المسجد البابري.. قبل أن ينساه المسلمون

بين الحين والآخر تطفو قضية المسجد البابري التاريخي في الهند على السطح، لكي تذكر المسلمين في أنحاء العالم بهذا الحق الضائع

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بين الحين والآخر تطفو قضية المسجد البابري التاريخي في الهند على السطح، لكي تذكر المسلمين في أنحاء العالم بهذا الحق الضائع، منذ عام 1992م، عندما أقدم المتطرفون الهندوس على هدم المسجد، وبدؤوا مخططهم لبناء معبد هندوسي على أرضه.
 
ففي مطلع هذا العام ومنذ أيام معدودات صدر قرار المجلس الهندوسي العالمي، والذي ينص على المضي في خطة بناء المعبد الهندوسي شمالي الهند وفي موقع المسجد البابري، وسيناقش لاحقاً هذا الشهر مجلس لزعماء الهندوس يطلق عليه "دارما صانصاد" بمدينة الله أباد شمالي الهند خطط بناء المعبد الذي سيخصص لإله الهندوس "راما".

وقضية المسجد البابري بالهند من قضايا المسلمين المعلقة والتي لم تحل حتى اليوم، فمنذ ارتكب المتطرفون الهندوس جريمتهم النكراء بهدم المسجد عام 1992م بزعم أنه أقيم فوق معبد رام الهندوسي، والصراع قائم حتى اليوم بين المسلمين في الهند والهندوس، لإعادة بناء المسجد مرة أخرى، وإثبات أحقية المسلمين في أرضه.

وتشهد المحاكم الهندية صراعاً مريراً بشأن هذه القضية منذ سنوات، حيث قرر القضاء الهندي منع كل الأطراف من بناء أي شيء في الموقع قبل البت في القضية، لكن هذا لم يمنع الهندوس من بناء معبد مؤقت في موقع المسجد التاريخي.

وحلاً لهذا النزاع كونت الحكومة الهندية لجنة مختصة تضم عدداً من خبراء الآثار لعمل مسوحات جيولوجية على الأرض التي كان عليها مسجد بابري التاريخي بالهند بهدف تحديد ملكية الأرض وما إذا كان عليها آثار تثبت وجود معبد على تلك الأرض قبل بناء المسجد كما يدعي الهندوس.

وجاء قرار اللجنة مؤيداً للحق الإسلامي في أرض المسجد، حيث أثبت التقرير عدم عثور اللجنة على أية آثار هندوسية تدل على وجود معبد هندوسي، حيث قامت اللجنة بمسح ثلاث طبقات من الأرض، وتيقنت من رجوع ملكية الأرض للمسلمين من خلال وجود آثار تدل على وجود منازل مسلمين قبل بناء المسجد. وأوصت بإعادة بناء المسجد، ولكن المجلس الهندوسي العالمي رفض إعادة بناء المسجد، حيث جاء تقرير اللجنة بعكس ما كان يرجو الهندوس المتطرفون، وهدد زعماء المجلس الهندوسي العالمي بإحداث اضطرابات وأعمال عنف وأعلنوا أنهم لن يسمحوا بوجود أي مسجد على تلك الأرض أو بالقرب منها.

ولكن أمام الصمت الإسلامي والتعنت الهندوسي مازالت قضية المسجد البابري من القضايا الخاسرة التي عجز المسلمون بحكوماتهم وهيئاتهم ومؤسساتهم عن حلها، فقد مر حتى اليوم 15 عاماً على هدم هذا المسجد التاريخي، ولم يستطع المسلمون إعادة بنائه، بل إن المتطرفين الهندوس يقودون حملة لإنشاء معبدهم الوثني مكان المسجد، والمجلس الهندوسي العالمي أعلن بدء تنفيذ المشروع متحدياً مشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم.  

وإذا كانت الحكومات الهندية المتعاقبة قد وعدت المسلمين بإعادة بناء المسجد فقد تقاعست عن تنفيذ وعودها، برغم علمها بكذب ادعاءات المتطرفين الهندوس بأن المسجد البابري بُني على أنقاض معبد رام، فليس هناك دليل على وجود (راما) في التاريخ، بل سمحت هذه الحكومات الهندوسية بقيام حملة هندوسية دعائية تزعم أن كل مساجد المسلمين العتيقة قد بنيت على أنقاض معابد هندوسية.

فماذا ينتظر المسلمون بعد هذا التعنت الهندوسي المعلن تجاه المسلمين ومساجدهم ومقدساتهم، لقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة: بأنه لا يجوز شرعاً أي صلح على المسجد البابري أو على أي مسجد آخر يقضي على مسجديته، وطالب المجلس الأعلى العالمي للمساجد الهند بإعادة بناء جميع المساجد التي هدمها الهندوس، وإزالة المعابد الهندوسية التي أقيمت على أرضها؟
 

حلقات الصراع:  
وما يجري الآن ومنذ مدة في ساحات القضاء الهندي حلقة من حلقات الصراع على أرض المسجد سبقها حلقات أخرى كثيرة، فمنذ أعوام تحرك نحو ثلاثة آلاف كاهن ومتطرف هندوسي من بلدة " أيوديا " في شمال الهند في إطار حملتهم لإنشاء المعبد، متجهين إلى العاصمة نيودلهي، وقد صبغوا جباههم باللون الأصفر، وهم يرددون هتافات تشيد بالملك الهندوسي " رام " وينفخون في قواقع المحار، واستمرت هذه المسيرة أسبوعاً كاملاً بهدف شحن المشاعر الهندوسية ضد المسلمين والشروع في بناء المعبد دون تأخير. وأكد " أشوك سينجال " رئيس المجلس الهندوسي العالمي الذي كان يقود موكب الكهنة أن هدفهم هو تذكير رئيس الوزراء بأن يسلمهم أرض المسجد، ليبدأ المجلس الهندوسي العالمي تنفيذ مشروع بناء المعبد.  

وعلى الجانب الآخر تسعى " لجنة العمل الإسلامية من أجل بناء مسجد بابري " لإعادة بناء المسجد، وأعلنت بعض الجماعات الإسلامية هناك أنها ستلجأ للقوة لوقف بناء المعبد الهندوسي.

وقد أكد الشيخ أبو بكر بن أحمد الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بعموم الهند أن قضية المسجد البابري تُنظر الآن أمام المحكمة العليا في الهند، ولا أحد يستطيع أن يفعل أي شيء إلا بعد حكم المحكمة، فلا يمكن بناء المسجد ولا المعبد، وإن شاء الله تعالى نتوقع أن يكون حكم المحكمة العليا في صالح المسلمين وأن يعاد بناء المسجد مرة أخرى.
وفي حالة صدور حكم المحكمة ببناء المعبد وليس المسجد لن يسمح المسلمون ببناء معبد على أنقاض المسجد مهما كان الثمن غالياً، وسوف نسلك كل السبل لبناء المسجد وإلى الآن المسلمون قدموا للمحكمة جميع الأدلة التاريخية والقانونية التي تدل على أحقيتهم في بناء المسجد في حين عجز الهندوس عن تقديم دليل واحد مقنع للمحكمة.
 

وقفية المسجد:  
ولقد أجمع علماء الأمة الإسلامية على أن المساجد إذا بنيت في مكان ما، فهي تبقى مسجداً إلى يوم القيامة، لا يجوز بيعها ولا إهداء أرضها إلى أحد، ولا يجوز لأي شخص أو حكومة تغيير حيثيتها، فالمسجد في الواقع هو تلك القطعة الأرضية التي أوقفت لتكون مسجداً، وليس هو اسماً لجدرانه وأساسات بنائه فقط، فإذا انهدمت عمارة المسجد أو هدمت ظلماً أو بقي مهجوراً إلى مدة طويلة لا يصلى فيها، فمع ذلك يبقى مسجداً، ويجب على المسلمين شرعاً عمارة ذلك المسجد.

والغاية من المسجد عبادة الله الخالق الواحد وإنكار عبادة غير الله، لذلك لا يجوز أبداً تحويل أرض المسجد معبداً للأصنام، لأنه مناف لهدف المسجد، وهذا لا يكون مخالفاً للعقيدة والدين فقط بل معارضاً للعقل أيضاً.

وقد تقدمت الإشارة إلى قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة بالإجماع بأنه لا يجوز شرعاً أي صلح على المسجد البابري أو على مسجد آخر يقضي على مسجديته أو يجعله - والعياذ بالله - معبداً للأصنام، وهذا قرار متفق عليه بين المسلمين من كافة مذاهبهم.
 
واعتبر العلماء أن ما حدث للمسجد البابري من اعتداء وهدم عام 1992م جريمة عظمى بكل المقاييس، إذ هو إساءة للإسلام والمسلمين ومقدساتهم الإسلامية، وإن الحكومة الهندية مطالبة بمعاقبة مرتكبي هذه الكارثة المؤلمة، وإعادة بناء المسجد، وإيقاف مثل هذه الجرائم المنكرة من قبل الهندوس والموجهة ضد الإسلام وأهله ومقدساته.
 

تاريخ المسجد البابري:  
والمسجد البابري الواقع بمدينة " إيودهيا " في شمال الهند، يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، عندما بناه " بابر " أول إمبراطور مغولي حكم الهند، وفي أوائل الثمانينيات من القرن العشرين اكتشف المتطرفون الهندوس قضية هذا المسجد، ونسجوا زعمهم الكاذب بأنه بُني على أنقاض معبد بمكان مولد "راما" الأسطوري المقدس لدى الهندوس، ولذا وجب نسفه والتخلص منه.. وجعلوها قضية شعبية، وقضية عامة للهندوس، وبدؤوا ينظرون إلى هذا المسجد كأنه علامة وشعار للغزو المسلم لهذه البلاد.
وكانت أحداثه بالفعل بداية مرحلة تصاعدية جديدة من تطرف الهندوس وعدائهم للمسلمين، وكانت إيذاناً بحملة هندوسية دعائية، زعمت أن كل مساجد المسلمين العتيقة قد بنيت على أنقاض معابد الهندوس، وهي الحملة التي سوغت هدم المسجد البابري في السادس من ديسمبر عام 1992، وما أعقبه من صدامات دامية أودت بحياة ألفي مسلم.

سلسلة من الاعتداءات: 
وتعود بداية العدوان على المسجد البابري إلى ما يزيد على نصف قرن، ففي ليلة 22 ديسمبر 1949 هجمت عصابة مكونة من 50 -60 هندوسياً على المسجد البابري ووضعوا فيه أصنامًا لذاك الممجَّد لديهم المسمّى "راما"، وادعوا أن الأصنام ظهرت بنفسها في مكان ولادته (!)، وهو ما اضطر الشرطة إلى وضع المسجد تحت الحراسة مغلقا لكونه محل نزاع.

وفي 3 نوفمبر 1984 سمح رئيس وزراء الهند الأسبق "راجيف غاندي" للهندوس بوضع حجر أساس لمعبد هندوسي في ساحة المسجد، وتبع هذا حكم صادر بمحكمة فايزباد بتاريخ 1 فبراير 1986 من طرف القاضي "ر.ك. باندي" –الذي أصبح عضواً في الحزب الحاكم حزب "ب.ج.ب" المسؤول عن هدم مسجد بابري – سمح فيه بفتح أبواب المسجد للهندوس، وإقامة شعائرهم التعبدية فيه، وحذر السلطات المحلية من التدخل في هذا الشأن.

