهم... وبذلك كسبوا مرتين: كسبوا أولاً فرض أنفسهم على الحركة الاستشراقية كلها، وكسبوا ثانياً تحقيق أهدافهم في النيل من الإسلام، وهي أهداف تلتقي مع أهداف غالبية المستشرقين النصارى[42].
ولذا نجد الصعوبة في تحديد كنههم من حيث الخلفية العرقية. ويرصد ((العقيقي)) تسعة وعشرين مستشرقاً عاشوا بين القرنين العاشر والسادس عشر الميلاديين ويعتبرهم ((طلائع المستشرقين)) فلا نجد منهم يهوداً إلا إثنين تنصراهما ((يوحنا بن داود الإسباني)) ((ويوحنا الإشبيلي)) اللذان عاشا في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي[43]. وتنصرهما يؤيد الرأي القائل بأن المستشرقين اليهود تعمدوا إخفاء كنههم.
1 - ولعل أبرز المستشرقين اليهود ((إيناس غولدتسيهر 1850 – 1921م)) وهو مستشرق مجري (هنجاري) اتجه إلى دراسة العبرانية وتخرج باللغات السامية. ثم اهتم بالعربية والإسلام ونشر أبحاثه بالألمانية والفرنسية والإنجليزية. ويعد من الذين أسهموا في تغيير الدراسات العربية الإسلامية تغييراً جذرياً، إذ وضع خطة عامة اتبعها مستشرقون بارزون بعده واعترفوا له بأنه اعطى الدراسات العربية والإسلامية في الغرب قالباً جديداً[44].
2 - ومن أبرز المستشرقين اليهود ((غوستاف فون غرونباوم 1909 – 1972م)) وهو نمساوي الأصل. تخرج من جامعتي فينا وبرلين وانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية يتنقل بين جامعاتها ويغلب على إنتاجه اهتمامه بالأدب العربي.
3 - ومستشرق آخر فرنسي معاصر هو ((كلود كاهين المولود سنة 1909م)) تخرج باللغات الشرقية من السربون ومدرسة اللغات الشرقية ومدرسة المعلمين العليا وحاضر في مدرسة للغات الشرقية وعين أستاذاً لتاريخ الإسلام في كلية الآداب بجامعة ((ستراسبورج)) ((ثم في جامعة ((باريس)). ويغلب على أعماله التركيز على التاريخ. وغير هؤلاء من مشاهير المستشرقين اليهود، وقد أورد ((محمد بن عبود)) مجموعة الأسماء اللامعة في عالم الاستشراق اليهودي لعله من المناسب إثباتها هنا[45]. مع الاستعانة ((بالعقيقي)) في ((المستشرقون)) للتعرف عليهم ومنهم من لم يذكره ((محمد بن عبود)) ومنه من لم يترجم له ((العقيقي)).
4 - ((سليمان مونك 1805 – 1867م)) وهو ألماني الأصل فرنسي النشأة والوفاة يتكلم الألمانية والفرنسية والعربية والفارسية والسنسكريتية، وأكثر آثاره دراسات ضمنها شُهريات المجلات الفرنسية.
5 - ((كارل بول كازباري 1814 – 1892م)) مستشرق ألماني تحول إلى النصرانية معتنقاً الكاثوليكية اشتهر بتفسير التوراة. له (القواعد العربية) باللاتينية، وتعليم المتعلم للزرنوجي، أشرف على طبعه وقدم له ((فلايشر)) وطبع في ((لايبزبغ 1838م وقازان 1901م).
6 - ((جيمس دار مشتيتر 1849 – 1894م)) مستشرق فرنسي من أساتذة معهد فرنسا – تتبع المهدي منذ نشأة الإسلام إلى 1885م وركز على آثار فارسية وزراد شتية.
7 - ((جوزف ديرنبورغ 1811 – 1895م)) من مستشرقي فرنسا. عني عناية تامة بالتلمود، وأصبح من كبار علماء العبرية والعربية وتوفي بباريس. غلبت على تصانيفه اللغة والأدب.
