كيف ننتقد؟!

من الطبيعي أن العمل الذي يظهر للناس، ويأخذ حظَّه من الشُّهرة والانتشار تَتَعَرَّض له آراء الناس بالسلْب أو الإيجاب، وتلك ميزة حقيقية، يحتاج إليها كلُّ مَن أراد لعمله التجويدَ والاستمرار، فكما أنَّ النقد الأدبي والفني له دوره الكبير،

  • التصنيفات: الشعر والأدب -

من الطبيعي أن العمل الذي يظهر للناس، ويأخذ حظَّه من الشُّهرة والانتشار تَتَعَرَّض له آراء الناس بالسلْب أو الإيجاب، وتلك ميزة حقيقية، يحتاج إليها كلُّ مَن أراد لعمله التجويدَ والاستمرار، فكما أنَّ النقد الأدبي والفني له دوره الكبير، وأثره في الانتقال إلى مرحلة النضوج والتميُّز، كذلك تحتاج كلُّ أعمال الناس؛ أفرادًا كانوا أو مؤسساتٍ وجماعاتٍ عاملةً.

 

ولكن كثيرًا ممن اعتادوا النقْد، غفلوا عن قيمتِه تلك، فتراهم يهدمون من حيث يجب البناء، فبعضُ هؤلاء يتعمَّدون تشْويه الصورة، وإلصاق التُّهَم بالآخرين، وربما لا يتعرَّضون للعمل نفسه، ولا يلْتَفِتون لحقيقتِه، وإنما يكون دأبُهم تقليلَ شأن العاملين، وإثبات نقائصهم، وقد يتعمَّدون إبراز النقائص والأخطاء وتضْخيمها؛ حتى لا يصيرَ للعَمَل حَسَنة واحدة.

 

وقد يكون نتيجة هذا النقْد - "الذي يفتقر إلى الأُصُول والمبادئ" - هجومٌ مضاد من أصحاب العمل، وحِرْصٌ على الدِّفاع عن أنفسهم، وتبْرئتها مما يُنسَب إليها، وهكذا يضيع العمل بين هجومٍ ودفاعٍ، ولا تحصل الاستفادة التي تُبتَغَى من نقْد الأعمال.

 

إنَّ النقد الذي يريد أن يبني وأن يُغَيِّر للأفضل، يجب ألَّا يكون حديثُه عن الأشخاص والهيئات، وإنما يتوَجَّه الحديث إلى ما قام به هؤلاء، فنبرز صوابه، ونشيد به، ونوَجِّه ما به من أخطاء، في صيغة متَّزِنة، بلا مبالَغة أو تَعَصُّب.

 

إنَّ ما يتوَجَّب على الناقد الأمين هو أن يعرضَ للعَمَل كاملًا، ثم يوضِّح بنظرةٍ موضوعيَّة محاسِن ذلك العمل، وآثاره الإيجابية، ثم يلتفت بنفْس الرُّوح الهادئة والموضوعية المنْصفة إلى ما يوجد بالعمل من خَلَل، وما يحتاج إليه من تصحيح وإعادة نَظَر، وهذا النقد الموضوعي البنَّاء كفيلٌ بأن يدْخُلَ قلوب وعقول مَن قاموا بهذا العَمَل، فيحدث الأَثَر الطيِّب الذي نرْجوه.

 

إننا جميعًا نريد التغْيير للأفضل، واختفاء الصور السلبية من حياتنا؛ ولكن لا يعني ذلك تَوْجِيه الشتْم والسباب إلى ما لا نرغبه، بل يكون بإِبْراز ما في الصورة الأخرى مِن جمال وما لها من ميزات، فيسعى أصحابُ الفهْم تلقائيًّا إلى تغليب تلك الصورة الحَسَنة.

 

لقد أَسَأْنا إلى ثقافتنا وفِكْرنا كثيرًا بالتعَصُّب والمبالَغة في تضْخيم الأخطاء أو العكس، وخسرنا بسبب ذلك القُدرة على التطْوير والإبداع.

 

لقد حان الوقت لنكفَّ عن رمْي الناس بالحجارة، وننظر بِمَوْضُوعية وصِدْق إلى ما يحمل العمل مِن قيمة.

 

________________________________________

الكاتب:فاطمة عبدالمقصود