ذو النورين (عثمان بن عفان)
"عثمان بن عفان"، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشَّرين بالجنة، وأحد السابقين الأولين، وصاحب الهجرتين، سُمِّيَ ذا النورين؛ لأنَّه تزوج بنتي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتوفِّي - عليه الصلاة والسلام - وهو عنه راضٍ
- التصنيفات: قصص الصحابة - سير الصحابة -
"عثمان بن عفان"، ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشَّرين بالجنة، وأحد السابقين الأولين، وصاحب الهجرتين، سُمِّيَ ذا النورين؛ لأنَّه تزوج بنتي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتوفِّي - عليه الصلاة والسلام - وهو عنه راضٍ، صعد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُحُدًا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «اسكُن أحدُ، فليس عليك إلاَّ نبيٌّ وصدِّيقٌ وشهيدان» (البخاري).
أنفق ماله في سبيل الله، وجهَّز جيشًا بأكمله، واشترى بئر رومة، ووهبه للمسلمين؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اشترى عثمان من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الجنَّة مرَّتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة.
كريم، لين، شديد الحياء؛ قال عنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة».
يقول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كنَّا في زمن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا نعدل بأبي بكر أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان"؛ أخرجه الإمام البخاري، يقول ابن مسعود: "من كان مستنًّا، فليستنَّ بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحابُ مُحمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا والله أفضلَ هذه الأمة، وأبرَّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا، قوم اختارهم الله لصُحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فَضلهم، واتَّبعوهم في آثارهم، وتمسَّكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنَّهم كانوا على الهدى المستقيم"؛ فقد كان عثمان - رضي الله عنه وأرضاه - كصاحبيه إحسانًا وتقوى، وهدًى وعلمًا.
حكم الأُمَّة الإسلامية اثنتي عشرة سنة، كثُرت في عهده الفُتوحات، واتَّسعت رقعة الدولة الإسلاميَّة، وجمع الله به ما اختلف عليه النَّاس، فقد جمع القرآن في عهده على حرف واحد، وبالجملة فقد كان عادلاً رحيمًا مُطبِّقًا لشريعة الله في حياته القولية والعملية، فأحبه الناس ورضوا به، عابدًا خاشعًا لله، لا يملُّ من قراءة القرآن، صلى ليلةً بالقرآن كاملاً في ركعة واحدة عند الحجر الأسود أيَّام الحج؛ قال ابن عمر في قوله - تعالى -: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ} [الزمر: 9]: "هو عثمان بن عفان"، ومن أقواله - رضي الله عنه -: "إنَّ قلوبَنا لو طهرت، ما شبعنا من كلام ربِّنا، وإنِّي لأكره أنْ يأتي عليَّ يومٌ لا أنظر في المصحف".
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنَّه قال: "كنتُ مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حائط، فأمرني بحفظ الباب، فجاء رجلٌ يستأذن، فقلت: مَنْ هذا؟ قال: أبو بكر، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ائذن له وبشِّره بالجنَّة»، ثم جاء عمر، فقال: (( «ائذن له وبشره بالجنة» ))، ثم جاء عثمان، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»، فدخل عثمان - رضي الله عنه - وهو يقول: "اللهم صبرًا، اللهم صبرًا"، وفي رواية أنَّه قال: "الله المستعان"؛ البخاري ومسلم.
يقول كعب بن عُجرة - رضي الله عنه -: "ذكر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتنة فقرَّبها - أي قال: إن إتيانها قريب - قال: فمرَّ رجل مُقنِّع رأسه، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «هذا يومئذ على الهدى»، قال كعب: فوثبتُ فأخذت بضبعَيْ عثمان - أي: عضديه - ثُمَّ استقبلت رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقلت: هذا؟ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «هذا» (أخرجه ابن ماجه).
وتقول عائشة - رضي الله عنها -: "إن رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لعثمان: «يا عثمان، إنْ ولاَّك الله هذا الأمر يومًا، فأرادك المنافقون أنْ تَخلع قميصَك الذي قمَّصك الله، فلا تخلعه»، يقول ذلك ثلاث مرات.
وقالت - رضي الله عنها -: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال في مرضه: «وددت أنَّ عندي بعض أصحابي»، قلت: يا رسولَ الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلنا: ألا ندعو لك عمرَ؟ فسكت - صلَّى الله عليه وسلَّم - قلنا: ألا ندعو لك عثمانَ؟ قال: «نعم»، فجاء عثمان، فخلا به، فجعل يُكلِّمه، ووجه عثمان يتغير".
قال قيس: "فحدَّثني أبو سهلة مولى عثمان أنَّ عثمانَ قال يوم الدار: إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عهد إليَّ عهدًا، وأنا صائر إليه، أو قال: وأنا صابر عليه"، قال قيس: "فكانوا يرونه ذلك اليوم"؛ خرجهما ابن ماجه.
يقول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "ذكر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتنةً، فقال: «يقتل فيها هذا مظلومًا» أي: عثمان؛ (أخرجه الترمذي).
بويع عثمان بالخلافة، بعد دفن عمر بثلاث ليالٍ، فبايعه كبارُ الصحابة على ذلك، وفي أواخر عهده، ومع اتِّساع الفتوحات الإسلامية، أراد بعض الحاقدين على الإسلام - وفي مقدمتهم اليهود - إثارةَ الفتنة للنَّيل من وحدة المسلمين ودولتهم، فأخذوا يُثيرون الشُّبهات حول سياسة عثمان - رضي الله عنه - وحرضوا الناس في مصر والكوفة والبصرة، فانخدعَ بقولهم بعضُ مَن غرِّر به، وساروا معهم نحو المدينة لتنفيذ شرهم، وقابلوا الخليفةَ عُثمان، وطالبوه بالتنازُل، فدعاهم إلى الاجتماع بالمسجد مع كبار الصَّحابة وغيرهم من أهل المدينة، وفنَّد مُفترياتِهم، وأجاب على أسئلتهم وعفا عنهم، فرجعوا إلى بلادهم؛ لكنَّهم أضمروا شرًّا، وتواعدوا على الحضور ثانية إلى المدينة؛ لتنفيذ مؤامراتهم.
واستمروا في تأليبِ الفتنة على أمير المؤمنين عثمان، يُحرضهم على ذلك عبدالله بن سبأ رأس الفتنة، وقد أثَّر في بعض الرعيَّة؛ كما قال سعيد بن المسيب: "كانت المرأة تجيء في زمان عثمان إلى بيت المال، فتحملُ الحمل الثَّقيل من الخير والعطايا، ثم تقول: اللهم بدِّل، اللَّهم غيِّر؛ تعني: عثمان".
لقد كانت ثمرة ذلك التحريض أنَّه نشأ بمصر طائفةٌ يُؤلِّبون النَّاس على حرب عثمان والإنكار عليه، حتى استنفروا نحوًا من ستمائة راكب، يذهبون إلى المدينة في صفةِ مُعتمرين في شهر رجب؛ لينكروا على عثمان، وأقام بمصر أعوانٌ لهم يدافعون عنهم، ويُؤلبون الناس على عثمان.
وخطب عثمان في الناس يوم الجمعة، وقال: "اللهم إنِّي أستغفرك وأتوب إليك، اللهم إني أوَّل تائب مما كان منِّي، وأرسل عينيه في البُكاء، فبكى الناس أجمعون، وحصل للناس رقَّة شديدة على إمامهم، وأشهد عثمانُ الناسَ على نفسه بذلك، وأنَّه قد لزم ما كان عليه الشَّيخان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - وأنَّه قد سبل بابه لمن أراد الدُّخول عليه، لا يَمنع أحدًا من ذلك، فهدأت الأمور قليلاً.
وقد كتب معاوية إلى عثمان يُحذِّره من هؤلاء، ويصفهم له بقوله: "هم أقوام ليس لهم عقول ولا أديان، أضجرهم العدل، لا يُريدون اللهَ بشيء، ولا يتكلَّمون بحجة، إنَّما هَمُّهم الفتنة وأموال أهل الذمة، والله مُبتليهم ومُختبرهم، ثُمَّ فاضحهم ومخزيهم".