8 - ((مورتر شتايناشايدر 1816 – 1907م)) مستشرق ألماني تعلم العربية في النمسا وعمل في المكتبة البودلية وفي مكتبة برلين الوطنية. يغلب على إنتاجه الضبط الببليوغرافي للمخطوطات العربية والترجمات. وبرز اهتمامه باليهودية من خلال آثاره.
9 - ((هارتفغ ديرنبورغ 1844 – 1908م ((هرتوغ ديرنبورغ)) وعن ((العقيقي)) أنه ابن ((جوزف ديرنبورغ)) وعن ((محمد بن عبود)) أنه أخوه، وهو من مستشرقي فرنسا ولادته ووفاته بباريس. ودرَّس العربية بألمانيا وعين أستاذ اللغة العربية بمدرسة اللغات الشرقية بباريس ثم في مدرسة الدراسات العليا ثم بقسم المخطوطات بمكتبة باريس الوطنية. وكانت له صولات وجولات مع المخطوطات في الأسكوريال ومدريد وغرناطة. له آثار عدة في اللغة والأدب.
10 - ((إدوارد غلازر 1855 – 1908م)) من المستشرقين النمساويين. وكانت وفاته بميونخ، عين مساعد أستاذ للغة العربية بجامعة فينا، طاف بلاد العرب في آسيا وأفريقيا خرج منها بألف واثنين وثلاثين من الكتابات القديمة المنقوشة على الأحجار، ومائتين وخمسين من مخطوطات الزيديين في اليمن، ونشر كتابات حميرية.
11 - ((سيجموند كرانكيل 1855 – 1909م)).
12 - ((ديفيد إبراها موفيش شورسون 1818 – 1911م)) مستشرق روسي تحول إلى النصرانية معتنقاً اللوثرية. كان متخصصاً باللغة العبرية. ويتقن اللغة العربية ويعتبر من مؤسسي المدرسة الروسية للدراسات الإسلامية.
13 - ((يوليوس ليبرت 1866 – 1911م)) مستشرق ألماني ركز على الطب عند المسلمين وخاصة طب العيون وله فيه آثار منها أطباء العيون عند العرب في مجلدين عاونه فيه ((هيرشبرغ وميتفوخ)).
14 - ((ويلهلم باكر 180 – 1913م)) من المستشرقين الألمان، ركز جل اهتماماته على فارس.
15 - ((جوزف هاليفي 1837 – 1917م)) مستشرق تركي الأصل فرنسي النشأة يعد من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بالسربون. تقمص شخصية متسول يهودي وجال بجنوبي بلاد العرب ووصل إلى نجران. وعاد معه ستمائة وستة وثمانين نقشاً من كتابات قديمة. وركز في بحوثه على السامية وما يتعلق بها.
16 - ((هيرمان ريكندروف 1863 – 1924م)) من المستشرقين الألمان انصرف لدراسة اللغات السامية و((المصرية)) والسنسكريتيه والصينية – عين أستاذاً للعربية في فرايبرغ. ركز في دراساته على النحو العربي مع دراسات في الأدب.
17 - ((يوليوس هيرشبرغ 1843 – 1925م)) مستشرق بولوني متخصص بتاريخ اليهود في الجزيرة العربية كتب عن السموءل وديوانه. وله آثار ركز فيها على اليهود في المجتمع الإسلامي.
18 - ((ديفيد سانتيلانا 1855 – 1931م)) من مستشرقي إيطاليا ومن مواليد تونس. درَّس القانون واشتهر بالفقه الإسلامي. وضع القانون المدني والتجاري لتونس بدعوة من المقيم الفرنسي فيها. وقد أخذ كثيراً من الشريعة الإسلامية، درَّس بمصر الفلسفة الإسلامية واليونانية والسريانية. آثاره يغلب عليها الفقه والقانون والفلسفة.
