المرأة في الحضارة الغربية جنس ثالث في طريقه إلى الظهور

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -

كتبت الدكتورة بنت الشاطئ في جريدة الأهرام بعنوان ((جنس ثالث في طريقه إلى الظهور)) تقول:

شاءت الظروف أن أذهب في عطلة الأحد لزيارة صديقة لي طبيبة بإحدى ضواحي ((فينا)) – بعد اسبوع مرهق قضيناه بين أوراق البردي العربية في دار الكتب – وكنت أحسب أن يوم الأحد هو أنسب وقت لمثل تلك الزيارة، فما كان أشد عجبي حين فتحت لي صديقتي باب بيتها معجلة، وفي يدها ((بطاطس)) تقشره. ثم قادتني في لطف إلى مطبخها لنأخذ مجلسنا هناك.

 

ولم يغب عنها ما شعرت به من دهشة. فابتدرتني قائلة:

ما كنت تتوقعين هذا المنظر: طبيبة في المطبخ يوم الأحد!

قلت ضاحكة: أما العمل يوم الأحد فربما فهمته وأما اشتغالك بالطبخ مع ما أعرفه من ارهاق مهنتك، فهذا ما لم أنتظره.

فردت: لو عكست لكنت أقرب إلى الصواب، فالعمل في عطلة الأحد هو المستغرب عندنا. لولا أنه فرصتي الوحيدة لكي أقف هنا حيث ترين. وأما اشتغالي في المطبخ، فلعلي لم أتجاوز به نطاق مهنتي، إذ هو نوع من العلاج لحالة قلق أعانيها وتعانيها معي سيدات أخريات من المشتغلات بالأعمال العامة.


ولما سألتها عن سر هذا القلق – مع استقرار الوضع الاجتماعي للمرأة الغربية – أجابت: بأن ذلك القلق لا صلة له بمتاعب الانتقال المفروضة على جيل الطليعة من نساء الشرق! وإنما هو صدى شعور ببدء تطور جديد يتوقع حدوثه علماء الاجتماع والفسيولوجيا والبيولوجيا في المرأة العاملة، وذلك لما لحظوا من تغير بطيء في كيانها، لم يثر الانتباه أول الأمر لولا ما سجلته الاحصاءات من اطراد النقص في المواليد بين العاملات. وكان المظنون أن هذا النقص اختياري محض، وذلك لحرص المرأة العاملة على التخفف من أعباء الحمل والوضع والارضاع، تحت ضغط الحاجة والاستقرار في العمل. ولكن ظهر من استقراء الاحصاءات أن نقص المواليد للزوجات العاملات، لم يكن أكثره عن اختيار بل عن عقم استعصى علاجه. وبفحص نماذج شتى منوعة من حالات العقم اتضح أنه في الغالب لا يرجع إلى عيب عضوي ظاهر، مما دعا العلماء إلى افتراض تغير طارئ على كيان الأنثى العاملة نتيجة لانصرافها المادي والذهني والعصبي – عن قصد أو غير قصد – عن مشاغل الأمومة، ودنيا حواء، وتشبثها بمساواة الرجل، ومشاركته في ميدان عمله.

واستند علماء الاحياء في هذا الفرض – نظرياً – إلى قانون طبيعي معروف، وهو أن ((الوظيفة تخلق العضو)). ومعناه فيما نحن فيه أن وظيفة الأمومة هي التي خلقت في حواء خصائص مميزة للأنوثة لابد أن تضمر تدريجياً بانصراف المرأة عن وظيفة الأمومة واندماجها فيما نسميه ((عالم الرجل)).


ثم تابع العلماء هذا الفرض، فإذا التجارب تؤيده إلى أبعد مما كان منتظراً، وإذا بهم يعلنون – في اطمئنان مقرون بشيء من التحفظ – عن قرب ظهور ((جنس ثالث)) تضمر فيه خصائص الأنوثة التي رسختها الممارسة الطويلة لوظيفة حواء.

وثارت اعتراضات.. منها: أن كثرة العاملات ينفرن من العقم ويشتهين الولد. ومنها: أن المجتمع الحديث يعترف بالعاملة الأم ويحمي حقها في العمل، ويتيح لها بحكم القانون فرصة الجمع بين شواغل الأمومة وواجبات العمل. ومنها: أن عهد المرأة بالخروج من دنياها الخاصة لا يتعدى بضعة أجيال، على حين يبلغ عمر خصائص الأنوثة فيها ما لا يحصى من دهور وأحقاب.

وكان الرد على هذه الاعتراضات: أن اشتهاء الزوجة العاملة للولد يخالطه دائماً الخوف من أعبائه، واشفاق من أثر هذه الأعباء على طمأنينة مكانها في محل العمل.


ثم أن الاعتراف بالعاملة الأم قلما يتم إلا في حدود ضيقة، تحت ضغط القانون وما أكثر ما يجد أصحاب العمل فرصتهم لتفضيل غير الأمهات. وأما قصر عهد المرأة بالخروج، فيرد عليه بأن هذا الخروج – على قرب العهد به – قد صحبه تنبه حاد إلى المساواة بالرجل واصرار عنيد على التشبه به، مما عجل ببوادر التغيير، لعمق تأثير فكرة المساواة على أعصاب المرأة، وقوة رسوخها في ضميرها.

وما يزال المهتمون بهذا الموضوع يرصدون التغيرات الطارئة على كيان الأنثى، ويستقرئون في اهتمام بالغ دلالات الأرقام الاحصائية لحالات العقم بين العاملات، والعجز عن الارضاع لنضوب اللبن، وضمور الاعضاء المخصصة لوظيفة الأمومة.

_______________________________________________________-

المصدر: مجلة حضارة الإسلام، العدد 7، السنة 5، ص1021-1022