هرمون النمو.. أمل العلاج الجديد
تتكون أجسامنا من أجهزة عديدة، تتآزر فيما بينها في نسق فريد، حتى يتمكن الإنسان من أداء وظائفه على الوجه الأكمل، والقيام بمهامه ورسالته التي أنيطت به في هذه الحياة.
- التصنيفات: الإعجاز العلمي -
تتكون أجسامنا من أجهزة عديدة، تتآزر فيما بينها في نسق فريد، حتى يتمكن الإنسان من أداء وظائفه على الوجه الأكمل، والقيام بمهامه ورسالته التي أنيطت به في هذه الحياة.
وجهاز الغدد الصماء (Endocrine system) أحد أهم أجهزة أجسامنا قاطبة، وهو الذي يقوم بمهام التحكم، وتنظيم أداء باقي أجهزة الجسم، وذلك عبر إطلاق مواد كيماوية بالغة التعقيد والدقة، تُعْرف علميًّا باسم الهرمونات.
وثمة العديد من الغدد الصماء في الجسم، ولكلٍّ منها وظيفتها، كما أن لكلّ منها هرموناتها الخاصة، فسبحان الذي أحسن كلّ شيء خلقه. ومن أهم الغدد الصماء في جسم الإنسان: الغدة النخامية (Pituitary gland) التي تستقرّ داخل جمجمة الرأس في منطقة تعرف تشريحيًّا باسم "السرج التركي" (Sella turcica) وتضبط هذه الغدة عملَ بعض غدد الجسم الأخرى، فغدت بذلك قائدَ الفرقة الذي يتحكم بأعضائها.
وتفرز الغدة النخامية هذه سبعة هرمونات تقوم بوظائف حيوية هامة في الجسم، وأهم هذه الهرمونات: هرمون النمو (Growth hormone).
(وهذا هو موضوع بحثنا)، والهرمون الموجّه للغدة الدرقية المعروف بهرمون (TSH) الذي يقوم بتنظيم أداء الغدة الدرقية، وتنظيم إفرازها لهرموناتها الخاصة، والهرمون الموجّه للمبيض المعروف بهرمون (FSH) الذي يؤثر في مبيض المرأة الذي يفرز الهرمونات الجنسية، ومن الهرمونات الأخرى: البرولاكتين (Prolactin) الذي له أثر كبير في تنظيم عملية الرضاعة الطبيعية.
وما يهمنا في مقامنا هذا هو هرمون النمو، الذي يتضح من اسمه أن له دورًا هامًا في عملية نمو الجسم. ويتم إفراز هذا الهرمون بمعدلات فائقة الدقة، إذ إنه لو زادت تلك المعدلات أو حتى قلت: (ولو بنسب صغيرة جدًّا) فإن الجسم سيتأثر، وستظهر فيه تغيرات مرضية، فلو قلّ -على سبيل المثال- إفراز هذا الهرمون لقلّ نمو الجسم بشكل ملحوظ، ولأصيب الطفل بقصر القامة، فيغدو أقصر من أقرانه بشكل ملحوظ.
وعلى العكس من ذلك فلو زاد إفراز الهرمون فوق حده الطبيعي فإن الجسم يصاب بما يعرف بالعملقة، وهنا يغدو المريض ضخم الجسد والأطراف بصورة ملحوظة، ويصاحب ذلك مظاهر مرضية أخرى، مثل: كثرة التعرق، وآلام المفاصل والعضلات، وقد يظهر الداء السكري، وارتفاع ضغط الدم.
وثمة دراسات أجريت حديثًا، واستهدفتْ معالجة المسنّين عبر إعطائهم هرمون النمو الذي تمّ تطويره في المختبر، وقد جاءت نتائج تلك الأبحاث مبشّرة، إذ أدى ذلك إلى زيادة ملحوظة في كثافة عظام أجسام هؤلاء المرضى وكتلتها، وزيادة قوة العضلات، وتقليل كتلة الدهون في الجسم، بالإضافة إلى زيادة مستويات الطاقة في الجسم، وزيادة معدل استهلاكها، مما أدى إلى إعطاء شعور مفعم بالصحة والنشاط والعافية.
ونتيجة لذلك شاع اعتقاد بين صفوف العلماء بأن الطب تمكن أخيرًا من إعادة ينبوع الشباب إلى المسنّين، عبر حقنهم بدواء سحري يُعْرف بهرمون النمو.
إلا أن العناوين البراقة التي قادت إلى ظهور حملة دعائية ضخمة بشأن هذا العقار مبالغ بها بعض الشيء، إذ إن هذا العقار لن ينجح حتمًا في وقف ساعات الشيخوخة عند حد معين، إلا أنّ هذا بالطبع لا يعني عدم حدوث تحسن في علاج حالات تقدم السن المرتبطة ببعض التغيرات الفسيولوجية والمرضية المشاهدة في قطاع كبير من مجتمع المسنين.
حول هرمون النمو:
يُفرَز هرمون النمو من الفص الأمامي للغدة النخامية في صورة دفعات عدة تتواتر في اليوم والليلة.
وتحدث الدفعة الأقوى من دفعات إفراز هرمون النمو عقب بداية النوم العميق بفترة قصيرة، ولا يتأثر عدد الدفعات المفرَزة باختلاف الجنس أو العمر، إلا أن هذه العملية الفسيولوجية تتناقص تدريجيًّا مع تقدم العمر، ويقلّ بصورة ملحوظة إنتاج الهرمون بعد سن الخمسين، ويوقف الإنتاج تمامًا لدى 50 % من الناس بعد هذه السن.