19 - ((جوزف هوروفتز 1874 – 1931م)) من المستشرقين الألمان. درَّس العربية في جامعة عليكرة بالهند، وتخصص بالإسلام في الهند. انتقل إلى ألمانيا ودرَّس بجامعة فرانكفورت، وعد من أشهر أساتذتها. له مصنفات وآثار في معارف كثيرة.
20 - ((ماكس سوبرهايم 1872 – 1932م)).
21 - ((ج برجشتراسر 1886 – 1933م)) من المستشرقين الألمان درَّس الفلسفة واللغات السامية والعلوم الإسلامية، ودرس اللهجات العامية. زار تركيا ومصر وعمل فيهما. سقط على أحد جبال الألب فمات. له آثار عدة عن القرآن الكريم والفقه الإسلامي.
22 - ((هرتفرج هيرشفيلد 1854 – 1934م)) مستشرق ألماني عنى بالدراسات السامية. وكتب عن السموءل وشعره والشعر المنسوب له. كما كتب عن حسان ابن ثابت وله دراسات في اليهودية والإسلام.
23 - ((ريتشارد غوتهايل 1862 – 1936م)) من المستشرقين الأمريكيين تخرج من جامعات ألمانيا. أتقن العربية على يد 24 - ((أ. ى فنسنك 1882 – 1939م)) مستشرق هولندي: أتقن اللغات السامية، وتخصص في أديان الشرق، وعني بالحديث الشريف، ووضع مع مجموعة من المستشرقين المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ولم يتمه. وتولى تحرير دائرة المعارف الإسلامية. إهتم بموقف الرسول – عليه الصلاة والسلام – من اليهود وله آثار أخرى.
25 - ((ديفيد صموئيل مورغليوث 1858 – 1940م)) مستشرق إنجليزي دخل سلك الرهبنة ويعد من أئمة المستشرقين. كتب بالعربية بسلاسة وهو صاحب نظرية الإنتحال في الشعر الجاهلي. له آثار ومباحث وتحقيقات عدة.
26 - ((يوجين ميتفوخ 1867 – 1942م)) مستشرق ألماني تخصص في فقه اللغات السامية وركز على فقه اللغة الحبشية والسبأية وتاريخ جنوب الجزيرة العربية. وشارك في نشر كتاب أطباء العيون عند العرب مع ((ليبرت)) و((هيرشبورغ)) سالفي الذكر. وحاول ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأمهرية.
27 - ((بول كراوس 1904 – 1944م)) مستشرق ألماني تقلد مناصب تعليمية عدة في ألمانيا وفرنسا ومصر. وشهد له أعلام المستشرقين بالعمق والشمول والتفرد وكان يتوقع له مستقبل باهر. إلا أنه أنهى حياته بنفسه. ركز على إسهامات المسلمين العلمية.
28 - ((ماكس مايرهوف 1874 – 1945م)) من المستشرقين الألمان تخرج طبيباً وزاول الطب. وتعلم اللغات في القاهرة خاصة التي تتحدثها القاهرة وعالج فقراءها مجاناً، ودرس الطب العربي وكتب عنه كتابات مرجعية وله فيه آثار عدة.
29 - ((أ. شاده 1883 – 1952م)) مستشرق ألماني تخرج باللغات الشرقية ودرَّس في هامبورج وفي مصر، عني بكتابته عن بعض الأدباء المعاصرين. ترجم ونشر مجموعة من الدراسات والشروح.
30 - ((كارل بروكلمان 1868 – 1956م)) مستشرق ألماني تخرج باللغات السامية واشتهر بلغته العربية والتاريخ الإسلامي والأدب العربي ودرسها في جامعات شتى. واشتهاره بالأدب العربي لم يقتصر على المفهوم الشائع للأدب العربي، بل إن مؤلفاته تشير إلى إضطلاعه بإسهامات المسلمين في شتى مجالات المعرفة التي برزت في كتابه ((تاريخ الأدب العربي)). وكتابه ((تاريخ الشعوب الإسلامية)). وآثاره غير يسيرة وترجم لمجموعة كبيرة من أعلام المسلمين في دائرة المعارف الإسلامية.
