تأملات فى سورة البلد
إيمان الخولي
لنعلم أن الرحمة نعمة ورزق فى قلوب أصحابها يقودهم إلى جنة الرضوان
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
إذا كانت سورة الفجر قد تحدثت عن من أحب المال وأكل التراث ولم يطعم المسكين فإن سورة البلد بينت ما هى الوسائل التى يكون فيها فكاك رقبة ذلك الشحيح بماله الذى يظن أنه مادة الحياة فترسم الآيات الطريق لما فيه عتقه من النار
تبدأ هذ السورة بقَسم عظيم على حقيقة ثابتة فى حياة الإنسان تغيب عنه فى كثير من الأحيان يقسم الله عزوجل بمكة بلد الله الحرام وما زادها حرمة وتعظيما وشرفا وجود النبى صلى الله عليه وسلم بها إذ يقول " {وأنت حِل بهذا البلد} " إنها بلد الأمن والأمان يضع المحاربون عندها أسلحتهم وخصوماتهم ...المعصية فيها ليست كالمعصية فى أى بلد آخرى فلنعظم حرمة هذا البلد
وقوله " {ووالد وما ولد} " : القسم عام فى كل والد ومولود لأن فيهما التطور والنطق والتبيان ومنهم الأنبياء
يقسم على حقيقة ثابتة فى حياة الإنسان أنه خلق فى كبد ومشقة وجهد إنها الحقيقة التى يغفل عنها كثير من الناس وهو يلهث وراء السعادة ويظنها فى الكمال وأن يكون كل شىء على مايرام ولايدرى أنه يلهث وراء سراب لا يحدث هذا إلا فى الجنة والتغافل عن ذلك أوإنكاره يؤدى إلى السخط ومن ثم الأمراض النفسية فكل شىء تريد الوصول إليه تدفع ثمنه من الكبد والمشقة فكل يكدح فهذا يكدح بفكره وهذا يكدح بعضلاته وهذا يكدح بروحه وهناك من يكدح من أجل نُصرة دينه وعلى الجانب الآخر هناك من يكدح من أجل معصية والمفلح من أنتهى كبده ومشقته فى الدنيا لينعم بالراحة فى الجنة أما الخاسر الذى واصل مشقة الدنيا بالآخرة لتنتهى به الحياة فى النار وهو الكبد الأعظم الذى لا نهاية له يظن البعض أن اصحاب المعاصى منعمين فى الدنيا وأهل الآخرة فى شقاء كيف ذلك ؟والخطاب موجه للإنسان عامة المؤمن والعاصى كل فى مشقة إذ يقول تعالى :" {إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} " [ آل عمران] فالكل يبحث عن الراحة سواء البدنية أو النفسية هذه قاعدة فى كتاب الحياة .
هذا الإنسان الذى وصل لكل شىء بمشقة وكبد تجده يطغى ويبطش ويظن أنه ذو منعة بماله وجاهه لن يقدر عليه أحد فيحاسبه وإذا دعى إلى الخير والبذل والعطاء تراه يستكثر ما أنفقه ويرئى بعمله وينسى أن الله رقيب على أفعاله يعرف حقيقة نيته وما بداخله
وفى قوله " {أهلكت مالا لبدا } "فى غمار هذا كله تجد الآيات تذكره بفضل الله عليه ونعمه أعطاه عينين ولسانا وشفتين تلك الجوارح التى يظن أنه يملكها وله حق التصرف فيها فقد تأتى يوم القيامة شاهده إما له وإما عليه وبين له طريق الخير وطريق الشر وعليه أن يختار وهل شكر الإنسان خالقه على هذه النعم ؟
وفى قوله :" {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)} "وكأن الآيات تربط بين الإيمان و فكاك الرقبة وإطعام الطعام وكأن الآيات تقول إنهم يطعمون ويعتقون الرقاب فضلاً عن إيمانهم والتعبير ب "ثم" هنا إنما هى للفضل والعلو للإيمان والصبر فالصبر يحتاج إلى إيمان ولا يكون إيمان بدون أخوة فى الله تعين على أمر الدين والدنيا تتواصى بالتراحم فيما بينها وبين المجتمع فالتراحم نتيجة للصبر والصبر ثمرة الإيمان أولئك هم أصحاب السعادة الحقيقية أصحاب اليمين وكأن الآيات ترسم الطريق لفكاك رقبتك أنت فلابد من إيمان يثمر صبراً فى التعاملات فتراحم بين الناس الذى ينتج عنه عمل وخص من الأعمال فى هذه الصورة ما يدل على اكتمال جوانب الرحمة فى قلب العبد الرحمة بالعبيد وتحريرهم والرحمة بالجائع الفقيرفهذه تعاملات بسيطة تجعل المسلم من أهل اليمين كيف لا وعنوان هذا الدين الرحمة والرسول ما أرسل إلا رحمة للعالمين وعلى الجانب الآخر يذكر الكافرين ولم يذكر الذين يفعلون كذا وكذا وهل بعد الكفر حسنة فالكافر أنهى علاقته من البداية بربه فكيف يكون له علاقة طيبة بالبشر ؟كيف يرحم من نزع الإيمان من قلبه ؟ولذلك تجد أكثر الناس رحمة بالآخر هو من له سر مع الله من صلاة أو صيام أو نسك معين أو كثرة ذكر وفى النهاية فهذه السورة مثلها مثل غيرها من سور جزء عم سور مكية نزلت فى بداية الدعوة تربط دائما بين العبادة والتعامل كما فى الماعون والهمزة وغيرها التى تقدم حق العباد على حق المولى عزوجل وتربط بينهم برباط الإيمان فلن يؤدى حق العباد من لا يؤدى حق الله وتنتهى سورة البلد بأن توصد أبواب الرحمة فى وجه الكافر وتفتح أبواب الجنان للمتراحمين لنعلم أن الرحمة نعمة ورزق فى قلوب أصحابها يقودهم إلى جنة الرضوان