المجـاهـدُ بـطــلاً

فهل يستثمر أدباء الإسلام عشرات المواقف لأبطال مجاهدين على امتداد تاريخنا الإسلامي، فيقدمون صورة حية للمجاهدين المسلمين أبطالاً في عصرٍ أحاطت الأخطار بالمسلمين من كل جانب؟

  • التصنيفات: الشعر والأدب - - ثقافة ومعرفة -

أصدر الأديب الراحل نجيب الكيلاني – يرحمه الله – مسرحية واحدة (عام 1958م) بطلها الداعية المجاهد أحمد بن تيمية، ولقد كان ابن تيمية واحدًا من أبرز علماء عصره، وكان من حملة السيف والقلم، ولعب دورًا خطيرًا في حروب التتار (699هـ-702هـ).

والداعية المجاهد حينما يكون بطلاً، فيجب أن تكون كلماتُه سهمًا يُسدَّد إلى صدور الأعداء، وخطبه ومواعظه رعدًا يصم آذانهم.

إن المجاهد البطل، يختلف عن أبطال التمرد والمقاومة والاغتراب في أدبنا المعاصر. ففي الوقت الذي كان فيه أولئك الأبطال يقودون الجموع – أو يفترض فيهم هذا – رأيناهم منعزلين عن الناس. تقول سلمى للفتى مهران (في مسرحية ((الفتى مهران)) للشرقاوي):

أنت أيضًا.. يا فتى الفتيان مهران.. اهجر عزلتك

امتزج بالناس في القريةِ عش في قريتك.

لكن المجاهد حينما يكون بطلاً في نص أدبي، فإننا نراه ملتحمًا بالعامة، يقودهم، ويحقق بهم النصر، كما نجد في الحوار التالي (في مسرحية على أسوار دمشق للكيلاني):

أبو يزيد: لعل أخي الشيخ يريد أن يلم فلول الجيش ليلقى التتار وهم في عقر دارنا. إنها مهمة عسيرة.

ابن تيمية: أنا لست حالمًا... إني أعني تمامًا ما أقول... المعركة لم تنته بعد.

أبو يزيد: هل أفهم من ذلك أنك تنوي مغادرة دمشق لتعد العدة؟

ابن تيمية: (مفكرًا) كلا، لن نترك دمشق.

أبو يزيد: وَلِمَ؟

ابن تيمية: العامة في حاجة إلى من يقف بجانبهم.

أبو يزيد: إن العامة كمٌّ مهمل دائمًا في نظر حُكَّامهم.

ابن تيمية: بل هُمْ صُنَّاع التاريخ... وسترى أن النصر سوف يُبْنى على كواهلهم. (فترة صمت).. لن نستسلم ولن نفرّ مهما كان الأمر.

محمد: إذن سنجدّد المعركة.

ابن تيمية: أجل.

أبو يزيد: نحن في أرضنا، وبين أمتنا... والإيمان يعمر قلوبنا، فماذا بقي؟

إن المجاهد البطل لا ينفصل عن أبناء شعبه المسلمين، ويمتزج بهم ويعيش بينهم، ويستطيع أن يثمِّن قدرة أمته، وبالإيمان الذي يعمر قلوب أبناء عقيدته، يستطيع أن يقود الجحافل التي تحقق النصر، وتطرد الغازي.

لقد استطاع نجيب الكيلاني في مسرحيته ((على أسوار دمشق)) أن يُقَدِّم صورة البطل المسلم مجاهدًا، رافضًا للعدوان، مرتبطًا بأبناء عقيدته، لا يفرُّ من أرضه، ولا يترك ساحة المواجهة.

فهل يستثمر أدباء الإسلام عشرات المواقف لأبطال مجاهدين على امتداد تاريخنا الإسلامي، فيقدمون صورة حية للمجاهدين المسلمين أبطالاً في عصرٍ أحاطت الأخطار بالمسلمين من كل جانب؟

________________________________
الكاتب: د. حسين علي محمد