31 - ((ايفارست ليفي – برفنسال 1894 – 1956م)) من مستشرقي فرنسا. ولد بالجزائر ودرس بها، ثم درس بالمغرب العربي وركز على لغة جبلة، شمالي المغرب. أمضى معظم وقته في الشمال الأفريقي يدرس ويبحث. تخصص كثيراً في الأندلس، وعُدَّ مرجعاً فيه، وله فيه باع طويل من البحوث والدراسات. ووجد في التسامح الإسلامي نحو اليهود في الأندلس ما ينقض العنصرية والاضطهاد اللذين عانى منهما اليهود في حياته، ولذا برز حنينه إلى الأندلس وأهلها.
32 - ((ليو آريه ماير 1895 – 1959م)) من المستشرقين النمساويين. اختير رئيساً لمعهد العلوم الشرقية في القدس. وأصدر حولية في الآثار والفنون الإسلامية بعدة لغات، ركز على فلسطين في آثاره.
33 - ((لوى ماسينيون 1883 – 1962م)) مستشرق فرنسي تتلمذ على مشاهير المستشرقين وكانت له صولات وجولات علمية وعسكرية في الشرق. واهتم بالتصوف وكتب عنه بدائرة المعارف الإسلامية. له من الآثار ما يربو على ستمائة وخمسين بين مصنف ومحقق ومترجم ومقالة ومحاضرة وتقرير ونقد. له أياد ((بيضاء)) على الحركة الاستعمارية في العالم العربي.
34 - ((وليام بوبر 1874 – 1963م)) مستشرق أمريكي ومن أعلام المستشرقين في أمريكا. تنقل بين البدو وأخذ عنهم لهجاتهم وقصصهم، وعاد إلى الولايات المتحدة ودرس بجامعة كاليفورنيا. وواصل جهود سابقيه في نشر كتاب (النجوم الزاهرة)) ((لابن تغري بردي)).
35 - ((روبين ليفى 1891 – 1966م)) مستشرق بريطاني تعلم في جامعات نورث ولسون وبنجور وأكسفورد. عمل في العراق وأقام في أمريكا وعاد إلى بريطانيا. له آثار في فارس والعراق وغيرها.
36 - ((جورجيو ليفي دلافيدا 1886 – 1967م)) من المستشرقين الايطاليين، أستاذ العربية واللغات السامية المقارنة بجامعة روما، ومن كبار الباحثين في تاريخ الدين الإسلامي وغلب على آثاره اهتمامه بالشعر والشعراء.
37 - ((جوزف شاخت 1902 – 1969م)) مستشرق ألماني تقلد مناصب تعليمية عدة في ألمانيا ومصر وبريطانيا وأمريكا والجزائر وهولندا. وقد اشتهر بدراسة التشريع الإسلامي وبيان نشأته وتطوره و((تأثره)) وأثره. وله آثار عدة وهو من محرري دائرة المعارف الإسلامية.
38 - ((مارسل كوهين 1884م)) مستشرق فرنسي وعالم لغوي من أساتذة مدرسة اللغات الشرقية ومدرسة الدراسات العليا بباريس. له بحوث وآثار سامية تركز فيها على اللغات السامية.
39 - ((مكسيم رودنسون 1915م)) مستشرق فرنسي ماركسي درَّس في باريس في المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية والمدرسة العلمية للدراسات العليا. درَّس في صيدا وعمل في بيروت ودمشق أمين مكتبة، له آثار كثيرة غلب عليها اهتمامه بالاقتصاد الرأسمالي والمراكسي، كما غلبت كتابته في الوضع العربي الراهن، عرف عنه معارضته للصهيونية.
40 - ((برنارد لويس 1916م)) مستشرق بريطاني درَّس في لندن وباريس، ودرَّس في الولايات المتحدة الأمريكية بجامعة برنستون وغيرها من جامعات الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تدريسه في جامعات بريطانيا. ركز في دراساته على التاريخ عموماً وعلى تاريخ الإسماعيلية بخاصة، ويتابع النشاط الإسلامي في أوروبا وأمريكا. لا يتورع عن التأكيد على صهيونيته وإعلانها.
