الإسلام حمى المرأة من جاهليتين
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال الشيخ رحمه الله: "جاء الإسلام بصيانة المرأة وأداء حقوقها، بعكس ما كان عليه أهل الجاهلية؛ حيث كانوا لا يعدُّون النساء شيئًا
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالمرأة إذا بحثت عن تشريع أو نظام يكفل لها حقوقها, فلن تجد ذلك إلا في شريعة الإسلام, فهو الذي حماها من جاهليتين: الجاهلية الأولى التي لا تقيم لها وزناً, والجاهلية الأخيرة, التي تهدر كرامتها.
والكلام عن حقوق المرأة, وحريتها, ومساواتها بالرجل, تكلم فيه كثيرون, منهم من وفقه الله وأصاب, ومنهم من أخطأ الطريق جهلاً أو هوى, فممن أصاب ووفق العلماء الراسخون, ومنهم في عصرنا العلامة محمد بن صالح العثيمين, رحمه الله, الذي له كلام كثير عن المرأة في العديد من مصنفاته, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منه, أسأل الله أن ينفع به الجميع.
الإسلام حمى المرأة من جاهليتين:
قال الشيخ رحمه الله: كان الإسلام وسطًا بين جاهليتين مُتطرفتين: إحداهما الجاهلية التي لا تُقيم للمرأة وزنًا، حتى إنهم كانوا لا يُورِّثون النساء، والجاهلية الأخيرة التي تجعل المرأة كالرجل تمامًا، حتى إنهم ينكرون أن تكون المرأة على النصف من الرجل في الميراث، ويقولون: يجب أن تُسوَّى المرأة بالرجل في الميراث، ويُنكِرون أن تكون دية المرأة نصف دية الرجل، فيُكابِرون المنقول والمعقول، فإن ما جاءت به الشريعة من كونها على النصف في استحقاق الميراث، وكونها على النصف في الدية هو الموافق للنظر الصحيح؛ لأن المرأة لا تقوم بما يقوم به الرجل في المجتمع، لا دفاعًا، ولا هجومًا.
الإسلام أعطى للمرأة حقوقها المسلوبة:
قال الشيخ رحمه الله: "جاء الإسلام بصيانة المرأة وأداء حقوقها، بعكس ما كان عليه أهل الجاهلية؛ حيث كانوا لا يعدُّون النساء شيئًا، وما جاء به الإسلام طريق وسط بين صنع الجاهلية السابقة، وصنع الجاهلية اللاحقة، جاهلية هذه القرون المتأخرة؛ حيث يُعْطُون المرأة أكثر مما تستحقُّ، ويُساوونها بالرجل؛ فتفسد دنيا الرجل، ودنيا المرأة؛ لأنها لا تعدُّ نفسها كأنثى، بل تعدُّ نفسها كرجل، والرجل كذلك لا يحسب أن الذي عنده أنثى، بل كأنما هي رجل تُشاركه حتى في تحصيل المعيشة، مع أن القوَّام على المرأة هو الرجل.
مساواة المرأة بالرجل تأباه الفطرة والخِلقة والحكمة والعقل:
قال الشيخ رحمه الله: في القوة البدنية، والعقلية، والفكرية، والتنظيمية، يختلف الذَّكَر عن الأنثى، وبذلك نعرف ضلال الذين يريدون أن يُلحِقُوا المرأة بالرجل في أعمال تختصُّ بالرجل، فكيف يمكن أن نسوِّيَ بين صنفين فرَّق الله بينهما خلقة وشرعًا، فهناك أحكام يُطالَب بها الرجل، ولا تُطالَب بها المرأة، وأحكام تُطالَب بها المرأة، ولا يُطالَب بها الرجل، وأما قدرًا وخلقة فأمر واضح، لكن هؤلاء يحاولون الآن أن يُلحِقوا النساء بالرجال، وهذه لا شك أنها فكرة خاطئة مخالفة للفطرة، ومخالفة للطبيعة كما أنها مخالفة للشريعة.
وقال رحمه الله: حكمة الشريعة في التفريق بين الرجال والنساء في الأحكام حسب ما تقتضيه الحكمة، ومن الفروق بينهما في الأحكام الشرعية ما يزيد على المائتين، مما يدل على إبطال محاولة أولئك الذين ليس لهم إلا تقليد الغرب والفتنة، الذين يُطالبون بأن تكون المرأة مساويةً للرجل، وهذا شيء تأباه الفطرة والخِلقة والحكمة والعقل.
الإسلام فرَّق بين المرأة وبين الرجل في بعض الأحكام لحكمة اقتضت ذلك:
قال الشيخ رحمه الله: الدين الإسلامي قد أعطى المرأة ما تستحقُّ من الأحكام الشرعية، وما كان لائقًا بها، وما حصل من الفرق بينها وبين الرجال في بعض الأحكام، فإن ذلك من الحكمة التي اقتضت هذا؛ ولهذا نجد أن الرجل والمرأة يشتركان في الأحكام التي لا تقتضي الحكمةُ التفريقَ بينهما فيها، ويختلفان في الأحكام التي تقتضي الحكمةُ التفريقَ بينهما فيها.
على المسلمة عدم الاغترار بالدعايات الباطلة المُطالبة بمساواة المرأة بالرجل:
قال الشيخ رحمه الله: لا تغرُّك أيتها المرأة المسلمة الدعاية الباطلة من أعدائك الذين يريدون أن تكوني كالرجل؛ فإن الله سبحانه وتعالى فرَّق بين الرجال والنساء في الخلقة، وفي العقل، وفي الذكاء، وفي التصرُّف، حتى إن الله تعالى قال: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء:34]، وقال عز وجل: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]، ثم قال: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228]، فلم يجعل المرأة مساويةً للرجل؛ لكن أعداؤك وأعداء الأخلاق وأعداء الإسلام يريدون منك أن تقومي مقام الرجال، وأن تُشاركي الرجال في أعمالهم، وأن تخالطيهم؛ لأن هؤلاء فسدوا فأرادوا أن يفسدوا غيرهم؛ ولهذا هم الآن يئِنُّون تحت وطأة هذا الخلق، ويتمنون بكلِّ طاقتهم أن يتحوَّلُوا إلى أخلاق الإسلام في هذا؛ لكن أنى لهم ذلك؟! وقد انفرط السلك بأيديهم وبعُدت الشقة، فإياكِ إياك أيتها الأخت المسلمة أن تُخدَعي بمثل هذه الدعاية الباطلة، أسأل الله تعالى أن يحمي المسلمين من مكائد أعدائهم، وأن يجعل كيد أعدائهم في نحورهم، وألا يقيم لهم قائمة في صدِّ الناس عن سبيل الله وعن دين الله.
مساواة المرأة بالرجل هدمٌ لأخلاقها وفسادٌ للأسرة:
قال الشيخ رحمه الله: تسوية المرأة بالرجل حقيقته هدم أخلاق المرأة وفساد الأسرة، وانطلاق المرأة في الشوارع متبرِّجة متبهية بأحسن جمال وثياب، والعياذ بالله، حتى تنفك الأسرة.
مساواة المرأة بالرجل جاهلية محضة:
قال الشيخ رحمه الله: لقد ضلَّ قوم يُريدون أن يساووا بين النساء والرجال في الأمور التي فرَّق الله بينهما فيها، وظنُّوا أن ذلك هو المدنية والحضارة؛ ولكنه في الحقيقة الجاهلية المحضة؛ لأن الله سبحانه وتعالى فرَّق بين الرجال والنساء خلقًا وشرعًا، ولا يمكن أن يكون الرجل الذي يختلف عن المرأة في طبيعته، وأخلاقه، وتحمُّله، وصبره، أن يكون هذا الرجل مثل المرأة، أو المرأة مثله في كل شيء؛ بل لا بد أن يكون بينهما تميُّز، حتى في الأحكام الشرعية فيما يليق بكل واحد منهما.