وقامت جماعات الهندوس المتعصبة قبل سنوات باقتحام المسجد بقوة السلاح والشروع في هدمه وتحطيمه ووضع حجر الأساس وجلب مواد البناء، استعداداً لتشييد معبد الاله «رام» وذلك لان المسجد في زعمهم قد شيد على أنقاض معبد كان يقوم في ذلك الموقع نفسه، على الرغم من ان الأدلة الأثرية تؤكد ان المسجد إنما شيد على ارض خلاء.
وفي بداية الثمانينات قام الهندوسي المتطرف "محنت راغوبير" برفع قضية أمام المحكمة بشأن كون المسجد البابري قد بُني فوق معبد "راما " الأسطوري، الا أن هذه المزاعم تم دحضها بحكم القضاء في إبريل 1985 لفقدان أي دليل تاريخي أو قانوني.

الجريمة الكبرى:
ولكن التحركات الصادرة عن الحكومة العلمانية هناك، قد شجعت المتطرفين الهندوس على ترتيب هدم المسجد بالكامل بتاريخ 6 ديسمبر 1992. فقد قام عشرات الآلاف من الهندوس في مدينة أبوديا بالهند - يوم الأحد الحادي عشر من جمادي الآخرة 1413هـ – 6 ديسمبر 1992، بتدمير مسجد بابري بالمدينة، بل ومسحه من الوجود، وهم يرددون أهازيج الانتصار معلنين العزم علي البدء في بناء معبد هندوسي مكان المسجد الذي يبلغ عمره ما يناهز الأربعة قرون ونصف قرن – ومنادين في الوقت نفسه بأنه قد آن الأوان لخروج المسلمين من الهند.. في الوقت الذي التزم فيه المسلمون في المدينة منازلهم أو غادروها بحثا عن الأمن والأمان، ولكن الحشود الهندوسية الغوغائية التي اقتحمت المسجد بقوة السلاح وفتكت بالمسلمين الذين حاولوا الدفاع عنه، وسط تواطؤ معلن من أجهزة الأمن الهندية وتحت أنظار الدنيا بأسرها، حرصت على تدمير كل شيء، وبدأت بمحراب المسجد قبل كل شيء ربما لما يحمله من رموز من ناحية، وربما لان النقش الموجود في قلب المحراب والذي يحدد تاريخ إنشاء المسجد على وجه الدقة، وهو ما يكذب مزاعمهم وتخرصاتهم عن وجود سابق للمعبد المزعوم.
وفي أعقاب هذه الجريمة النكراء عمت حوادث الشغب أنحاء الهند وقتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
 

حصاد التطرف الهندوسي:
ولم تكن أحداث المسجد البابري، وما ترتب عليها من صدامات قادها المتطرفون الهندوس ضد المسلمين ومساجدهم هي الأولى من نوعها، ولكن هناك عشرات الحوادث والمصادمات التي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين الأبرياء، فإذا ما تجاوزنا أحداث انفصال الهند وباكستان التي أودت بحياة مليون مواطن فضلاً عن 17 مليون آخرين أجبروا على الهجرة، فإن المدة بين عامي 1954م و 1963م شهدت وقوع 62 حادث مواجهة بين المسلمين والهندوس أدى إلى سقوط 39 قتيلاً، و527 جريحاً.

وفي عام 1964م كانت الحصيلة 1070 حادث، و2000 قتيل، وأكثر من 2000 جريح. وبين عامي 1965م و1984م وقع 310 حادث، والحصيلة 160 قتيلاً، و1685 جريحاً، وبين عامي 1985م و 1991م كانت الحصيلة 620 حادثاً، و660 قتيلاً، و6 آلاف و950 جريحاً.
 

صراع لم ينته:
وبعد وقوع جريمة الهدم بدأ الصراع على أرض المسجد ولم ينته، إلا أن ستاراً من الصمت قد أسدل على هذه المأساة من الجانبين معاً خلال السنوات الماضية، فالجانب الهندي يحرص ـ بالطبع ـ على التزام الصمت حول قضية اعتداء وحشي على المسلمين يكشف ضراوة التيار الهندوسي الذي نجح في الوصول برموزه وقياداته إلى سدة السلطة الاتحادية في نيودلهي. أما الجانب الإسلامي فثمة فريق فيه يدعو إلى ابتلاع المسألة برمتها والتزام الصمت بشأنها، بدعوى أن إثارتها لن تؤدي إلا إلى مزيد من المشكلات للمسلمين في الهند.

