الإلحاد: تعريفه وأشكاله ونشأته

تختلف أشكال الإلحاد وألوانه بحسب الدراسات والبحوث التي تناولته، وهنا سأنقل بعض ما اطلعت عليه وأسردها دون ترتيب، والملاحظ أن بعضها يشمل البعض وطبيعي أن تتداخل كثير منها لاشتراكها في دوافعها وبواعث ظهورها:

  • التصنيفات: الإلحاد -

• الإلحاد لغة: هو الميل عن القصد، والعدول عن الشيء، ومصدره لحد، واللحد هو الشّقُ في جانب القبر.

فالإلحاد لغة يراد به كل من مال عن القصد والحقّ.

وأطلقت العرب صفة الإلحاد على أيّ أحد أظهر بدعةً وإن كان مؤمناً بالله وبنبيه.

وإطلاقها على الكفار والزنادقة أشهر وإن كانوا على أديان أو مذاهب أخرى.

 

• الإلحاد اصطلاحاً: هو مذهب فكري ينفي وجود خالق الكون، واشتقت التسمية من اللغة الإغريقية (أثيوس atheos ) وتعني بدون إله.

ومن هنا ظهرت التفرقة بين مصطلح الإلحاد وبين الربوبي واللاأدري.

 

وبناءً على تلك الفروق ظهرت العديد من المصطلحات -في الفكر الإلحادي- الكاشفة لعقيدة صاحبها بشكل أكثر دقة، مثل:

الملحد: هو المنكر للدين ولوجود الإله.

 

اللاديني: وهو الاسم الذي يفضله كثير من الملاحدة مع أن لفظ اللاديني يعني من لا يؤمن بدين وليس بالضرورة أن يكون منكراً للإله.

 

ضد الدين Antitheist: هو الملحد الذي يتخذ موقفاً عدائياً من الإله والدين والمتدينين.

 

الربوي Diest: هو الذي يؤمن بأن الإله قد خلق الكون، ولكنه ينكر أن يكون قد تواصل مع البشر عن طريق الديانات.

 

اللاأدري Agnostic: هو الذي يؤمن بأن قضايا الألوهية والغيب لا يمكن إثباتها وإقامة الحجة عليها كما لا يمكن نفيها، باعتبارها فوق قدرة العقل على الإدراك.

 

المتشكك Skeptic: هو الذي يرى أن براهين الألوهية لا تكفي لإقناعه، وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهلها.

 

العلماني Secularist: العلمانية هي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم المادي والعقل ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين، وهو اصطلاح سياسي لا علاقة له بعقيدة الفرد الدينية ولا ك أن كثيراً من العلمانيين ملاحدة أو لا دينيين خصوصاً في بلاد الغرب.

 

• أشكال الإلحاد:

تختلف أشكال الإلحاد وألوانه بحسب الدراسات والبحوث التي تناولته، وهنا سأنقل بعض ما اطلعت عليه وأسردها دون ترتيب، والملاحظ أن بعضها يشمل البعض وطبيعي أن تتداخل كثير منها لاشتراكها في دوافعها وبواعث ظهورها:

1- الإلحاد الفلسفي: وهو منتشر بين الطلبة في كليات الآداب والعلوم الإنسانية.

 

2- الإلحاد العلمي: وهو الإلحاد الممجد للعلم والمرتكز على نظرية دارون.

 

3- الفكر الإلحادي القوي: وأصحابه يُعرفون بالملاحدة الأصوليون. وهم الذين يُنكرون وجود الإله ويسوقون الأدلة على ذلك ويروجون لفكرهم ويهاجمون الدين والمتدينين ويسبونهم.

 

4- الفكر الإلحادي الضعيف: وأصحابه لم يجدوا أدلة كافية تقنعهم بوجود الإله، لكنهم لا ينشرون أفكارهم، ولا يعيرون الأمر اهتماماً كفياً.

 

5- الإلحاد المطلق: وهو إنكار الألوهية وما يتفرّع عنها من الرسل والرسالات.

 

6- الإلحاد الجزئي: وهو الاعتراف بوجود إله خالق مع إنكار تصرّفه وسيطرته على البشر.

 

7- اللاقدرية والعدمية: وهي اليأس من عدالة الأرض والسماء والشعور باللاجدوى.

 

8- الإلحاد العابر: في مرحلة من مراحل العمر وخاصة المراهقة و الشباب .

 

9- الإلحاد الباحث عن اليقين.

 

10- الإلحاد الانتقامي: الموجّه ضد رمز أو رموز أو ممارسات دينية مكروهة أو مرفوضة.

 

11- الإلحاد التمردي: من خلال التمرد على السلطة أيّاً كان نوعها.

 

12- الشيوعيون: الذين يريدون تحويل المجتمعات إلى مستعمرات كادحة ولن يمكن تحقيق ذلك في وجود المعتقدات الدينية ولذا يحاربون الدين للقضاء عليه ولو بالقوة.

 

13- الهاربين من الدين: وجدوا في الإلحاد هروباً من قيود الدين أو إثباتاً لذواتهم أو تحقيقاً لمصالح أخرى.

 

14- الشكاكين: هم فئة شكاكين في كل شيء وكثيرون منهم يلتزمون الصمت، ولا يطرحون شكهم للنقاش.

 

• تاريخ الإلحاد القديم: الإلحاد من حيث هو إنكار لوجود الإله وكل ما يتعلّق بذلك من خلق وإيجاد رسالات وحساب وجزاء لا يعرف له وجود تاريخياً.

 

وإن وجدت بعض الإشارات التاريخية فهي لحالات معدودة ونادرة ويعجز التاريخ المكتوب والمروي عن تزويدنا بأول ملحد.

 

وأول الملاحدة الذين عُرفوا وسُجلت عنهم آراء أو كتابات إلحادية كانوا في اليونان وهم:

دياغوراس من ميلوس 415-465 ميلادية.

كريستياس 403-460 ميلادية.

ديوجين الكلبي 412 ميلادية.

ثيودور الملحد 320 ميلادية.

هؤلاء هم من نُقلت عنهم عبارات أو تواليف تنفي صراحة وجود الخالق.

 

وغير هؤلاء ممن يذكرهم الملحدون المعاصرون ويتكثرون بهم فإنهم لا تنطبق عليهم صفات الملاحدة، وأكثرهم يمكن أن تطلق عليهم وصف لادينين لكنهم يقرّون بوجود خالق للكون.

 

• تاريخ الإلحاد الحديث: حتى خمسمائة عام مضت كان المصدر الأساسي للمعرفة في أوروبا هو الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، كما تبنّى رجال الكنيسة الكاثولوكية آراء أرسطو وبطليموس العلمية حول الكون وكوكب الأرض والفيزياء والكيمياء والتاريخ الطبيعي وألحقوها بمفاهيمهم المقدسة، حتى غدا أرسطو مقدّساً عندهم وكأنه من رجال الكنيسة الأوائل.

 

وبعد ظهور آراء كوبرنيكوس بحساباته الرياضية لدوران الأفلاك وتأكيد جاليليو ذلك بتليسكوبه، وما تبع ذلك عند اكتشاف الميكرو سكوب الذي تم من خلاله رؤية الجراثيم التي تسبب الأمراض وما نتج عن ذلك من إنعدام أهمية القسيسين في علاجها بصلواتهم، حيث يغني عن ذلك الدواء مما قلل من أهميتهم وأضعف الكنيسة.

 

وظهرت بعد ذلك نتائج عملية مهمة لمكتشفات نيوتن الذي وضع قوانين الحركة الثلاثة وقانون الجاذبية وما تلا ذلك من إضافات لابلاس لها.

 

نتج عن كل ذلك انهدام لجميع القواعد العلمية التي آمنت بها الكنيسة وأجبرت الناس على الإيمان بها وتصديقها وأضفت عليها صفة القداسة طوال قرون.

 

وتسببت تلك الاكتشافات في صراع بين العلم ورجاله من جهة وبين الكنيسة ورجالها من جهة أخرى. وكان للثورة العلمية في أوروبا أثر مدمر للكنيسة إذ أعقبتها مباشرة نزعة شكية إلحادية كبرى، مازالت تتضرم حتى اليوم.

 

وكانت ردود أفعال رجال الكنيسة واستبدادهم وسلوكهم الاضطهادي ضد مخالفيهم سبباً في حدوث ردة فعل نفسية شديدة لدى العلماء مما انعكس على سلوكهم وعلى سلوك عامة الناس أيضاً.

 

وألقت هذه الأزمة بظلالها على المفكرين والعلماء حتى قادت الناس في أوروبا في القرن السابع عشر إلى ما عرف بحركة التنوير وزاد الشقاق حتى غرق الأوروبيون في القرن الثامن عشر إلى مستنقع الشك الكامل في كل موروثهم الاعتقادي والعلمي الذي كانت تشرف عليه الكنيسة وتجبر الناس على الامتثال الكامل له.

 

وتوالى هذا الصراع على أشدّه حتى انحسر دور الكنيسة وتراجعت إلى الزوايا البعيدة وخاصة بعد الثورة الفرنسية.

 

ثم بدخول القرن العشرين كان الأوروبيون مستعدين لأمثال مقولة" الدين أفيون الشعوب" التي كان لها وللعقيدة الماركسية أثر كبير في رسم مسار التاريخ الأوروبي الحديث.

 

وجاء سؤال نيتشه: هل مات الإله؟ ليحتل مركز الصدارة في الفكر الأوروبي، وليتحول من مجرد رأي لفيلسوف حتى يصبح عنواناً يتكرر في الصحف اليومية بشكل مستمر. وكان ذلك متوافقا مع النفسية المتشككة والرافضة لكل ما ورثته عن الكنسية حتى أصبحت وكأنها ستقبل بأية فكرة لمجرد معارضتها لأفكار ومعتقدات الكنيسة التي ذاق الأوروبيون منها ومن استبدادها الأمرين طوال القرون الماضية.

 

• الفرق بين الإلحاد الغربي والإلحاد العربي: يفرّق بعض الباحثين بين الإلحاد في نمطه الغربي وبين نمطه العربي، حيث أن الملاحدة في النمط الغربي هم من المنكرين لوجود الخالق سبحانه وتعالى.

 

بينما الملاحدة في السياق العربي والإسلامي بشكل عام يسجل التاريخ أن كثيرا ممن أتهم بالإلحاد ليس منكراً لوجود الخالق سبحانه وتعالى، لكن أكثرهم لديه تخبطات عقدية كبرى، مثل إنكار النبوة أو القول بالاتحاد، يقول عبد الرحمن بدوي:(إذا كان الإلحاد الغربي بنزعته الديناميكية هو ذلك الذي عبّر عنه نيتشه حين قال" لقد مات الله" وإذا كان الإلحاد اليوناني هو الذي يقول:" إن الآلهة المقيمين في المكان المقدس قد ماتت" فإن الإلحاد العربي هو الذي يقول: "لقد ماتت فكرة النبوة والأنبياء").

 

ومن هنا فإن فكرة إنكار وجود الخالق سبحانه وتعالى في نمط الإلحاد العربي المعاصر هي فكرة طارئة عليه وليست قديمة كما هي في نمط الإلحاد الغربي.

 

وسيأتي عند ذكر الأسباب بيان العوامل التي أسهمت في هذا التطور لنمط الإلحاد العربي الحديث.

 

وخلاصة ما يقدمه الملاحدة في جميع أنماطهم هو أن الإنسان لا يساوي شيئاً في هذا الوجود العبثي الذي جاء صدفة وسينتهي صدفة ولا قيمة تذكر له لا في لحظة ميلاده ولا بعد مماته، وإنما هو مجموعة من الذرات المادية التي اجتمعت بغير سبب والتي غداً ستفترق لا أدنى مغزى ولا معنى في الحياة!!

 

المراجع:

1- كيف تحاور ملحداً - أمين خربوعي.

2- الإلحاد مشكلة نفسية - د. عمرو شريف.

3- مليشيا الإلحاد - عبدالله العجيري.

4- ميديا الإلحاد - أحمد حسن.