مساواة المرأة بالرجل يُخشى منها العقوبة العاجلة أو المؤخَّرة:
قال الشيخ رحمه الله: الناس اليوم انتكسوا، فهم يحاولون أن تكون المرأة كالرجل تمامًا في الخروج إلى الأسواق، ومجامع الرجال؛ بل وفي وظائف الرجال، وهذا والله من انقلاب الحال التي يُخشى منها العقوبة العاجلة أو المؤخَّرة استدراجًا؛ لأن الله عز وجل قد يُؤخِّر العقوبة استدراجًا حتى إذا أخذ بها أخَذَ أخْذَ عزيز مُقتدر؛ فعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إن الله عز وجل يُملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته» ))، ثم قرأ: ﴿ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ﴾ [هود: 102].
الاختلاط إشباع لرغبة الرجل على حساب المرأة:
قال الشيخ رحمه الله: من أهداف الإسلام بُعْدُ النساء عن الرجال، والمبدأ الإسلامي هو عزلُ الرجال عن النساء، بخلاف المبدأ الغربي الكافر الذي يريد أن يختلط النساء بالرجال، والذي انخدع به كثيرٌ من المسلمين اليوم، وصاروا لا يبالون باختلاط المرأة مع الرجال؛ بل يرون أن هذه هي الديمقراطية والتقدُّم، وفي الحقيقة أنها التأخُّر؛ لأن اختلاط المرأة بالرجال هو إشباع لرغبة الرَّجُل على حساب المرأة، فأين الديمقراطية كما يزعمون؟! إن هذا هو الجور.
العدل أن تبقى المرأة بعيدة عن الرجال حتى لا يعبثوا بها:
قال الشيخ رحمه الله: العدل أن تبقى المرأة مصونة محروسة لا يعبثُ بها الرجال، لا بالنظر ولا بالكلام ولا باللمس، ولا بأي شيء يوجب الفتنة.
الأمم الكافرة تئنُّ أنينَ المريض من جرَّاء نتائج الاختلاط:
قال الشيخ رحمه الله: لضعف الإيمان والبُعد عن تعاليم الإسلام صار هؤلاء المخدوعون منخدعين بما عليه الأمم الكافرة، ونحن نعلم بما تواتر عندنا أن الأمم الكافرة الآن تئنُّ أنينَ المريض المُدنفِ تحت وطأة هذه الأوضاع، وتودُّ أن تتخلَّص من هذا الاختلاط؛ ولكنه لا يمكنها الآن، فقد اتَّسع الخرق على الراقع.
وقال رحمه الله: الإنسانُ لو نظر إلى ما حصل من الاختلاط في البلاد غير المسلمة، لوجد العجب العجاب، والبلاد الكافرة هم بأنفسهم يتمنون غاية التمني أن الأمر لم يكن، ولكن فات الأمر، ولم يُمكنهم الآن أن يردُّوا ما كان.
دُعاة الاختلاط:
قال الشيخ رحمه الله: الذين يدعون إلى الاختلاط هم في الحقيقة إما جاهلون بما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، وإما مُتجاهلون، فأدنى أحوالهم أن يكونوا جاهلين لعواقب هذا الأمر، ويجب أن يُبين لهم مضارُّ هذا الشيء لينتهوا عنه، وفي الحقيقة إنه يجب علينا ترك هذه الأشياء التي تُؤدِّي إلى الفجور والعياذ بالله.
وقال رحمه الله: الذين يدعون إلى اختلاط النساء بالرجال من أبعد الناس عن معرفة الشريعة ومقاصد الشريعة، فالمرأة مأمورة بأن تبتعد عن الرجال، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( «خير صفوف النساء آخرها، وشرُّها أولها» ))؛ وذلك لأن أولها أقرب إلى الرجال من آخرها.
لكن أولئك القوم تبلَّدت أفهامهم بما عليه الكفرة الغربيُّون، فصاروا يدعون إلى هذه الدعوة الخبيثة الماكرة.
وقال رحمه الله: دعاة الاختلاط هم في الحقيقة لا يُسيئون إلى أنفسهم فقط؛ بل إلى أنفسهم وإلى عامة المسلمين.
