حق الوطن والمشاركة في بناءه.. من خلال الحديث عن المؤتفكات

محمد سيد حسين عبد الواحد

تنقلب الدنيا، وتفسد الأرض، ويهلك الحرث والنسل، وتجوع الخلائق، وتنتزع البركات، وتمنع القطرات، إذا حضر المفسدون وتركوا من غير أن يؤخذ على أيديهم..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -


 في مستهل هذا اللقاء أود عن أن أفتح كتاب الله تعالى على ثلاثة آيات من ثلاث سور من القرآن الكريم ..

أما الآية الأولى: ففي سورة التوبة وهي قول الله تعالى   { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَٰتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ ۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}

وأما الآية الثانية: ففي سورة النجم وهي قول الله تعالى   { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ }

وأما الآية الثالثة ففي سورة الحاقة وهى قول الله تعالى   {وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُۥ وَٱلْمُؤْتَفِكَٰتُ بِٱلْخَاطِئَةِ }

في ثلاث سور من القرآن الكريم ورد لفظ ( المؤتفكات) :
فما المؤتفكات ؟
المؤتفكات: هي ديار الظالمين.
المؤتفكات:هي قري الكافرين.
المؤتفكات:هى بلاد وأوطان سكنها المجرمون.
المؤتفكات:هى الرياح الشديدة التي تقلب الأرض رأسا على عقب.
المؤتفكات:هى المواضع التي ائتفكت وهدمت على رؤوس أهلها.

قيل: إن المقصود ب(المؤتفكات) هم قوم لوط عليه السلام، وقيل بل هم قارون وقومه، وقيل هم كل من ائتفكت بهم وانقلبت بهم وهلكت بهم ديارهم بسبب ذنوبهم .. ظلموا أنفسهم وما ظلمهم الله تعالى.

قلت: وعلى هذا التفسير الأخير .. فالمؤتفكات كلمة عامة تشمل كل من ائتفكت بهم وانقلبت بهم وهلكت بهم ديارهم بسبب ذنوبهم
قلت:وهؤلاء كثيرين ..

لكن يبقى قوم لوط هم الأشهر بين المعذبين، ويبقى حديثهم الأكبر بين المؤتفكات ..
كفروا بالله تعالى، وعملوا من الفواحش والرذائل والمنكرات أعمالاً..
قطعوا الطريق، وروعوا الآمنين، ونكلوا بالضعفاء، وعذبوا المساكين، أشربت قلوبهم محبة الفاسقين، وكره الصالحين، فقدموا الأفاكين، واعتزلوا الصادقين، وقربوا الأنجاس، وفارقوا الطاهرين..

أما رب العالمين سبحانه وتعالى فلم يعاجلهم بالعقوبة، صبر عليهم، وجعل يعاملهم بحلمه، ويسبل عليهم ستره، ويفتح لهم أبواب رحمته، لكنهم أبوا أن يدخلوها، واستعجلوا العذاب فنزل بهم العذاب ..

 { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِىٓءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ، وَجَآءَهُۥ قَوْمُهُۥ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ قَالَ يَٰقَوْمِ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِىٓ ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ، قَالُوا۟ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ، قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِىٓ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ،قَالُوا۟ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓا۟ إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِىَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٍ }
 
أمر الله جبريل عليه السلام فاقتلع القرى وكانت (خمس قرى) واقتلع معها ديار الظالمين من جذورها، وإلى السماء رفعها، ثم قلبها ورجع بها إلى الأرض فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعوا بوابل من الحجارة..

إلي يومنا هذا يبقى قوم لوط هم الأشهر بين المهلكين، ويبقى حديثهم الأكبر بين المدائن والأوطان التي ائتفكت بذنوب سكانها ..

هدمت عليهم ديارهم وجعل عاليها سافلها .. وبقي ليومنا هذا منها علامة..
إنه البحر الميت طويلة أكثر من خمسين كيلو متر وعرضه أكثر من خمسة عشر كيلو متر وهو ينخفض تحت سطح البحر لأكثر من أربعمائة متر ..
أما ماء البحر الميت فالملح فيه تسعة أضعاف غيره من البحار، وأما حياة الأسماك فيه وحياة النبات فمنعدمة اللهم إلا من بعض الفطريات التي لا تكاد ترى ...

دمر الله ديار الظالمين.. لكنه أبقى فيها آية، أبقى فيها علامة يتعظ بها العاقلون ..

قال الله جل في علاه ﴿ {وَتَرَكْنَا فِيهَآ ءَايَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ } ﴾
أحسب والله أعلم أن هذه الآية المتروكة عظة وعبرة للذين يخافون العذاب الأليم هى البحر الميت..

والسؤال يقول: هل يجوز القدوم على موضع كالبحر الميت وتحته ديار المعذبين ؟
نعم يجوز القدوم ويجوز المرور بديار المعذبين..
الدليل:
قول الله تعالى{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَٰفِرِينَ أَمْثَٰلُهَا }

لكن تنبه أخي:
إلى أن السنة عند القدوم وعند المرور بديار المعذبين .. أن نبكي لأنها مواضع سخط ومنازل بلاء، نبكي اتعاظا واعتبارا خشية أن يصيبنا ما أصابهم ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام
لأصحابه لما وصلوا الحجر ( ديار ثمود) لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم..

نسأل الله تعالى أن يكفينا شر أنفسنا وأن يحفظ بلادنا مصر وسائر بلاد المسلمين من كل سوء إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث وقد سمعنا ما سمعنا بقى لنا أن نقول:
إن الإنسان قد يكون آلة بناء الوطن الذي يسكنه وقد يكون آلة هدم لوطنه..

الإنسان هو حجر الزاوية في بناء البلاد التي يسكنها إن كان مؤمنا، إن كان يخشى الله، إن كان يراقب الله تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوْا۟ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ}

بصلاح الإنسان يصلح الله الأرض ومن عليها، يصلح الماء يصلح الهواء يصلح الحرث والنسل يصلح الله البلاد وما عليها إذا صلحت أحوال العباد وصدقت نواياهم ..

وقد يكون الإنسان أيضا حجر الزاوية في خراب الوطن الذي يسكنه إن كان كفورا، إن كان ظلوما، إن كان جهولا، إن كان أثيما   {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا۟ يَصْنَعُونَ }

تنقلب الدنيا، وتفسد الأرض، ويهلك الحرث والنسل، وتجوع الخلائق، وتنتزع البركات، وتمنع القطرات، إذا حضر المفسدون وتركوا من غير أن يؤخذ على أيديهم..

قال النبي عليه الصلاة والسلام
«إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد , وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» ...
نسأل الله تعالى أن يحفظ مصر وأهلها وسائر بلاد المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه..