هل الإنسان موقف؟

هاني مراد

ويحسن بالإنسان أن يتغافل عنها، ولا يسيء لمن ارتكبها، بل يعينه على تجاوزها، ولا يكون عونا للشيطان عليه فيها.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

المتتبع لسيرة نبينا، يلحظ أنه تعرّض لمواقف متباينة. فكان يغضب في بعضها أشد الغضب، حتى يُعرف الغضب في وجهه الشريف، مثلما كلّمه أسامة بن زيد في المرأة المخزومية، فقال له النبي: " «أتشفع في حد من حدود الله؟"، ومثلما عيّر أحد الصحابة أخاه بأمه، فاشتد غضب النبي، وقال له: "أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية» «» !"

وكذلك، اشتد غضب النبي عندما تشاجر رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، ونادى كل منهما على قومه، فغضب النبي، وقال: " «ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها، فإنها منتنة» ."

وكذلك نذكر قصة المخلفين الثلاثة، وكيف غضب منهم النبي وأمر الصحابة بمقاطعتهم خمسين يوما، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم.

وعلى النقيض من ذلك، نجده صلى الله عليه وسلم، قد تغاضى عن مواقف أخرى عابرة، وأظهر فيها أسمى آيات الحلم والعفو. فحين أوقعت زوجة النبي إناء الطعام، تناوله بيده الشريفة، وقال لأصحابه: " «غارت أمكم» ."

يظهر من ذلك، أن المواقف منها ما هو مفصلي، وإذا أساء الإنسان فيها، فإن ذلك يعني التخلي عن ثوابت جوهرية، ومناقضته لصميم ما يؤمن به، فيجب اتخاذ موقف حاسم تجاهه. ومن هذه الثوابت، ما يتعلق بأمور العقيدة، أو الانقياد للعصبية الجاهلية، أو الإساءة إلى الإسلام، أو جوهر الأخلاق، أو كليات الدين.

أما المواقف غير المفصلية، والتي لا تمثل الإساءة فيها تناقضا صارخا بين القول والفعل، ولا تستلزم نقمة الآية الكريمة "لم تقولون مالا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"، فإنها جديرة بالتغاضي، ويحسن بالإنسان أن يتغافل عنها، ولا يسيء لمن ارتكبها، بل يعينه على تجاوزها، ولا يكون عونا للشيطان عليه فيها.

فالإنسان موقف، ولكن ليس كل موقف.