جبر الخواطر

محمد سيد حسين عبد الواحد

قالت( كلا والله ما يخزيك الله أبدا.. إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله -

أيها الإخوة المؤمنون: فكرة جبر الخواطر أساسها مشاركة الناس في السراء والضراء, فكرة جبر الخواطر تقوم على إحساس المؤمن بأخيه المؤمن في شدته وفي الرخاء ..

أن يلتفت المؤمن في وقت أفراحه وفي وقت أتراحه فيرى حوله إخوته وأخواته يرى أقاربه وأحبابه فيأنس بهم ويطيب خاطره..

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لما تكلم عنها المنافقون بحديث الإفك مرضت من شدة الحزن وحبست نفسها في بيت أبيها تبكي .. قالت فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فلما دخلت ورأتني أبكي جلست تبكي لبكائي قالت عائشة ووالله ما نسيتها لها ..قلت لأن بكائها معها جبر خاطرها في شدتها .

وكعب بن مالك رضي الله عنه أحد الثلاثة الذين خلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك.. بعد خمسين يوما من هجرة رسول الله له ومن هجرة المسلمين له تاب الله عليه وجاءه البشير قال فأتيت المسجد ورسول الله فيه ووجهه يتهلل فرحا قال فقام إلي طلحة وما قام إلي غيره فصافحني وبشرني وقال ليهنك توبة الله عليك يا كعب .. قال كعب فوالله ما نسيتها له.. قلت لأنه جبر خاطره في سراءه..

معظم الناس في سراءهم وفي الضراء لا يريدون منك مالك ولا متاعك إنما يريدون محبتك إنما يرديدون دعمك إنما يرديدون فقط أن يروك فيأنسوا بك وتطيب خواطرهم..

من هنا أيها الكرام: 
كان إفشاء السلام جبر خاطر، وتشميت العاطس جبر خاطر ، وإجابة الدعوة جبر خاطر، وعيادة المرضى جبر خاطر، واتباع الجنائز جبر خاطر، وبر الوالدين جبر خاطر، وصلة الأرحام جبر خاطر، وحسن الجوار، ونصرة المظلوم،وإعطاء المحروم..كل ذلك من جبر الخواطر.. وما رأينا وربي عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى مثل جبر الخواطر..

غرق ولد نوح في الطوفان فبكى نوح عليه السلام فجبر الله خاطره وقال " إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" 
وجبر خاطر ابراهيم فقال "  إني جاعلك للناس إماما"
وجبر خاطر موسى فقال" قد أوتيت سؤلك يا موسى" وجبر خاطر يوسف وأيوب ويونس وزكريا .. وجبر خاطر نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم كثيراً ومنها يوم أخرج من مكة محزونا يبكي طيب الله خاطره يومها فقال" إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد"

قلت : حتى أنا وأنتم لنا نصيب من جبر الخواطر عند ربنا سبحانه وتعالى..

فهو الجبار :يجيب دعوة الداع جبرا لخاطره،ويشفي المريض جبرا لخاطره،هو يغفر لنا هو يتوب علينا هو يرحمنا برحمته هو يسعدنا هو يوسع أرزاقنا جبرا لخواطرنا ولأنه جبار يجبر القلوب المنكسرة ويصلحها..

عبدالله بن أم مكتوم أحد السابقين الأولين إلى الإسلام.. 
هو فقير هو ضرير لكنه مؤمن يحب الله ورسوله ويحب العلم ويحب الإيمان..

كان له قائد يقوده فقال لقائده يوما خذ بيدي حتى تقف بي بين يدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم..

فأخذ قائده بيده حتى انتهى به إلى رسول الله .. ورسول الله ساعتها بين يديه ناس من قريش يطمع رسول الله أن يسلموا وأن يسلم بإسلامهم من ورائهم ..

فلما انتهى ابن أم مكتوم إليه قاطع⁦  كلام رسول الله وقال يا رسول الله اقرأ علي قرآنا يا رسول الله علمني مما علمك الله..

أما رسول الله فوكل ابن أم مكتوم إلى إيمانه فأعرض عنه ولم يجبه وجعل رسول الله يتصدى لأهل مكة يكلمهم.. فقاطعه ابن أم مكتوم من جديد وقال يا رسول الله اقرأ علي قرآنا وعلمني مما علمك الله ..

عندها كره رسول الله سؤاله وغضب من إلحاحه حتى عرف الغضب في وجهه ثم إنه تركه وانصرف ..

أما عبدالله فحزن أن تركه رسول الله من غير أن يقرأ عليه ومن غير أن يعلمه شيئا..

عندها أنزل الجبار سبحانه أمين السماء على أمين الأرض ليعتب عليه أن كسر خاطر الأعمى ..

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ }

بعد نزول هذا العتاب شديد اللهجة كان رسول الله إذا رأى ابن أم مكتوم بسط له رداءه وقال مرحبا بمن عاتبني فيه ربي..
وجعل رسول الله يحبه ويحترمه وبأذن له أن يؤذن بالصلاة وبعد الهجرة لم يزل رسول الله يستخلفه على المدينة فيخطب الجمعة ويصلي بالناس .. كل ذلك تطييبا لنفسه وجبرا لخاطره رضي الله عنه وأرضاه..

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجبر كسرنا وأن يرحم ضعفنا إنه على ذلك قدير.

الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن جبر الخواطر أن نقول إن الله تعالى حكم عدل، أخذ على نفسه عهداً أن يجعل الجزاء من جنس العمل فكما تدين تدان وكما تعمل تجازى ومن نفس الكأس الذي سقيت الناس منه تشرب إن خيرا فخير وإن شرا فشر ..

وقد بلغنا من كلام الحكماء أن من سار بين الناس جابرا للخواطر أدركته عناية الله في جوف المخاطر ..

الدليل:
رجع رسول الله من الغار ليلا رجع يرتجف خوفا وفزعا من هول ما رأى وقد رأي جبريل على صورته رآه وقد سد الأفق وله ستمائة جناح..

رجع الرسول ليلتها إلى خديجة رضي الله عنها يقول:
زملوني زملوني دثروني دثروني .. حتى إذا ذهب عنه الروع قال: أي خديجة والله لقد خشيت على نفسي . 

قالت( كلا والله ما يخزيك الله أبدا.. إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)

هذه الكلمات ما دلالتها؟
دلالتها : أن من مشى بين الناس جابرا للخواطر أدركته عناية الله في جوف المخاطر .