طرائف وفوائد

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

قال العلامة محمد بن الأمين الشنقيطي رحمه الله: ويحكى في نوادر المجانين أن مجنوناً مرّ به جماعة من بني راسب, وجماعة من بني طفاوة يختصمون في غلام

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فيحتاج الإنسان من وقت إلى آخر, إلى إمتاع نفسه بشيءٍ من المباح ,حتى لا تكلّ, أو تمل, فعن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه, قال: لقيني أبو بكر, فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟ قال قلت: نافق حنظلة, قال: سبحان الله ما تقول, قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار حتى كأنا رأى عين, فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات, فنسينا كثيراً, قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قلت: نافق حنظلة يا رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك, قُلتُ: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين, فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات, فنسينا كثيراً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي, وفي الذكر, لصافحتكم الملائكة على فرشكم, وفي طرقكم, ولكن يا حنظلة ساعة, وساعة, ثلاث مرات.[أخرجه مسلم] قال العلامة العثيمين رحمه الله: النفوس لو أعطيت الجد في كل حال, وفي كل وقت, ملت وسئمت, فالصحابة رضي الله عنهم, قالوا: يا رسول الله, إذا كنا عندك وذكرت لنا الجنة والنار, فكأننا نراها رأي العين,, لكن إذا ذهبنا إلى الأهل والأولاد نسينا, فقال الرسول عليه الصلاة والسلام (ساعة وساعة ) بمعنى: أن الإنسان يكون هكذا مرة, وهكذا مرة,...فإعطاء النفس حظها من المتعة المباحة لا شك أنه غاية الحكمة.         

ومن وسائل إمتاع النفس: قراءة وسماع الطرائف, ففي ذلك فوائد:

منها: الترويح والتسلية عن النفس, قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله في مقدمة كتابه: "عيون الأخبار": لم أخله...من نادرة طريفة, وفطنة لطيفة, وكلمة معجبة, وأخرى مضحكة,...لأروح بذلك عن القارئ من كدّ الجدّ وإتعاب الحق فإن الأذن مجاجة والنفس حمضة. قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه: " بغية الرائد فيما في حديث أم زرع من الفوائد": وفيه من الفقه: التحدث بِمُلَح الأخبار, وطُرفِ الحكايات, تسليةً للنفس, وجلاء للقلب,...ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: سلّوا هذه النفوس ساعة بعد ساعة, فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد.

ومنها: طرد الملل عن النفوس, قال الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه: "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" في باب: ختم المجلس بالحكايات ومستحسن النوادر والإنشادات: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " روحوا القلوب, وابتغوا لها طُرَف الحكمة, فإنها تملّ كما تملّ الأبدان." وقال الإمام ابن الجوزي: فلما كانت النفس تملُّ من الجد, لم يكن بأس بإطلاقها في مزاح ترتاح به. كان الزهري يقول: هاتوا من طرفكم,...أفيضوا في بعض ما يخلف عليكم وتأنس به طباعكم.

ومنها: أن تنشط النفس, قال الحافظ ابن حجر, رحمه الله في فوائد حديث جلوس إحدى عشرة امرأة تعاهدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً, وفيه: الانبساط بذكر طرف الأخبار, ومستطابات النوادر, تنشيطاً للنفوس.

ومنها: أن يكون ذلك عوناً على الحق والطاعة, قال الخطيب البغدادي رحمه الله: قال قسامة بن زهير: " روحوا القلوب تَعِ الذّكر. وقال القاضي عياض رحمه الله: ومنه قول أب الدرداء: إني لأستجم نفسي ببعض اللهو, ليكون ذلك عوناً لي على الحق.

وسماع الطرف وحكايتها لا بأس به, بضوابط.

منها: أن تكون حقاً: قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: إذا كانت النُكتُ قد وقعت, ونقلها الإنسان ليُسلي الحاضرين, ويذهب عنهم الملل وهي غير محرمة, فلا بأس. وقال: القصص الخيالية التي تُنسج من الخيال, ولا أصل لها, تدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ويل للذي يُحدّثُ فيكذبُ ليُضحك به القوم, ويل له, وويل له.) فكررها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاث مرات, وهذا يدلّ على أنه حرام, فمن أتى بقصص خيالية محرمة, يعني: ليست بواقع, من أجل أن يضحك الناس بذلك, فإنه آثم ومتوعد بهذا الوعيد _ والعياذ بالله _ : ( ويل للذي يُحدث فيكذب ليضحك به القوم, ويل له, ويل له.)