وخرج رأس الفتنة، "عبدالله بن سبأ"، وخرج أهلُ الكوفة أيضًا، وكذا خرج أهل البصرة، وهم مُصرُّون على خلع أمير المؤمنين عثمان، وعثمان يَخرج من داره، فيصلي بالناس، ويُصلي وراءه أهلُ المدينة، وأولئك المفتونون يُصلون أيضًا خلفه، ثم زعموا أنَّهم وجدوا كتابًا من عثمان لوالي مصر بقتلهم وصَلبهم، وعليه ختم عثمان قد زوِّر، فطافوا بالكتاب على الناس يُحرِّضونهم على عثمان، فقال عثمان ذو النورين: "والله، ما كتبتُ ولا أمليتُ، والخاتم قد يزوَّر على الخاتم".
فلَمَّا كان في بعض الجُمُعات، قام عثمان يخطب على منبر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقام إليه رجلٌ من أولئك المفتونين، فسبَّه ونال منه، وأنزله عن المنبر، ومن بعدها تجرؤوا على عثمانَ - رضي الله عنه - وحصبوه حتى صُرع من المنبر مغشيًّا عليه، فحُمل إلى داره، ودخل عليه جماعة من الصَّحابة منهم: أبو هريرة وابن عمر وزيد بن ثابت، وعزموا على المدافعة عن عثمان أمير المؤمنين، فبعث إليهم يُقسِم عليهم، ويأمُرهم أنْ يكفُّوا أيديهم ويسكنوا، حتَّى يقضي الله ما يشاء.
وبعدها حاصروا عثمانَ في داره، ونهى عثمانُ الصحابةَ وأبناءَهم عن القتال دونه؛ حتَّى لا يُسفكَ دمٌ في المدينة النبوية بسببه، ثُمَّ انقطع عثمان أمير المؤمنين عن المسجد بعد أن حاصروه أكثر من شهر، ومنعوه الطعام والماء والخروج إلى المسجد، وتهددوه بالقتل، وكان من رؤوس الفتنة ابن عديس البلوي، فصعد هذا المفتون منبرَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فصلَّى بهم الجمعة، وتنقَّص عثمان في خطبته، وألَّب الناس عليه.
يقول أبو أمامة سهل بن حنيف: "كنت مع عثمان في الدار وهو محصور، فخرج إلينا منتقعًا لونه، فقال: إنَّهم يتوعَّدونني بالقتل آنفًا، قال: فقلنا: يكفيكهم الله يا أميرَ المؤمنين، قال عثمان: وبمَ يقتلوني؟! فإني سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: «لا يَحِلُّ دَمُ امرئ مُسلم إلاَّ بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زَنَى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس»، فوالله ما زَنَيْتُ في جاهليَّة ولا إسلام قطُّ، ولا تَمنيت بدلاً بديني مُذْ هداني الله له، ولا قتلتُ نفسًا، فبِمَ يقتلونني؟!"؛ (أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن).
وقال لهم عثمان - رضي الله عنه -: "واللهِ، لئن قتلتموني لا تتحابُّون بعدي أبدًا، ولا تصلُّون جميعًا أبدًا، ولا تقاتلون عدوًّا جميعًا أبدًا"، قال الحافظ ابن كثير: "وقد صدق فيما قال رضي الله عنه".
تقول زوجة عثمان - رضي الله عنه -: "إنَّ عثمانَ أغفى، فلما استيقظَ قال: إن القوم يقتلونني، قلت: كلا، يا أميرَ المؤمنين، قال: إنِّي رأيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأبا بكر وعمر، فقالوا: صُمْ يا عثمانُ، فإنَّك تفطر عندنا، فأصبح - رضي الله عنه - صائمًا، وكان الماءُ لا يصلُ إليه إلاَّ في اللَّيل خفية من دار إلى دار، ثم دَعا بسراويلَ فشَدَّها، وإنَّما لبسها - رضي الله عنه - في هذا اليوم؛ لِئلاَّ تبدوَ عورته إذا قُتل، فإنَّه كان شديدَ الحياء، ووضع بين يديه المُصحف يتلو فيه، واستسلم لقضاءِ الله، وكفَّ يدَه عن القتال، ولم يبقَ عنده أحدٌ سوى أهله، وعند ذلك تسوَّروا عليه الجدار، وأحرقوا الباب، ودخلوا عليه.