41 - ((ديفيد كوهين)) مستشرق فرنسي معاصر وعالم لغوي له آثار لغوية عدة في السامية.
42 - ((إسرائيل ولفنسون)) معاصر ويكنى بأبي ذؤيب. درَّس اللغة السامية بدار العلوم ثم بالجامعة المصرية. له تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام بالعربية. وقدم له ((طه حسين)). وتاريخ اللغات السامية بالعربية، و((موسى بن ميمون)) حياته ومصنفاته بالعربية، وقدم له ((مصطفى عبدالرازق))، وكعب الأحبار بالألمانية. ونشر كتاب (المصائد والمطارد) ((لأبي الفتح كشاجم)) ويعد من المستشرقين الألمان.
ومن الصعب جداً حصر الأسماء اليهودية في عالم الاستشراق للأسباب سالفة الذكر، ومالم يكن الباحث عالماً بطريق غير مباشر عن كُنه المستشرق، إلا أنه يغلب على المستشرقين اليهود إهتمامهم المباشر بالسامية وتعلقهم بها، حتى لا يكاد مستشرق يهودي يطرق أبواب الاستشراق دون أن يمر على اللغات السامية أو يتقن العبرية. ولعلهم بهذا يقتفون أثر ((إمامهم)) إيناس جولدتسيهر)) الذي بدأ رحلته الاستشراقية بالإهتمام بالعبرانية ثم اتجه منها إلى الإسلام والعربية[46].
وتزداد الصعوبة في الوقت الراهن عندما ندرك أن اليهود عملوا على السيطرة على مراكز ومعاهد الدراسات الإسلامية والعربية والشرق أوسطية، فوجهوها الوجهة التي تعين على تثبيت أقدام اليهود في فلسطين المحتلة. وهذا يقلق كثيراً من المستشرقين من غير اليهود ممن يمكن أن يوصفوا بالنزاهة والتجرد. وقد صرح لي بهذا الأستاذ ((رالف برابنتي)) أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ((دوك)) بولاية ((نورث كارولينا)) بالولايات المتحدة الأمريكية. والمقصود هنا النزاهة النبسبية التي تتضح لبعض الباحثين دون بعض اعتماداً على نظرة الباحث إلى المستشرق الموسوم بالنزاهة.
ولا تقتصر السيطرة على إدارة هذه المراكز والمعاهد فحسب، وإنما أيضاً شملت التحكم فيما يقال عن المنطقة في المؤتمرات والندوات التي تنعقد في الجامعات والمؤسسات العلمية والتعليمية. فالتي لا تتاح لهم فيها فرصة المشاركة الفعلية تراهم يرسلون إليها مندوبين لهم يرصدون ما يقال في هذه اللقاءات ويكتبون عنه التقارير لمكتب الملحقية الثقافية اليهودية، وهذا بدوره يكتب لهذه المؤسسات طالباً عدم التعرض لليهود ولدولتهم في فلسطين بشيء من السلبية. هذا بالإضافة إلى رصد المعلومات عن هذه الأنشطة ومعرفة توجهها ومحاولة الإسهام فيها.
