كارثة أكل الحرام

محمد سيد حسين عبد الواحد

لكن الحفاظ على الحسنة هو الذي يحتاج إلى جهد وإلى يقظة حتى لا تحرق, الأعمال الصالحات تحتاج إلى حراسة حتى لا تسرق..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

أيها الإخوة الكرام: على مدار أربعة أشهر وربما أكثر من ذلك حفلت الأيام والليالي بعبادات وقربات نسأل الله تعالى أن يتقبلها بالقبول الحسن..
ابتداء من قيام رمضان ثم بصيام رمضان ثم بدعواته ثم بختم القرآن فيه ثم بليلة القدر من رمضان ثم بصدقة الفطر طهرة للصائم من كل لغو ورفث ثم باستكمال صيام الدهر بصيام ست من شوال ثم الدخول على الأيام المعلومات عشر ذي الحجة خير أيام الدنيا كما وصفها النبي عليه الصلاة والسلام وفيها التمتع بالعمرة إلى الحج وفيها خير أيام العام يوم عرفة ثم يوم النحر ثم الدخول على الأيام المعدودات أيام التشريق يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة أيام العيد وأيام الأكل والشرب وأيام ذكر الله تعالى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.... 

على مدار أربعة أشهر وربما أكثر ونحن المسلمين نتقلب من نعمة إلى نعمة ونخرج من حسنة إلى حسنة ومن عبادة إلى عبادة ومن خير إلى خير فالحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا..

لكني في هذا اللقاء أود أن أنبه نفسي وكل مسلم ومسلمة إلى أن القضية ليست في اكتساب الحسنة, في هذا اللقاء أود أن أنبه نفسي وكل مسلم ومسلمة إلى أن جمع الحسنات أمره يسير على من يسره الله تعالى عليه..

لكن الحفاظ على الحسنة هو الذي يحتاج إلى جهد وإلى يقظة حتى لا تحرق, الأعمال الصالحات تحتاج إلى حراسة حتى لا تسرق..
فكم من انسان عمل خيرات ثم ضيعها !!
كم من انسان عمل صالحات ثم أفسدها !!
كم من انسان كسب حسنات ثم أذهبها !!   
قال الحكيم العليم سبحانه وتعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ) 
هذه الآية: ماذا تقول؟
هذه الآية: تقول: إن من الحسنات بعد اكتسابها ما يذهب, ومن الصالحات بعد عملها ما يفسد, ومن الخيرات بعد فعلها ما يضيع, ومن الثواب بعد تحصيله ما يبطل ( «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ» )

سمعنا كثيرا أن الحسنات يذهبن السيئات
واليوم ننبه أنفسنا إلى أن من السيئات أيضا ما يفسد الحسنات ويضيعها ويحبطها, كما أن للحسنات أبوابا لاكتسابها يوجد للحسنات آفات لذهابها وفسادها( العجب والاغترار آفة والرياء آفة والمن والأذى آفة والخوض في أعراض العباد آفة وأكل أموال الناس بالباطل آفة...) وإذا أصابت الآفة الحسنة أفسدتها فلم تبق منها شيئا وكانت العاقبة يوم القيامة كما قال الله تعالى (   { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} )

لماذا نقول هذا؟
نقول هذا : لأنه كلما مر الزمان استحدث الناس أساليب جديدة لأكل أموال الناس بالباطل..
كنا قبل سنوات نتحدث عن أساليب تقليدية قديمة لأكل الحرام (الغصب, السرقة, أكل الربا, أكل مال اليتيم, الغش) أما اليوم فقد استحدث الناس أساليب جديدة متطورة  لكسب الحرام ويسمونها بغير أسماءها بل وهناك من يعمل فقط في هذا المجال (مجال الخداع وتزييف الحقائق )

أصبحت أساليب الغش اليوم لا حصر لها وطرق أكل أموال الناس بالباطل أصبحت تفوق حد الخيال يخادعون الناس يكذبون علي الناس يغررون بالناس من أجل عرض من الدنيا قليل 

كلمة واحدة نقولها لكل من سولت له نفسه أن يتفنن في أكل أموال الناس بالباطل نقول له إن استطعت أن تخدعني فلن تستطيع أن تخدع الله عز وجل , إن استطعت أن تحتال عليَّ فلن تستطيع أن تحتال علي من يعلم السر وأخفى إن استطعت أن تفلت من سؤال المخلوق ومن عقاب المخلوق فلن تفلت من سؤال الله ولا من عقابه وقد خاب من حمل ظلما.ز
 
( {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا, فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا, لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا, يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا, يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا, يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا, وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} ) أسأل الله تعالى يصلح أحوالنا وأ يحسن عاقبتنا في الأمور كلها. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول لكل من ظلم نفسه ولكل من تجرأ على حقوق الناس فكتمها ولكل من استحل أموال الناس فغصبها لكل من أكل إخوته في الميراث وكل من خدع شريكه نقول لكل هؤلاء (إن الله كان بكم رحيما ) من دلال رحمته أنكم مازلت أحياء..

نقول لكل من ظلم نفسه بغشمه وعدوانه على حقوق الناس لم يزل الباب الذي بينك وبين الله تعالى مفتوحا فبادر بالرجوع إليه والتوبة إليه ولا تتأخر..
تب إلى الله واستغفره
تب إلى الله وأقلع عن ذنبك 
تب إلى الله واعزم على ألا تعود 
تب إلى الله ورد إلى كل ذي حق حقه 
تب إلى الله ولا تُحكم أحدا في حسناتك 
تب إلى الله ولا تخسر آخرتك بعرض من الدنيا قليل وإلا فليس بينك وبين الناس إلا القصاص بين يدي الله عز وجل
جَاءَ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ يَخْتَصِمَانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوَارِيثَ بَيْنَهُمَا قَدْ دُرِسَتْ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ من بعض، فَإِنِّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إِسْطَامًا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فَبَكَى الرَّجُلَانِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: حَقِّي لِأَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَا إِذْ قُلْتُمَا، فَاذْهَبَا فَاقْتَسِمَا، ثُمَّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لِيَحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ» " 
نسأل الله العظيم أن يكفينا شر أنفسنا وأن يتولانا بواسع رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه