هل كانت الهجرة في الشهر المحرم ؟

يعتقد الكثيرون أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أول شهر المحرم: وهذا خطأ شائع عند كثير من الناس، يعتقدون أن الهجرة كانت فى أول شهر المحرم!!

  • التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
هل كانت الهجرة في الشهر المحرم ؟

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

يعتقد الكثيرون أن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في أول شهر المحرم:

وهذا خطأ شائع عند كثير من الناس، يعتقدون أن الهجرة كانت فى أول شهر المحرم!!

وهذا مع شهرته بين العامة وكثير من الخاصة، لكنه خطأ، وليس بصحيح.

 

ســـؤال: ومتى كانت هجرة النبى صلى الله عليه وسلم؟

الــجــواب: المعلوم عند أهل الحديث والتاريخ والسير قــولان:

الـقـول الأول:

أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة فى أوائل شهر ربيع الأول؛ حيث دخل قـباء - أحد ضواحى المدينة - لاثنتى عشرة ليلة خلتْ من ربيع الأول؛ وهذا هو المشهور الذي عليه الجمهور: أنه هاجر فى ربيع الأول.

 

قال ابن هشام: (حتى هبط بهما بطن (رئم )، ثم قدم بهما قباء على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، يوم الاثنين، حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل)[1].

 

قال ابـن القيم: (... ثم أخذا على طريق الساحل، فلما انتهوا إلى المدينة، وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول... )[2].

 

قال ابـن كـثـيـر: (... فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول..... )[3].

 

وقال ابن كثير(وحكى السهيلي وغيره عن الإمام مالك أنه قال: أول السنة الإسلامية ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم)[4].

 

الـقـول الـثـاني: وقيل: هاجر في أوائل شهر صفر[5].

والمشهور الذي عليه الجمهور هو: القول الأول.

قال الحافظ ابن حجر: ولا شك أن قدومه كان في ربيع الأول [6].

 

إشـــكــال:

إذا كانت الهجرة لم تكن فى شهر المحرم، فلماذا كان التأريخ الهجرى يبدأ بشهر المحرم؟

الــجــواب:

التأريخ ينقسم إلى قسمين (تأريخ سنوي - وتأريخ شهري)، واختلف العلماء فى أول مَن أرَّخ التأريخ.

 

فـقيل: النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة.

 

واستدلوا على ذلك: بحديث معضل، من رواية الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والمشهور أن التأريخ كان في خلافة عمر.

 

والصحابة عند التأريخ السنوي - بعد الاختلاف - اتفقوا على أن تكون البداية من عام الهجرة ليكون أول التأريخ، واختلفوا فى أول التاريخ الشهرى:

 

بأى شهر يبدأون السنة:

فـقال بعضهم: يكون ربيع الأول أول السنة؛ لأنه وقت الهجرة.

وقال بعضهم: ابدؤوا برمضان.

وقال بعضهم: ابدؤوا برجب.

وقال بعضهم: أرِّخوا مِن المحرم؛ فإنه شهر حرام، وهو أول السنة، ومنصرف الناس من الحج.

وفى بعض الروايات: الذي أشار بذلك عمر، وفى بعضها علىٌّ، وفى بعضها عثمان، وقد جمع الحافظ ابن حجر بين الروايات بأن الثلاثة أشاروا بالمحرم؛ ليكون بداية العام.

 

وهــذه بـعـض الآثـار فـيـمـا ذكـرنـا:

منها ما أخرجه أبو نعيم الفضْل بن دُكَيْن في تاريخه، ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي أن أبا موسى كتب إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرِّخ بالمبعث، وبعضهم: أرِّخ بالهجرة، فـقال عمر: "الهجرة فرَّقت بين الحق والباطل، فأرِّخوا بها"؛ وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم: ابدؤوا برمضان، فقال عمر: بل بالمحرم؛ فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه[7].

 

وقد ضعفه الحافظ ابن حجر للانقطاع [8].

 

وروى ابن أبى خيثمة من طريق محمد بن سيرين: قام رجل إلى عمر، فقال: أرِّخُوا، فقال عمر: ما أرِّخوا؟

فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر:

حسن، فأرّخوا، فاتفقوا على الهجرة ثم قالوا: من أي الشهور؟

فقالوا: من رمضان، ثمّ قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم، وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه )) [9].

 

خــلاصـــة الــكــلام:

الصحابة رضي الله عنهم حين أرَّخوا اعتمدوا سنة الهجرة كبداية، ولم يعتمدوا الشهر أو اليوم الذي هاجر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم كما يظن أكثر الناس اليوم، وإنما اختاروا شهر المحرم كبداية للسنة؛ لأنه شهر حرام، ولأنه منصرف الناس من الحج، ولم تكن الهجرة في شهر المحرم.

 

سؤال: هل هناك علاقة بين الهجرة وتحديد شهر المحرم (بداية التأريخ )؟

قال الحافظ ابن حجر:

« وإنما أخروه من الربيع الأول إلى المحرم؛ لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم؛ إذ البيعة كانت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أولُ هلال استُهل به بعد البيعة والعزم على الهجرة هلالَ المحرم، فناسب أن يُجعل مبتدأ »[10].

والله أعلم...

وبالله التوفيق،،،

 


[1] السيرة النبوية ( ص 285 ) طـ ( دار الأرقم )، الروض الأنف (2 / 330) طـ ( دار الكتب العلمية ) بيروت - لبنان.

[2] زاد المعاد (1 / 64) طـ ( مكتبة الإيمان ) المنصورة.

[3] البداية والنهاية (2 / 196) طـ ( دار الكتب العلمية ) بيروت - لبنان.

[4] البداية والنهاية (2 / 217) طـ ( دار الكتب العلمية ) بيروت - لبنان.

[5] زاد المعاد ( 1 / 64 ) طـ ( مكتبة الإيمان ) المنصورة، مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، لمحمد أحمد الفاسي ( صـ 227 ) طـ ( دار الكتب العلمية ) بيروت - لبنان.

[6] فتح الباري ( 4 / 298 ) تحت حديث رقم (2000) طـ ( دار الحديث ) القاهرة.

[7] فتح الباري (7 /330) تحت لحديث رقم (3934) طـ ( دار الحديث ) القاهرة.

[8] المصدر السابق.

[9] فتح الباري (7 /330) تحت لحديث رقم (3934) طـ ( دار الحديث ) القاهرة.

[10] فتح الباري (7 /330) تحت لحديث رقم (3934) طـ ( دار الحديث ) القاهرة.