ولذا لا يستبعد المرء أن تستفحل حركة الاستشراق الصهيوني وأن تكون الطاغية على الاستشراق في فترة تأتي قد تطول إذا ما استمرت السيطرة الصهيونية على جميع مرافق الحياة العلمية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الغربي عموماً، وفي مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة بعد تسلمها زمام الحضارة الغربية من أوروبا، مما أتاح للمستشرقين وغيرهم من اليهود أن يصبوا جام غضبهم بسبب ما حصل لهم من إضطهاد في أوروبا على بعض الحركات السياسية والعرقية فيها، وبصورة أوسع وأشمل وأوضح على طرف ثالث أكثر من الطرف الثاني الأوروبي، وقد برزت ردود الفعل هذه ((بوضوح، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، في كتابات المستشرقين الصهاينة وعلى رأسهم ((بارنارد لويس)). إن بذور الصهيونية قد غرست خلال القرن التاسع عشر (الميلادي) ولكن الشجرة الصهيونية قد ازدادت نمواً خلال القرن العشرين (الميلادي)، فكان الهدف الأصلي لهذه الحركة من وراء إهتمامها بالإسلاميات الحصول على المعلومات الكافية عن الفلسطينيين الذين سيتركون بلادهم لتؤسس فيه الدولة الصهيونية مستقبلاً. كما أولى الصهاينة إهتماماً كبيراً للدول المجاوره لفلسطين لمنع احتمال ردود فعل ضد تأسيس دولة إسرائيل. وكان الصهاينة – شأنهم في ذلك شأن أسلافهم المستعمرين – مهتمين بالدراسات العربية والإسلامية أساساً كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية[47] وإذا كان يتردد أن تأثير الاستعمار قد انتهى فلا يزال للصهيونية تأثيرها في الدراسات العربية والإسلامية خصوصاً في الولايات المتحدة – كما سبق التنويه عليه –.
وقد ساعد التنصير على ترسيخ فكرة الاستشراق الصهيوني من خلال تشجيع دراسة اليهود للعرب والمسلمين مما ساعد على استغلال التنصير لليهود في سبيل تحقيق أهداف التنصير الدينية والسياسية. وقد اقتنع المنصرون أن جمع اليهود في فلسطين يسهل لهم مهمتهم في الوصول إلى المسلمين[48]. ولا تزال الجمعيات التنصيرية تنطلق من فلسطين المحتلة رغم سيطرة اليهودية على البلاد. ولا بأس – في نظام القوم – من أن تتضافر الجهود في سبيل الحد من ((خطر)) الإسلام على الأمم الأخرى. ولا بأس – في نظام القوم – من ممارسة ((الإرهاب الفكري)) ضد الإسلام والمسلمين سعياً وراء توطيد الأقدام في فلسطين المحتلة إلى درجة محاولة تحريف القرآن الكريم وتوزيع نسخ مزورة منه على المسلمين مثلماً حدث في أندونيسيا وغيرها من بلاد المسلمين التي كان يعتقد أنها لجهلها بالعربية لن تنتبه لهذه النسخ المزورة. ومثلما حدث من طباعة (موجزة) للقرآن الكريم صدرت عن ((دار ديفز للنشر)) وهي دار يهودية مركزها ((شيكاغو)) بولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية، وسمت هذه الطبعة الموجزة بالقرآن القصير[49]، كما فعلوا مع القواميس والمعاجم يصدرون طبعات موجزة عنها للرجوع السريع!
ولا يبدو أن مثل هذه الأساليب ستجدي في تحقيق الأهداف، فهي أعمال يغلب عليها جانب السطحية في المحاولة إذا ما قورنت بما أدخله اليهود على الفكر الإسلامي منذ البدايات الأولى للإسلام، وكانوا السبب الرئيس في إختلاف الأمة وتفرقها ودخول مبدأ البدعة منها والرجوع إلى العقلانية في النظر إلى التشريع[50] وتغليب العقل على النصوص أحياناً ولو ثبتت صحتها من قبل كبار المحققين والمخرِّجين. وحيث تنبه المسلمون إلى هذه الجوانب وردوا النظريات التي شككت في صحة الحديث والآثار المروية عن الصحابة – رضوان الله عليهم – يلجأ اليهود إلى أساليب جديدة في إدخال ((الاسرائيليات الحديثة)) على الفكر الإسلامي. وكلما استنفذت وسيلة لجأوا إلى أخرى. وليس في هذا مصدر غرابة أو عجب، فقد ((تعوَّد)) المسلمون على مثل هذه الأساليب وكانوا – ولا يزالون – موفقين في ردها