ومنها: ألا يكون ذلك بشكل دائم مستمر, قال القاضي عياض رحمه الله: وهذا كله ما لم يكن متصلاً, وإنما يكون في النادر والأحيان,...وأما أن يكون ذلك عادة الرجل حتى يعرف بذلك, ويتخذه ديدناً ويطرب به الناس, ويضحكهم دأبه, فهذا مذموم, غير محمود, دالّ على سقوط المروءة, ورذالة الهمة, وخلع بُرد نزاهة النفس, واطّراح ربقة الوقار والسمت, مولجاً صاحبه في باب المجون والسُّخف.

ومنها: ألا يكون ذلك في مجالس العلم, وما شابهها, فقد ذكر الخطيب البغدادي رحمه الله في آداب طالب العلم والحديث: تجنبه المزاح مع أهل المجلس, فقال: يجب أن يتقي المزاح في مجلسه, فإنه يسقط الحشمة, ويُقلّ الهيبة.    

ومنها: أن تكون خالية من  المجون, والفسق, والفجور, وإظهار العورات, قال الإمام ابن مفلح رحمه الله في كتابه: "الآداب الشرعية": قال محمد بن داود: من كان ظريفاً, فليكن عفيفاً.

وهذه مجموعة من الطرائف التي ذكرها أهل العلم في مصنفاتهم, والتي لا تخلو من فائدة, أو دُعابة, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

اغسله, فإنك لا تفرغ من غسله حتى يقضي:

أُغمي على رجل من الأزد, فصاح النساء, واجتمع الجيران, وبعث أخوه إلى غاسل الموتى, فجاء فوجده حياً بعدُ, فقال أخوه: أغسله, فإنك لا تفرغ من غسله حتى يقضي.[عيون الأخبار, ابن قتيبة:2/47]

إجابة سديدة :

دخل رجل على الشعبي, ومعه في البيت امرأة, فقال: أيكم الشعبي ؟ قال الشعبي: هذه.[عيون الأخبار, ابن قتيبة:1/435]

من حفر حفرة وقع فيها:

مرّ بعض الحمقى بامرأة قاعدةٍ على قبر, وهي تبكي, فرقّ لها, وقال: من هذا الميت؟ قالت: زوجي, قال: فما كان عمله ؟ قالت: يحفر القبور, قال: أبعده الله, أما علم أن من حفر حُفرة وقع فيها.![عيون الأخبار, ابن قتيبة:2/61]

وصية في محلها:

دخل رجل على بشر بن الحارث وهو مريض, فقال له الرجل: أوصني. قال: إذا دخلت على مريض فلا تطل القعود عنده.[تاريخ بغداد للخطيب]

دهاء لم ينفع وأضرّ:

عن عمارة بن عقيل قال: كنت امرأ دميماً داهياً, فتزوجت امرأة حسناء رعناء, ليكون أولادي في جمالها ودهائي, فجاءوا أولادي في رعونتها, وفي دمامتي.[تاريخ بغداد للخطيب البغدادي]

ما اشتهيت أن يفعل بي أحد خيراً قط:

اجتمع ثلاثة, فقال أحدهم لصاحبه: ما بلغ من حَسَدِك ؟ قال: ما اشتهيت أن أفعل بأحد خيراً قطّ. قال الثاني: أنت رجلّ صالحّ, ولكني ما اشتهيت أن يفعل أحد بأحدٍ خيراً قطّ. قال الثالث: ما في الأرض خير منكما, ما اشتهيت أن يفعل بي أحد خيراً قط.[الجامع لأخلاق الراوي والسامع, الخطيب البغدادي:2/140]

حسدتُه على اجتماع الناس عليه:

قال ابن المبارك: استُقضي على مرو قاضِ, وكان من أحسد الناس للناس, فلما كان في بعض الأيام رأيته واقفاً على دابته, ينظر إلى مصلوب, فلما خلوت به, قلتُ له: رأيتك تنظر إلى ذلك المصلوب أفحسدته ؟ قال: إي والله, حسدتُه على كثرة اجتماع الناس عليه.[الجامع لأخلاق الراوي والسامع, الخطيب البغدادي:2/140]

احلف للشيطان كما تحلف لي:

قال رجل إلى أبي حازم القاضي, فقال: إن الشيطان يأتيني فيقول إنك قد طلقت امراتك فيُشككني, فقال له: أوليس قد طلقتها ؟ قال: لا, قال: ألم تأتني أمس لتطلقها عندي ؟ فقال: والله ما جئتك إلا اليوم, ولا طلقتها بوجه من الوجه. قال: فاحلف للشيطان كما حلفت لي, وأنت في عافية.[أخبار الظراف والمتمتجنين:77]

أخاف أن أموت من الفرح:

قيل لبعضهم: أتحبُّ أن تموت امراتك ؟ قال: لا, قيل: لِمَ ؟ قال: أخاف أن أموت من الفرح.[أخبار الظراف والمتماجنين:133]

دخولك علي:

دخل على الأعمش رجل يعوده, فقال له: ما أشدَّ ما مرّ بك في علتك هذه ؟ قال: دُخولك.[أخبار الظراف والمتماجنين:59]

لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم الحافي.

قال حسن المسوحي: سمعت بشر الحافي يقول: أتيت باب المعافي بن عمران, فدققت الباب, فقيل لي: من ؟ فقلت: بشر الحافي, فقالت جويرية من داخل الدار: لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم الحافي.[تاريخ الإسلام, للذهبي]

عِد أن الحمار ذهب, وهبه لي, واربح شكري

قال ثمامة بن أشرس: عدت رجلاً وتركت حماري على بابه, ثم خرجت, فإذا عليه صبي فقلت: لم ركبت بغير إذني ؟ قال: خفت أن يذهب فحفظته للك, قلت: لو ذهب كان أهون عليَّ قال: فهبه لي, وعد أن ذهب, واربح شكري. فلم أدر ما أقول [تاريخ الإسلام, للذهبي]

إني غير مُستجاب الدعوة:

أزهر بن سعد السمان, كان صاحباً لأبي جعفر المنصور قبل أن يُستخلف, فلما ولي جاء ليهنئه, فقال المنصور: أعطوه ألف دينار, وقولوا له: لا تعد, فأخذها, ثم عاد من قابل فحُجب, ثم دخل عليه في مجلس عام, فقال له المنصور: ما جاء بك ؟ قال: سمعت إنك مريض فجئت أعودك, فقال: أعطوه ألف دينار, قد قضيت حق العيادة فلا تعد, فإني قليل الأمراض, فعاد من قابل ودخل في مجلس عام, فقال له المنصور: ما جاء بك ؟ قال: دعاءُ سمعته منك جئت لأتعلمه, فقال: يا هذا, إنه غير مستجاب إني في كل سنة أدعو به أن لا تأتيني وأنت تأتيني.[تاريخ الإسلام للذهبي]

 

خطه من أقبح الخطوط:

محمد بن عبدالرحيم بن محمد الشيخ صفي الدين الهندي, الأرموي, كان خطه في غاية الرداءة,...قال: وجدت في سوق الكتب مرة كتاباً بخط ظننته أقبح من خطي, واشتريته لأحتج به على من يدّعي أن خطي أقبح الخطوط؛ فلما عدت إلى البيت وجدته بخطي القديم.[ طبقات الشافعية الكبرى, السبكي:5/92]

لما مات لم يذهب إلى جنازته:

قيل لبردعة المُوسوس: أيما أفضلُ عيلانُ أم مُعلى ؟ قال: معلى. قال: ومن أين ؟ قال: لأنه لما مات عيلان ذهب معلى إلى جنازته, فلما مات مُعلى لم يذهب غيلان إلى جنازته.[الآداب الشرعية, ابن مفلح:2/204]

داهية غلبهُ فتى:

المغيرة بن شعبة من دهاة العرب...قال: ما غلبني أحد إلا فتى مرة. أردت أن أتزوج امرأة فاستشرته فيها. فقال: أيها الأمير لا أرى لك أن تتزوجها. فقلت له: لِم َ؟ فقال: إني رأيت رجلاً يقبلها. ثم  بلغني أنهُ تزوجها. فقلت له: ألم تزعم أنك رأبت رجلاً يقبلها؟ فقال: نعم رأيت أباها يقبلها وهي صغيرة[البداية والنهاية.,ج8/51]

حتى الحمار يعرف إنك شيخ ويستحي منك ويطيعك:

قال محمد بن عبدالرحمن السعدي عن والده العلامة عبدالرحمن السعدي رحمهما الله: كان الوالد رحمه الله يمشي بالسوق فشاهد أحد الحمّارة ( صاحب حمار ) يضرب حماره بشدة وقسوة, فعطف الوالد على هذا الحمار فقال له الوالد: حرام عليك يا فلان تضرب البهيمة بهذه القسوة, وين ( أين ) الرحمة ؟

فقال الرجل: حماري مزعج كسول, ما يمشي يا شيخ إلا بهذه الطريقة, فأمسك الوالد بلطف قلادة الحمار وجره بهدوء, فمشي الحمار دون تردد أو عصيان, وقال له: وش (ماذا) ترى ؟ فتعجب من هذا الموقف, فقال الرجل مازحاً: حتى الحمار يعرف إنك شيخ ويستحي منك ويطيعك, فضحك الوالد من كلام الرجل ولم يعاتبه, بل أكد عليه أن يتعامل معه برحمة وشفقة[مواقف اجتماعية من حياة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي:143]

الجندي المجهول:

قال محب الدين الخطيب رحمه الله: يحكى أن سائحاً انجليزياً رأى صينياً يضع صحناً من الأرز المطبوخ فوق قبر, فقال له متهكماً: متى تظن أن فقيدك يقوم فيأكل هذا الأرز ؟ فأجابه الصيني بقوله: يكون ذلك متى جاء فقيدكم يستنشق روائح الأزهار التي تضعونها على قبره.[الحديقة:3/1195]

ألقوه في البحر:

قال العلامة محمد بن الأمين الشنقيطي رحمه الله: ويحكى في نوادر المجانين أن مجنوناً مرّ به جماعة من بني راسب, وجماعة من بني طفاوة يختصمون في غلام, فقال لهم المجنون: ألقوا الغلام في البحر, فإن رسب فيه فهو من بني راسب, وإن طفا على وجهه فهو من بني طفاوة.[أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن:1/116]

أنت ذيب, وهي ذيبة, كيف يعيش بينكما أولاد:

جاء رجل إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز, رحمه الله, في مسألة طلاق, فقال له الشيخ: ما اسمك ؟ قال: ذيب, قال الشيخ: وما اسم زوجتك, قال: ذيبة, فقال سماحته مداعباً: أسأل الله العافية, أنت ذيب, وهي ذيبة, كيف يعيش بينكما أولاد ؟.[جوانب من سيرة الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله, محمد الحمد: 173]

هذه جنية سنية, هذه من أهل السنة والجماعة

ذكر الشيخ عبدالعزيز السدحان لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز, رحمه الله, أنه ورد في ترجمة أحمد بن نصر الخزاعي, رحمه الله, أنه رقى رجلاً فيه مس من الجن, فتكلمت على لسانه جنية, فقالت لأحمد بن نصر: يا شيخ لن أخرج من هذا الرجل حتى يدع القول بخلق القرآن. فتبسم سماحته رحمه الله, وقال: ما شاء الله, هذه جنية سنية, هذه من أهل السنة والجماعة.[جوانب من سيرة الإمام بن باز: 175]   

قطع يد الميت اليسرى:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: من طرائف ما يُذكر أن بعض الفرق الضالة إذا مات الميت يقطعون يده اليسرى, يقولون: حتى لا يبقى له شمال يوم القيامة, لكي يعطى كتابه باليمنى, إذا لم توجد اليسرى, ولا يؤمنون أن الله يعيد يده التي قطعوها كما كانت. هذا من طرائف أخبار الفرق الضالة.[شرح لمعة الاعتقاد:211]

وهذه مجموعة من الطرائف التي ذكرها العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

الحلف بالنبي علية الصلاة والسلام

قال الشيخ رحمه الله: نذكر قصة ظريفة: كلم شخص آخر: فقال: بالنبي لتخبرني, قال له: هذا لا يجوز, الحلف بالنبي حرام, لا تعد لهذا,  فقال: والنبي لا أعود لهذا, فمثل هذا قال ما قال لأن لسانه اعتاد هذا الشيء, ولكن يجب عليك أن تعود لسانك على ما كان مباحاً لك, أما المحرم فلا. وقال رحمه الله: يجب على الإنسان أن يُعدل لسانه والإنسان بالتمرين يسهل عليه الأمر فلذلك نقول لإخواننا الذين يكثرُ منهم ذلك: لا تحلفوا بغير الله ووالله لا يستحق النبي عليه الصلاة والسلام أن يُعظَّم كتعظيم الله وإنما هو رسول الله, فكيف يُجعل نداً لله ؟ !

لو خلعته لانخلعت الستّ:

قال الشيخ رحمه الله: رأى رجلاً أخا له عليه خاتم من ذهبٍ, وخاتم الذهب على الرجال حرام, فقال له: ما هذا؟ قال: اسم الستِّ, والستُّ هي المرأة, وأصلُ الستُّ: السيدة, لكن فيه اختزال في اللفظة, أي: حذفوا الياء, وحركوا السين بدل الفتح بالكسر, وقالوا: الستَّ, فلما سأله لماذا تفعل ذلك؟ قال: لأن هذا لو خلعته لانخلعت الستُّ ! أي: حصل الفراق, ومثل هذا الفعل حرام, ولا يجوز, لأنه ليس سبباً شرعياً, وربما يلبس الإنسان ( دبلات ) وليست دبلةً واحدة, وبينه وبين زوجته من البغضاء ما الله به عليم, وكم من إنسان لا يلبس هذه الدبلة, ومع ذلك بينه وبين أهله في غاية ما يكون

آمنوا برسولنا كما آمنا برسولكم نزوجكم بناتنا:

قال الشيخ رحمه الله: ومن النكت التي سمعناها أن رجلاً من النصارى قال لرجل من المسلمين: أنتم ظلمة, ليس عندكم عدل, ليس عندكم حق, لأنكم تمنعون أن يتزوج النصراني مُسلمة, وتقولون يجوز للمسلم أن يتزوج نصرانية ؟ سمعتم احتجاج النصراني على المسلم, فقال له المسلم على الطبيعة: نحن نؤمن برسولكم, وأنتم لا تؤمنون برسولنا, آمنوا برسولنا كما آمنا برسولكم, ونعطيكم بناتنا.

أقول له إن أصلك طاهر, ويأبي إلا أن يقول أن أصله نجس:

قال الشيخ رحمه الله: من الطرائف: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر عن ابن عقيل رحمه الله – أحد فقهاء الحنابلة – أنه مرَّ برجل, وهو يتناظر مع شخص يرى أن المني نجس, وابن عقيل يرى أنه طاهر, فقال: إنني أجادل هذا الرجل, أقول له: إن أصلك طاهر, ويأبى إلا أن يقول أن أصله نجس.

باسم الله وجوباً, والله أكبر استحباباً

قال الشيخ رحمه الله: طُرفة: سمع رجل خطيباً يوم عيد النحر يخطُب, ويذكر شروط التزكية وكيفية التزكية, فقال: ويقول إذا أضجعها: باسم الله وجوباً, والله أكبر استحباباً, والخطيبُ يريدُ أن يبين الحكم, فلما أراد هذا الرجل أن يذبح الذبيحة, وأضجع الذبيحة قال: باسم الله وجوباً, والله أكبر استحباباً ! ظن أن هذا يقالُ عند الذبح, والخطيب يريد أن " باسم الله " واجب, " والله أكبر " مستحب.

أخذه الهم فلا ينام في الليل, ولا يأكل في النهار:

قال صلى الله عليه وسلم (خيركم قرني ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم...ثم يجئ قوم ينذرون ولا يفون ويخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون ويظهر فيه السمن) قوله علية الصلاة والسلام (ويظهر فيهم السمن)المراد بذلك: أن هؤلاء القوم يعتنون بتربية أبدانهم وتسمينها, كما تُسمن الشاة في المراعي الجيدة, فتجد الواحد منهم ليس له هم إلا أكلُهُ وما يترف بدنهُ, وهذا يشغل القلب عمَّا هم أهمُّ, وهو تسمين الروح بالعلم والإيمان...ولهذا نجد أنه كلما كثُر همُّ الإنسان قلَّ لحمُهُ, هذا هو الغالب

ويذكر لنا ونحن صغار – والله أعلم بصحته – أن رجلاً ابتلي بكثرة الحم, وصار سميناً جداً, وصار يتعب, فذهب إلى الطبيب, فجعل الطبيب يفحصه, ويجسُّ جميع بدنه, فقال: إنك سوف تموت بعد أربعين أو عشرين يوماً, فصار هذا الرجل يأخذه الهمُّ, لا ينام في الليل, ولا يأكل في النهار, فما مضى نصف المدة إلا وقد خفَّ وزنه كثيراً, بسبب الهمِّ, فلما مضت المدة لم يَرَ موتاً, فجاء إلى الطبيب, فسأله: فقال: أنا أُريد منك أن يُصيبك الهم حتى ينزل وزنك, وإلا فالموت علمه عند الله عز وجل.

الركيَّة, ولا خدمة ابن غنام:

قال الشيخ رحمه الله: عندنا مثل معروف: يُقال: " عتق عبد ابن غنام " وهذا رجل له عبد مملوك, وكان يُشغله في الشتاء بزرع الشتاء, وإذا انتهى من زرع الشتاء قال له: يا غلام! هيا نشتغل في بذر الصيف, وإذا انتهى بذر الصيف قال: الآن جاء وقت بذر الشتاء, فقال له: يا عم ! كلما انتهينا من شيء بدأنا بالآخر ! يُريد أنه لا يستريح, فقال السيد: لابُدَّ من هذا, فذهب العبد إلى البئر, ووقف على حافته, ورمى نفسه بالبئر, وقال باللهجة العامية: " الركيَّة, ولا خدمة ابن غنام " ومراده بالركية: البئر, فلما رآه قد أهوى قال له: أنت عتيق !

أشتري ديك بقرشين أفضل لي:

قال الشيخ رحمه الله: الصارخ هو الديك, وكان الناس في الأول ليس عندهم ساعات, وبعض الديكة يكون التوقيت عنه مضبوطاً, ولذلك تجد الديكة ساكتة في أول النهار, لأنه ليس وقت صلاة.

ومن الطرائف في الزمان السابق أنه عرضت ساعة كبيرة – والساعة ما كانت تُعرف وقد يكون البلد كله ليس فيه إلا ساعة واحدة – عُرضت هذه الساعة على رجل: فقال: بكم الساعة ؟ قيل: بريالين, وكان الريالان في الأول يُشترى بهما بيت كامل, فقال: أشترى ديكاً يثلث الليل بقرشين أفضل! أي: إذا مضى ثلث الثلث الأول أذن, وكذا إذا مضى الثُلُث الثاني والثلث الأخير, والسبب والله أعلم أن الملائكة تتنزل كثيراً, لأن الصارخ يصرخ عند رؤية الملك, ولهذا كان يُسنُّ لنا إذا سمعنا الصارخ أن نسأل الله تعالى من فضله, فتقول: اللهم إني أسالك من فضلك.

اللهم إني نويت أن أصلى صلاة الظهر أربع ركعات لله عز وجل:

سئل الشيخ: أنا عند كل فرض من الصلاة أقولُ: اللهم إني نويت أن أُصلى فرض صلاة الظهر الحاضرة أربع ركعات لله عز وجل, فهل هذا جائز ؟

فأجاب الشيخ رحمه الله: هذا بدعة, لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ولا عن أصحابه, فالنطق بالنية بدعة ينهى عنه...ومن طريف ما يذكر: أن عامياً صلى إلى جنب رجل يتحدث بالنية, فقال الرجل: اللهم إني نويت أن أصلى صلاة الظهر أربع ركعات لله عز وجل, خلف إمام المسجد – وعين المسجد – فلما أراد أن يكبر قال له العامي: اصبر بقي عليك شيء, قال: ما الذي بقي؟ قال: التاريخ: قُل: في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا فعرف الرجل أنه غلطان ولعله ترك ذلك إن شاء الله.

وختاماً فالطرف التي يذكرها العلامة محمد بن صالح العثيمين, رحمه الله, إنما كان يذكرها إذا جاءت مناسبة لذلك في شرح مسألة في درس من دروسه, فيحلي الشيخ المجلس بذكر بتلك الطرفة, التي لا تخلو من فائدة, والتي لها علاقة بموضوع الدرس.

ولذا فإن على المسلم ألا يكثر منها, فإن في ذلك مفاسد, قال الإمام النووي رحمه الله في كتاب: "الأذكار" : قال العلماء: المزاح المنهي عنه, هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه, فإنه يورث الضحك وقسوة القلب, ويشغلُ عن ذكر الله تعالى, والفكر في مهمات الدين.

وليعلم أن الطرائف كالملح في الطعام, والملح إذا زاد في الطعام أفسده, فمن أكثر منها ذهبت مروءته, وقلت هيبته, واُستخف به.

اللهم وفقنا للاقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مزاحنا, وفي سائر أعمالنا.   

                                كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