ولكن هذا الصمت قطعه إعلان المجلس الهندوسي العالمي في 20/5/2001 بأنه سيبدأ قريباً ببناء معبد بالقرب من موقع المسجد البابري، واعتبر هذا الإعلان بمنزلة تحدٍّ للحكومة الهندية التي تعارض بناء هذا المعبد، حيث صرح وزير الداخلية "لال كيرشنا أدفاني" بعدها - بأنه لن يسمح ببناء ذلك المعبد. والمعروف أن الحكومات الهندية المتعاقبة وعدت المسلمين بإعادة بناء المسجد المهدم، ولكنها تقاعست عن تنفيذ وعودها.
 

حيلة هندوسية:  
وفي مطلع عام 2001 توصل المتعصبون الهندوس إلى حيلة جديدة للاستيلاء على أرض المسجد البابري، وتمثلت بمحاولة الحصول على ورقة من بعض المسلمين تخول لهم بناء معبدهم على أرض المسجد الشهيد التي يقوم عليها بالفعل معبد مؤقت، ولكن المتعصبين يريدون إنشاء معبد ضخم هناك وقد بنوا نموذجاً له، وتحرك هذا النموذج بالفعل من بلدة ايودهيا قبل أيام من هذه الحيلة التي لجؤوا إليها، متوجهاً إلى مدينة (الله آباد) حيث عرض على ما يسمونه بـ"البرلمان الديني" خلال احتفالات (كومبه) الهندوسية.

وقال المتعصبون: إن هذه الجلسة ستقرر تاريخ بناء المعبد، كما أكدوا أنهم لا يأبهون بما تقوله الحكومة والمحاكم، وأن الكهنة الأعضاء بالبرلمان الديني هم وحدهم يملكون حق الأمر والنهي بالنسبة لهم.

والشخص الذي اهتدى إليه المتعصبون لعقد الصفقة المشبوهة معه هو (محمد هاشم أنصاري) من سكان بلدة ايودهيا، وهو الوحيد الباقي على قيد الحياة ممن أقاموا الدعوى الأصلية في المحاكم عندما استولى المتعصبون على المسجد البابري قبل أكثر من خمسين سنة (ديسمبر1949) بعد أن وضعوا فيه التماثيل تحت جنح الظلام، ثم زعموا في الصباح التالي أن إلههم الأسطوري المزعوم (راما) قد ظهر في المسجد الذي يدعون أنه مسقط رأسه برغم أن المؤرخين وعلماء الآثار ينكرون هذا الزعم بصورة قاطعة ويقولون: إنه لا دليل على وجود (راما) في التاريخ، كما لا يُعرف البتة أين تقع بلدة (ايودهيا) الأسطورية التي تتحدث عنها الأساطير الهندوسية، وهي تختلف عن بلدة (ايودهيا) الحالية التي وجد بها المسجد البابري.

وقد تزعم المتعصبين الهندوسَ النائبُ (ويناي كاتيار) زعيمُ منظمة (باجرانغ دال) - الشبيبة شبه العسكرية التابعة للمنظمة الهندوسية العالمية التي تتصدر الحملة لأجل إنشاء معبد راما منذ البداية - وعقدوا أول اجتماع لهم مع (محمد هاشم أنصاري) في مدينة لكناؤ يوم 13 يناير 2001م، وهذا الشخص لا يتمتع بأية أهمية أو مقام في أوساط مسلمي الهند البالغ عددهم (200) مليون نسمة، ولم يجد أي نصير له بين المسلمين حتى الآن.

وقد رفضت قيادات مسلمي الهند، وعلى رأسهم المتصدرون لبناء المسجد البابري منذ البداية الاشتراك في هذه المحادثات وقالوا: إنه لا سبيل لحل هذه المعضلة إلا بقرار المحكمة.
 