وكان - رضي الله عنه - شيخًا كبيرًا قد جاوز عُمرُه الثَّمانين، فلم يرحموا شيبته وضَعْفه، ولم يُعظِّموا حُرمة صاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فدخل عليه رجلٌ، فخنقه خنقًا شديدًا، وجعلت نفسه تترد في حلقه، ثُمَّ دخل عليه رجل آخر ومعه سيف فضربه به، فاتَّقاه عُثمانُ بيده فقطعها، فقال عثمان: "والله، إنَّها لأَوَّلُ يدٍ كتبت سُوَرَ المفصَّل".
قال ابنُ كثير: "وثَبَتَ مِن غيرِ وجه أنَّ أوَّل قطرة من دَمِه سقطت على قوله - تعالى -: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137]، ثُمَّ أقبل عليه رومان بن سودان، فقال: على أيِّ ملة أنت يا نعثل؟ فقال عثمانُ: "لستُ بنعثل، ولكنِّي عثمان بن عفان صاحبُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنا على ملَّة إبراهيم حنيفًا مُسلمًا، وما أنا من المشركين"، وأكبَّتْ عليه زوجُـه نائلـة؛ لتحميه بنفسها، لكنَّهم ضربوها بالسيف، فقطعت أصابعها، وتَمكَّنوا منه - رضي الله عنه - فسال دمه على المصحف، ومات شهيدًا في صبيحة عيد الأضحى سنة (35هـ)، ودفن بالبقيع، وكان مقتله بداية الفتنة بين المسلمين إلى يومنا هذا؛ {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
يقول الحافظُ ابن كثير: "لَمَّا وقع هذا الأمر العظيم الفظيع الشنيع، أُسقط في أيدي الناس، فأعظموه جدًّا، وندم أكثرُ هؤلاء الجهلة الخوارج على ما صَنَعوا، وشابَهوا مَن تقدَّمهم ممن قصَّ الله خبرهم في كتابه العزيز من الذين عبدوا العجل في قوله - عزَّ وجل -: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} [الأعراف: 149].
لما بلغ سعدَ بن أبي وقاص قتلُ عثمان، استغفرَ له وترحَّم عليه، وتلا في حق الذين قتلوه: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 - 104]، ثُمَّ قال سعد - رضي الله عنه -: "اللهم أندمهم ثم خذهم، اللهم أندمهم ثم خذهم".
وقد أقسم بعضُ السلف بالله - عز وجل - أنَّه ما مات أحدٌ من قَتَلَةِ عثمان إلا مقتولاً؛ رواه ابن جرير.
قال الحافظ ابن كثير: "وهذا ينبغي أنْ يكونَ لوجوه، منها: دعوة سعد المستجابة؛ كما ثَبَتَ في الحديث الصحيح، وقال بعضُهم: ما مات أحدٌ منهم حتَّى جُنَّ، روى البخاري في تاريخه عن محمد بن سيرين أنَّه قال: كنتُ أطوف بالكعبة، وإذ رجل يقول: اللهم اغفرْ لي، وما أظنُّ أن تغفرَ لي، فقلت: يا عبدالله، ما سمعتُ بأحدٍ يقول ما تقول.
قال: كنتُ أعطيتُ الله عهدًا، إنْ قدرتُ أنْ ألطمَ وجهَ عثمان إلاَّ لطمته، فلَمَّا قُتل وُضِعَ على سريره في البيت، والناس يجيؤون فيصلُّون عليه، فدخلتُ كأنِّي أُصلي عليه، فوجدتُ خلوة، فرفعت الثَّوب عن وجهه، فلطمته وسجَّيْته - أي: غطيته - قال الرجل: والله، ما هو إلا أنْ لطمته، فإذا بيميني قد شلَّها الجبارُ - جلَّ جلاله - قال ابن سيرين - رحمه الله -: فرأيتها يابسة كأنَّها عود".
قال حذيفة - رضي الله عنه -: "أوَّل الفتن: قتل عثمان، وآخر الفتن: الدجَّال".
يقول شيخ الإسلام: "فلَمَّا قُتل عثمان، تفرَّقَتِ القلوب، وعظُمت الكروب، وظهر الأشرارُ، وذلَّ الأخيار، وسعى في الفتنة مَن كان عاجزًا عنها، وعجز عن الخير والصَّلاح مَن كان يُحب إقامته".
_____________________________________________
الكاتب: محمد أبو عجيلة أحمد عبدالله