أفشوا السلام بينكم
التحية من حقوق المسلم على أخيه المسلم، وهي مِن سُنن الأنبياء، ومن طبع الأتقياء الفُضلاء، وخلق الأصفياء، فالسَّلام من خير أمور الإسلام
- التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها - تزكية النفس -
الحمدُ لله رب العالمين، أحمده - سبحانه - وأشكرُه أن هدانا للإسلام، ووفَّقنا للإيمان، وما كنا لنهتديَ لولا أن هدانا الله، وأتوب إليك ربِّي، وأستغفرك من قولٍ لا يوافق الصِّدق، وعملٍ لا يُطابق الحق، وأسألك مِن فَيْض رحمتك أن ترزقنا رِضاك، وأن توفِّقنا إلي تقواك، وأن تمنحنَا هُداك، وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبيِّ الرحمة والإحسان، وعلى صحبة الذين اتبعوه حتى أوصلَهم إلي برِّ الأمان.
وبعد:
يقول الله - جلَّ وعلَا - في كتابه الكريم: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86].
فالتحية من حقوق المسلم على أخيه المسلم، وهي مِن سُنن الأنبياء، ومن طبع الأتقياء الفُضلاء، وخلق الأصفياء، فالسَّلام من خير أمور الإسلام؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أنَّ رجلاً سأل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الإسلام خير؟ قال: «تُطعمُ الطعام، وتَقرأُ السلام على مَن عَرَفتَ، ومَن لَم تعرف».
وهو كذلك من أسباب المودَّة والمحبَّة بين المسلمين، والتي هي من أسباب دخول الجنَّة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «لا تدخلون الجنَّةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلَا أدُلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتُم؟ أفشوا السلام بَينَكم».
وفي السلام فضائلُ كثيرةٌ؛ فهو من علامات تواضُع المرء، وعلامة حبِّه للآخرين وصفائِه من الحِقد والحسد، وكذلك في السَّلام إحياءٌ لسُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أمرنا بالسلام على مَن نلقَى من المسلمين.
ومِن ثمراته العظيمة: أنَّه سببٌ لغفران الذنوب؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما من مُسلمَين يلتقيانِ فيتصافحانِ إلَّا غُفِرَ لهما قبلَ أن يتفرَّقَا».
وكذلك قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ المؤمن إذا لَقِيَ المؤمنَ، فسلَّم عليه، وأخذ بيده فصافحه، تناثرتْ خطاياهما كما يتناثر ورقُ الشَّجر».
كما أنَّه من الواجب على مَن أُلْقِي عليه السلامُ أن يردَّ؛ امتثالًا لأمر الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «إيَّاكم والجلوسَ في الطُّرقات»، فقالوا: يا رسولَ الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدَّث فيها، فقال: «إذا أبيتُم إلَّا المجلس، فأعطُوا الطريقَ حقَّه»، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: «غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».
قال الإمام النووي - رحمه الله: "واعلمْ أنَّ ابتداءَ السلام سُنَّة، وردَّه واجب، وإن كان المُسلِّم جماعة، فهو سُنَّة كفاية في حقِّهم، وإذا سلَّم بعضُهم حَصَلت سُنَّة السلام في حقِّ جميعهم، فإن كان المُسلَّم عليه واحدًا تعيَّن عليه الرَّد، وإن كانوا جماعةً كان الردُّ فرضَ كفاية في حقِّهم، فإنْ ردَّ واحدٌ منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميعُ بالسلام وأن يردَّ الجميع".
ومن آداب التحية:
• أنَّه إذا تلاقَى اثنان في طريق، أن يُسلِّم الراكبُ على المترجِّل، والقليلُ على الكثير، والصغيرُ على الكبير؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم: «يُسلِّم الراكبُ على الماشي، والماشي على القاعد، والقليلُ على الكثير».
• كما أنَّه على المرْء أن يحرصَ على البشاشة، وطَلاقة الوجه، والابتسامة عندَ السلام؛ حيث يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم: «وتبسُّمُك في وَجْه أَخِيك صَدَقة» ، ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تَحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أنْ تلقَى أخاكَ بوجهٍ طَليق».
• كما أنَّه يُستحبُّ السلامُ على الصِّبيان؛ كما كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعل ذلك؛ لزرْع الثِّقة في نفوسهم، وغرْس تعاليم الإسلام في قلوبهم.
فنسأل اللهَ أن يجعلنا من المهتدين، وأن يُوفِّقنا إلي الطريق المستقيم، إنَّه بكلِّ جميلٍ كفيلٌ، وهو حسبُنا ونعم الوكيل.
___________________________________
الكاتب: طارق محمد امعيتيق