تواطؤ حكومي:  
والتواطؤ الرسمي من قبل الحكومة الهندية والقضاء، مع المتطرفين الهندوس الذين حرضوا على هدم المسجد لا يخفى على أحد، فقد كشف رئيس الوزراء الهندي عن وجهه القبيح وموقفه من قضية المسجد البابري عندما قال في أواخر عام 2000م: إن بناء المعبد الهندوسي مكان المسجد البابري يأتي "تعبيراً عن الأماني القومية " وإنه "برنامج لم ينته بعد".. وبعد أن تعرض للهجوم الشديد بسبب هذا التصريح الذي يقف بجوار المتطرفين الهندوس عاد ليقول: إن قضية المعبد ستبت فيها المحاكم أو بالاتفاق بين المسلمين والهندوس، وأي شخص يتجرأ على تغيير الوضع القائم سيعامل وفق القانون.

وفي العام قبل الماضي وقعت مفاجأة كبيرة في مسار القضية المرفوعة ضد الذين هدموا المسجد البابري قبل عشر سنوات، حين ألغت محكمة (الله آباد) العليا قرار المحكمة الخاصة التي تنظر في هذه القضية، واستندت المحكمة العليا في حكمها إلى نقطة (فنية) وهي أن القرار الحكومي بإنشاء المحكمة الخاصة فاسد قانونياً؛ لأنه أهمل حصول موافقة المحكمة العليا (مسبقاً) عند إنشاء المحكمة الخاصة، ومن هنا فإن كل الإجراءات التالية فاسدة قانونياً.

وتركت المحكمة العليا الخيار للحكومة بتشكيل المحكمة الخاصة من جديد بعد حصول الموافقة المسبقة من المحكمة العليا. ويسري هذا القرار على القضايا المرفوعة ضد تسعة من المتهمين، وعلى رأسهم وزير الداخلية ووزير تنمية القوى البشرية ووزيرة الشباب، الى جانب ستة آخرين تصدروا الحملة المؤدية إلى هدم المسجد عام 1992.

وكانت حكومة ولاية أوتاربراديش قد أصدرت قراراً في 8 أكتوبر 1993 لإنشاء المحكمة الخاصة لمحاكمة المتهمين بهدم المسجد البابري. والمطلوب الآن صدور قرار حكومي جديد بمحاكمة المتهمين، إلا أن هذا أمر مشكوك فيه، والمتوقع هو أن الحكومة الهندية ستحاول المماطلة والتأخير، ولأن حزب المتهمين (بهارتيا جاناتا) هو الذي يحكم الآن على مستوى الحكومتين الإقليمية والمركزية فليس متوقعاً منه أن يسارع إلى إصدار قرار ينال كبار زعمائه الذين بذلوا كل الجهود خلال السنوات الماضية لتأجيل القضايا وتضليل المحاكم ولجان التحقيق حول دورهم في مؤامرة هدم المسجد الشهيد.

وكانت أحزاب المعارضة هناك قد طالبت في ديسمبر ( 2001م ) باستقالة الوزراء المتهمين في قضية هدم البابري. وهددت لجنة عمل المسجد البابري باللجوء إلى المحكمة العليا الدستورية لو تقاعست الحكومة عن إصدار قرار جديد وبسرعة.

ومن المؤكد أن استمرار هذه الاضطرابات في الهند وما يثيره المتطرفون الهندوس ضد المسلمين هناك ليس في صالح الحكومة الهندية ولا في صالح الاستقرار الذي تسعى لتحقيقه بين طوائف المجتمع المختلفة، خاصة أن مسلمي الهند هم أكبر أقلية إسلامية في العالم، وهم ثاني أكبر تجمع إسلامي على وجه الأرض، وقد كانوا يمثلون ربع السكان في شبه القارة الهندية قبل الاستقلال، وتقسيمها إلى دولتي الهند وباكستان، وهو التقسيم الذي يعتبره المسلمون في الهند تقسيماً للطائفة الإسلامية الهندية.
________________________________________
الكاتب: أحمد محمود أبو زيد