ثم لم نتحضر
قبلَ أكثر من مائة عامٍ من الآن - وفي بعض بُلدان العالم الإسلامي - ظهرتْ دعوةُ العلمانيِّين في نزْع حِجاب المرأة وتحريرها، وأنَّه لا بدَّ للمرأة من الخروج لتمارسَ الحياة، فهي شقيقةُ الرَّجل، وإنسانٌ مثله، وكانت الغاية المُعلَنةُ بجانب رَفْع الإصر عن المرأة...
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - قضايا إسلامية -
قبلَ أكثر من مائة عامٍ من الآن - وفي بعض بُلدان العالم الإسلامي - ظهرتْ دعوةُ العلمانيِّين (واسمهم عندي: "بنو جَهْلان") في نزْع حِجاب المرأة وتحريرها، وأنَّه لا بدَّ للمرأة من الخروج لتمارسَ الحياة، فهي شقيقةُ الرَّجل، وإنسانٌ مثله، وكانت الغاية المُعلَنةُ بجانب رَفْع الإصر عن المرأة، أن نتحضَّر كما تحضَّر الغرب، ونلحق بركْب الرُّقيِّ التي تقوده ربَّةُ الحضارة: "أوروبا".
وجعل القوم يَفتِلون - للساسة والرِّعاع على حدٍّ سواء - في الذِّروة والغارِب - كما تقول العرب - حتَّى تمَّ لهم ما أرادوا، ونَزَع المُخَدَّراتُ نِقابَ حيائهنَّ، وخرجنَ تفلاتٍ مِن الفضيلة.
وكانتِ المرأة في بداية الأمر تتعلَّم في مدارس خاصَّة بالبنات، ولم يصبرْ على ذلك "بنو جهلان"، فقالوا:لا والله، لا يتمُّ تحضُّرُنا حتى تزاحمَ المرأةُ الرَّجلَ مقاعدَ الدِّراسة! فكان ما أرادوا، وصار الاختلاط في التعليم، وصادقتِ الفتاةُ الشبابَ، وولجتْ وخرجت، وتبرَّجت وعبثت، وزَنَتْ وفَجَرت!
وانتظرنا أن نتحضَّر كما قال "بنو جهلان"، فلم يكن!!
قالوا: لا والله، حتى تتمَّ لها كلُّ المتطلبات على كافَّة الأصعدة والأنشطة، بلا وصايةٍ من الذُّكور "الأنانيِّين"! فيكون لها - من دون نكير - الحقُّ أن تُصبح راقصةً في ملهًى ليليٍّ، وممثلةً في السينما، ومذيعة في التِّلفاز، وعضوًا في مجلس النواب، وموظَّفة في مصلحة حكوميَّة؛ كلُّ موظَّفيها رِجالٌ، ولا يتردَّد عليها سوى الرِّجال!
فكان ما أرادوا، وانتظرنا أن نتحضَّر، فلم نتحضَّر!!
قالوا: لا والله، حتى تُصبح قاضيةً تحكم في الدِّماء والأموال، وتخطب الجُمُعة، وتصلِّي بالرِّجال "مع كُفرِنا بالجُمُعة والصلاة، لكن ندخل فيها من أجْل عيون المضطهدة عبرَ القرون؛ المرأة".
وكان ما أرادوا، ثم لم نتحضَّر!!
هذا ما كان مِن جهاد "بني جهلان" في سبيل الرُّقي والحضارة من طريق المرأة، وهو أقوى طُرُق جِهادهم، وآتاها لثمار غيِّهم؛ ولذا بدأنا به، وأطلْنا التَّعليقَ عليه.
وأما بقية الطرق:
فإنَّ القوم كان مِن حديثهم أن قالوا: لا يتمُّ تحضُّرنا ولحوقنا بركْب الحضارة حتى نُكوِّنَ المجالس النِّيابيَّة والبلديَّة، ونُنشئَ الأحزاب، ونُجْري الانتخابات، على غِرار نَهْج أسيادنا في الغرْب!
فكان ما أرادوا، وانتظرْنا أن نتحضَّر ونلْحَق بالغرب، فلم نتحضَّر!!
وقالوا: حتى نُقيمَ البنوك ونأخذ الرِّبا، ونأكل أموالنا بيننا بالباطل، كما يفعل أسيادُنا المتحضِّرون، فنَرْقى كما تَرَقَّوْا، ونُصبح آدميِّين كما أصبحوا!
فكان ما أرادوا، ثم لم نتحضَّر!!
وقالوا: حتى تتعطَّلَ الحدود الشرعيَّة، فلا يُقطع سارِق، ولا يُجلد زانٍ، ولا يُقتل قاتل!
فكان ما أرادوا، وحُبِس السارقُ بدلاً من قَطْع يده، وتُرك الزَّاني طليقًا بدلاً من جَلْده، أو رَجْمه، وسُجن القاتل - إن سُجن - سِنينَ، ثم عاش طليقًا.
وانتظرنا أن نتحضَّر، ثم لم نتحضَّر!!
وقالوا: حتَّى يكونَ حُكمُ الشَّعب للشَّعب، فلا بدَّ من تَنحِية تشريع الربِّ للعبد، ليَحُلَّ مكانَه تشريعُ العَبد للعبد؛ إذ عبيدُ كلِّ عصرٍ أدرى بحالهم!!
فكان ما أرادوا، وشَرَع العبدُ للعبد، فجَهِل وجَحَف، وظَلَم وجار....
وانتظرنا أن نتحضَّر، فلم نتحضَّر!!
قالوا: حتَّى يُستهزأَ بدِين الله جِهارًا علانًا، ويُنتقدَ القرآنُ والسُّنَّة كما تُنتقد كلُّ الآراء، كل ذلك مِن أجْلِ تحقيق حُريَّة الرأي والاعتقاد، وتكون المحصلة أن نتحضَّر!
فكان ما أرادوا، وانتظرنا أن نتحضَّر، فلم نتحضَّر!!
فيا "بني جهلان"، قد تمَّ ما أردتم، ولم تفُوا لنا بما وعدتم - أن نتحضَّر - فهل تَكفُّوا عن صِياحِكم ونِباحِكم، أو تعالَوْا لنخبرْكم نحنُ كيف نتحضَّر.
وهذا ما سنعرِض له في الحلْقة القادمة - بإذن الله تعالى - إن رأى الأخوة القُرَّاء ذلك، حتى لا نُثقلَ عليهم.