والرد عليها. هذا بالإضافة إلى المعلومة المسبقة عن اليهود مما يجعل اليهود يتفانون في إخفاء كنههم ولو أدى ذلك إلى تنصرهم، بل ربما إلى إسلامهم وصلاتهم مع المسلمين وحضورهم لقاءاتهم وإجتماعاتهم وأنشطتهم الأخرى. وانظر – إن شئت – إلى قصة ((فريد عبدالرحمن)) أو ((الفرد دي يونغ)) كما يرويها ((قاسم السامرائي))[51]. ولعل هذا – أيضاً – مما يؤيد صعوبة التعرف عليهم بطرق علمية مجردة. أما الذي لم يمتط صهوة التنصر أو الإسلام فاكتفى بأن يصنف من المستشرقين العلمانيين الذين اشتد أزرهم في القرن الرابع عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي[52]. وزادت شوكتهم في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي وخصوصاً مع قيام دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة عام 1368/ 1948م وما صاحب هذا من نقلة في إهتمامات المستشرقين عموماً والعلمانيين بشكل خاص واليهود منهم على وجه أكثر تخصصياً، إذ برزت نغمة تعميق الوجود اليهودي في منطقة ((الشرق الأوسط)) وكثر التأليف والكتابة عن هذا الموضوع قصداً إلى ترسيخ فكرة حق اليهود في وطن قومي لهم في فلسطين. وإن لم تكن الفكرة وليدة القرن السابق أو القرون الثلاثة الماضية المقرونة بدعوة الحاخام ((ليفا 1520 – 1609م)) لقيام وطن قومي لليهود[53]، فمما لا شك فيه أنها استشرت مع إعلان دولة إسرائيل. واتجه إلى الإستشراق أعضاء جدد لم يكونوا يفكرون بطرق أبوابه من قبل، حتى أنه دخل في هذا المفهوم الكُتَّاب الصحفيون والمعلقون السياسيون والمهتمون بالمنطقة، مما أعطى فكرة الاستشراق شيئاً من السطحية لم تكن تنعم به من قبل. وأصبحت هذه المقالات والتعليقات كتباً تباع في المكتبات على أنها مرجع عن المنطقة. وأصبح كاتبوها ممن يرجع إليهم في تحليل أو تفسير ما يقع في المنطقة من أحداث، وترك هؤلاء لأهوائهم وميولهم العنان في الإنطلاق في التحليل والتعليق الذي يناسب الوجهة التي يعملون لها، مع قدر محدود جداً من توفر الوجهة الأخرى، وشبه إنعدام للخلفية التاريخية للصراع القائم اليوم.
ولا شك أن لهذا الاتجاه أثره على حركة الاستشراق عموماً وعلى الاستشراق الصهيوني على الأخص، خاصة أن التضخم الإقتصادي وإنتشار البطالة قد أسهم في التقليل من الصرف على مراكز ومعاهد الدراسات العربية والإسلامية والشرق أوسطية. فنقصت نسبة الطلبة نظراً لزيادة رسوم الدراسة. وألغيت بعض الأقسام أو قلص من نشاطها، مما ينبيء بتحول في النشاط الاستشراقي[54]. وفي هذه البيئة تتم لليهود السيطرة على مسار الاستشراق فيتصرفون في المؤتمرات أو الندوات والنشرات التي تصدر عن الجمعيات والمراكز الاستشراقية، مما قد يهدد بخطر أكثر عتواً من المرحلة التي كان اليهود المستشرقون فيها منخرطين بين المستشرقين مخفين حقيقتهم. وربما برزت في الأفق دعوى أحقية اليهود في الاستشراق على إعتبار أنهم قريبون من المنطقة، وأنهم جنس سامٍ يدرك ظروف المنطقة، بحكم قيام دولة لهم فيها. إضافة إلى إتقانهم لغة ((أعرابية)) تسهل عليهم كثيراً إتقان اللغة العربية. وهم في الأصل شرقيون ما يعينهم على إدراك المشكلات الشرقية، ويسكنون في الغرب فيدركون حاجات الدول الغربية من المنطقة[55]. وهكذا يبررون نزعتهم إلى السيطرة على زمام الاستشراق فلا يُدخِلون فيه إلا من يحوم في فلكهم. وربما طغى الهدف السياسي للمستشرقين عموماً واليهود بخاصة على الهدف الديني على إعتبار أن اليهود ينظرون إلى دولتهم المقامة في فلسطين المحتلة على أنها موطن الجنس اليهودي – وليس الديانة اليهودية. وعليه فإن الهدف الديني غير وارد بالقوة التي يخدمون بها الهدف السياسي في ترسيخ فكرة استمرار الدولة وشرعيتها في البقاء، في الوقت الذي تضعف فيه الحركات التي تصمم على إعادة الأرض إلى أهلها بأي شكل من أشكال الإعادة.
