تفسير قوله تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم}
محمد بن صالح العثيمين
وقال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 48، 49].
- التصنيفات: التفسير -
وقال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 48، 49].
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ثم ذكر المؤلِّف آية أخرى، وهي قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف: 48]، أصحاب الأعراف: قوم تساوتْ حسناتُهم وسيئاتهم، فلا يدخلون الجنة ولا يدخلون النار، يُحشَر أهلُ النار إلى النار، ويُساقُ المتقون إلى الرحمن وفدًا إلى الجنة زمرًا، فيدخل أهل النارِ النارَ، وأهل الجنةِ الجنةَ، وأصحاب الأعراف في مكان مرتفع.
فالأعراف: جمع عُرْف، وهو المكان المرتفع، لكن ليسوا في الجنة، وليسوا في النار، وهم يطَّلِعون إلى هؤلاء وإلى هؤلاء، وفي النهاية يدخُلون الجنة؛ لأنه ليس هناك إلا جنة أو نار، هما الباقيتان أبدًا، وأما ما سواهما فيزول.
يقول الله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف: 48]؛ أي: بعلاماتهم معرفة تامة، {قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف: 48]؛ يعني جمعكم المال والأولاد والأهل، ما أغني عنكم هؤلاء، وما أغنى جمعكم من الناس الذين هم جنودكم، تجمعونهم إليكم وتستنصرون بهم، ما أَغنَوا عنكم شيئًا، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} يعني وما أغنى عنكم استكبارُكم على الحق.
{أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ} [الأعراف: 49] يعني الضعفاء، وكان الملأ المكذِّبون للرسل يَسْخرون من المؤمنين ويقولون: {أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام: 53]، يقولون: أهؤلاء أصحاب الرحمة؟ أهؤلاء أهل الجنة؟ يسخرون منهم {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين: 29 - 31].
فيقولون لهم: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} [الأعراف: 49]؛ يعني قد قيل لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 49].
إذًا صار تواضُعُهم للحق واتِّباعُهم الرسل هو الذي بلَّغهم هذه المنازلَ العالية، أما هؤلاء المستكبرون الذين فخَروا بما أغناهم الله به من الجمع والمال؛ فإن ذلك لم يُغنِ عنهم شيئًا، فدلَّ ذلك على فضل التواضع للحق، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتواضعين له وللحق الذي جاءت به رسلُه، إنه على كل شيء قدير.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 521- 523)