كلما أُبعدت المرأة عن الرجل فهو أفضل حتى في مكان العبادة:
قال الشيخ رحمه الله: كلما أُبعدت المرأة عن الرجل فهو أفضل حتى في مكان العبادة، فأين هذا من الدعوة لاختلاط المرأة بالرجال، في المدارس والمعاهد والأسواق، وأماكن اللهو؛ كالمسارح، والمكاتب، حتى إنهم يتخيَّرون أجمل النساء لتكون سكرتيرة، ويخلو بها في مكتبه، كما يخلو الرجل بامرأته، والعياذ بالله، وهذا لا يعتبر من الإسلام في شيء، وليس من أخلاق المسلمين.
عمل المرأة ينبغي أن يكون في أماكن لا اختلاط فيها بالرجال:
قال الشيخ رحمه الله: المجال العملي للمرأة أن تعمل فيما يختص به النساء، مثل أن تعمل في تعليم البنات، سواء كان ذلك عملًا إداريًّا أو فنيًّا، وأن تعمل في بيتها في خياطة ثياب النساء وما أشبه ذلك.
وأما العمل في مجالات يختص بها الرجال فإنه لا يجوز لها أن تعمل؛ حيث إنه يستلزم لها الاختلاط بالرجال، وهي فتنة عظيمة يجب الحذر منها، ويجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه أنه قال: ( «(ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء» ))، وإن بني إسرائيل فُتنوا بالنساء.
وقال رحمه الله: أعداؤنا وأعداء ديننا أعداء شريعة الله عز وجل يركزون اليوم على مسألة النساء واختلاطهن بالرجال ومشاركتهن للرجال في الأعمال، يريدون أن يقحموا المرأة في وظائف الرجال، أتدرون ماذا يحدث؟ يحدث مفسدة الاختلاط ومفسدة الزنا والفاحشة، سواء في زنا العين أو زنا اللسان أو زنا اليد أو زنا الفرج، كل ذلك محتمل إذا كانت المرأة مع الرجل في الوظيفة، وما أكثر الفساد في البلاد التي يتوظف الرجال فيها مع النساء! ثم إن المرأة إذا وُظِّفت فإنها سوف تنعزل عن بيتها وعن زوجها، وتصبح الأسرة مفكَّكة.
البيت ليس سجنًا للمرأة:
قال الشيخ رحمه الله: إن المرأة التي تقول: إن بقاء المرأة في بيتها سجن، أقول: إنها معترضة على قول الله تعالى: ﴿ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ﴾ [الأحزاب: 33]، كيف تجعل ما أمر الله به سجنًا؟! لكنه كما قلت: سجن على مَنْ تريد التبذُّل والالتحاق بالرجال، وإلا فإن سرور البقاء في البيت هو السرور، وهو الحياء، وهو الحشمة، وهو البُعْد عن الفتنة، وهو البُعْد عن خروج المرأة للرجال، فعلى النساء أن يتَّقين الله، وأن يرجعن إلى قول ربهن وخالقهن، وإلى ما قاله رسول رب العالمين إليهن وإلى غيرهن، وليعلمن أنهن سيُلاقين الله عز وجل، وسيسألهن: ماذا أجبتم المرسلين؟ وهن لا يدرين متى يلاقين الله، قد تصبح المرأة في بيتها أو قصرها وتمسي في قبرها، أو تمسي في بيتها وتصبح في قبرها، ألا فليتَّقِ الله هؤلاء النسوة، وليدعن الدعايات الغربية المفسدة، فإن هؤلاء الغربيين لما أكلوا لحوم الفساد جعلوا العصب والعظام لنا نتلقَّفها بعد أن سلب فائدتها هؤلاء الغربيُّون، وهم الآن يئنُّون ويتمنون أن تعود المرأة بل أن تكون المرأة كالمرأة المسلمة في بيتها وحيائها وبُعْدِها عن مواطن الفتن، لكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد، أفيجدُر بنا ونحن مسلمون لنا ديننا، ولنا كياننا، ولنا آدابنا، ولنا أخلاقنا أن نلهث وراءهم تابعين لهم في المفاسد، سبحان الله العظيم، لا حول ولا قوة إلا بالله.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