وهكذا يخدمون الصهيونية فكرة أولاً ثم دولة ثانياً. والظروف العامة والظواهر المترادفة في كتابات المستشرقين من هذه الفئة تعزز وجهة النظر هذه وتخلع عليها بعض خصائص الإنتاج العلمي[56].
ومع هذه الجهود المضنية في السيطرة على مسيرة الاستشراق وتوجيهها الوجهة التي تتفق وأهداف وتطلعات الاستشراق اليهودي، مع هذا هل من الممكن إعتبار مدارس للاستشراق تكون ((المدرسة اليهودية)) واحدة منها؟. هناك من صنف الاستشراق إلى أربع مدارس:
1 - المدرسة النصرانية – الكاثوليكية والبروتستانتية.
2 - المدرسة اليهودية.
3 - المدرسة الإلحادية العامة.
4 - المدرسة الإلحادية الشيوعية[57].
ولا شك أن هناك ما تميز به المستشرقون اليهود من حيث تركيزهم على اللغات السامية، وإصرارهم على إعتماد الإسلام على اليهودية، وإقحامهم الإسرائيليات في التاريخ الإسلامي، وتأكيدهم على وضع اليهود في الجزيرة العربية بعد ظهور الإسلام إلى الوقت الحاضر على المستوى العربي عموماً[58]، بل على المستوى العالمي، وهذه كلها لا ترقى إلى أن يكون هناك مدرسة استشراقية يهودية، فلقد جر المستشرقون اليهود غيرهم من الملحدين والنصارى إلى تبني ما ذهبوا إليه، واتفق المستشرقون اليهود مع غيرهم من المستشرقين على مواقفهم من القرآن الكريم، وسيرة الرسول – عليه الصلاة والسلام – وسنته، والشريعة والتاريخ الإسلامي والسير وغيرها، فلا تكاد تميز بينهم في مواقفهم هذه. وانخرط المستشرقون ((الآخرون)) في النظرة المعاصرة للمنطقة فأصبحت تجد صعوبة في التعرف على كُنه المستشرق وهو يتحدث عن المنطقة. ولا تستطيع الحكم عليه باليهودية لمجرد حماسه لدولة إسرائيل. فلقد وجد مستشرقون غير يهود تحمسوا لقيام دولة إسرائيل في فلسطين المحتلة أكثر من تحمس بعض المستشرقين اليهود لها، وذلك لإنخراطهم في خدمة الصهيونية العالمية بشكل مباشر أو غير مباشر.
هذا مع التشكيك جملة وتفصيلاً في أن الاستشراق عموماً قد وصل إلى مستوى أن يقسم إلى مدارس لما لمصطلح ((مدرسة)) من عمق في التفكير وجديد الإضافة والتميز الملحوظ، الأمر الذي لم يتحقق بوضوح في مسألة الاستشراق إلى درجة أنه لا يصل إلى أن يطلق عليه ((علم)) له أصوله ومناهجه ونظريته التي ينطلق منها، بل ربما صح أنه ظاهرة مثله في هذا مثل التنصير والإستعمار[59].
وما كان التركيز في هذه الجولة إلا على التأكيد على أن الاستشراق قد خدم اليهودية والصهيونية وأن هناك علاقة بين الاستشراق واليهودية بدت واضحة من خلال توجهات المستشرقين عموماً بغض النظر عن خلفياتهم التي انطلقوا منها.