وبانخفاض إنتاج هرمون النمو مع تقدم عمر الإنسان تعتريه العديد من التغيرات الفسيولوجية والمرضية في جسمه، ومن ذلك:
1- تنخفض كثافة العظام وكتلتها من 15% لدى الشباب، لتصبح 8 % لدى المسنين فوق سن السبعين.
2- تنخفض كتلة عضلات الجسم من 40 % لتصبح 30 %.
3- يزيد حجم النسيج الدهني للجسم من 20 % إلى 40 %.
4- يصغر حجم بعض أعضاء الجسم الداخلية كالكلية والمعدة والأمعاء الدقيقة والكبد والطحال.
5- تضعف بعض وظائف جهاز المناعة في الجسم، ويترافق هذا مع ارتخاء الجلد، بسبب حدوث بعض التفاعلات المناعية.
تطورات تصنيع هرمون النمو:
تمّ في مطلع هذا القرن التعرف على هرمون النمو، ومعرفة دوره في نمو الجسم وبنائه. وبعد خمسين سنة من اكتشاف هذا الهرمون تمكن العلماء من الحصول على خلاصته النقية من الغدة النخامية بغية إجراء التجارب المعملية عليها.
وتمت أول تجربة علاج ناجحة بوصف هذا الهرمون في عام 1958م، حينما تم إعطاء خلاصة الهرمون المستخلصة من الغدة النخامية إلى طفل مصاب بأعراض مرضية ناتجة عن قلة إفراز جسمه لهذا الهرمون.
وفي مطلع الثمانينيات، تم استبدال الهرمون المستخرج من الجثث بهرمون صناعي تم تصنيعه معمليًا، وأطلق عليه اسم "هرمون النمو الإنساني المصنّع" Recombinant human growth hormone الذي يتمّ إعطاؤه حاليًا لمعالجة الأطفال المصابين بتأخر النمو الناتج عن نقص مستويات هرمون النمو في أجسامهم.
استخدامات هرمون النمو المصنّع:
نظرًا لصعوبة الحصول على هرمون النمو الطبيعي المستخلص من الغدة النخامية فقد اقتصر على استعماله في علاج الأطفال المصابين بنقص إفراز هرمون النمو.
وفي أواسط الثمانينيات حدثت في هذا المجال نهضة علمية كبيرة طورت قدرة التصنيع المعملي للهرمون بشكل ملحوظ، مما أدى إلى استخدامه بشكل أوسع، وفي مجالات علمية أخرى.
وفي ذلك الوقت وضع العلماء فرضيتهم التي نصّت على أن العديد من التغيرات الفسيولوجية والوظيفية المشاهدة في الأشخاص المسنّين تنشأ عن ضعف مقدرة أجسامهم على إنتاج هرمون النمو.
وتمّ في تجارب علمية أخرى دراسة حالات مرضية تعطل لديها إفراز هرمون النمو، وقد تم فيها إعطاء هرمون النمو في صورة حقن عضلية، وهو ما أدى إلى تقليل دهون الجسم، وتحسن ملحوظ في أداء وظائف الجسم عمومًا وخلايا الجسم المناعية على وجه الخصوص. كما قلت مستويات الكولسترول لدى تلك الفئة المستهدفة بهذا العلاج، ولوحظ تنشيط عملية صناعة خلايا الدم المختلفة، وزادت كثافة عظام أجسامهم، وأوزان كتلة العضلات فيها.
كما دلت تجارب أخرى حديثة على إمكان استخدام هذا الهرمون في علاج بعض حالات الحروق، إذ أن الجسم يحتاج في حالة إصابته بحرق ما إلى مواد فسيولوجية تساعده في عملية بناء أنسجته المصابة من جديد، وتعويض ما فقد من خلايا، وهي خواص فريدة تتوافر في هرمون النمو.
التأثيرات الجانبية لهرمون النمو المصنّع:
ثمة القليل من التأثيرات الجانبية التي تمت ملاحظتها في التجارب المجراة عقب استخدام هرمون النمو المصنّع، إلا أنّ تلك التأثيرات قصيرة الأمد، وسرعان ما يزول أثرها من جسد المريض.
ومما لوحظ من تأثيرات جانبية في هذا المجال: حدوث احتباس مؤقت للسوائل في أنسجة الجسم، وإصابة بعض المرضى بآلام المفاصل، وإصابة آخرين بارتفاع مستوى السكر في الدم، وزيادة ضغط الدم.
وعلى الرغم من عظم الفائدة التي تقدمها المعالجة بهرمون النمو، إلا أن استخداماته الطبية لا تزال ضمن حدود ضيقة، ولم يفتح الباب حتى الآن على مصراعيه أمام الألوف من الأشخاص الذين يرغبون في إعادة روح الشباب والحيوية إلى أجسامهم من جديد، فالرؤية لم تتضح حتى الآن بشأن سلامة الدواء وأمانه التام في أجسام مستخدميه، إلا أن قادمات الأيام قد تكون حبلى بالمفاجآت السارة في هذا المجال.
______________________________________________
الكاتب: د. حذيفة أحمد الخراط