الإمام القرطبى وكتابه الجامع لأحكام القرآن
هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن فَرح الأنصارى الخزرجى الأندلسى القرطبى المفسِّر ولد بقرطبة من بلاد الأندلس وتعلم فيها العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم وتلقى بها ثقافته الواسعة في الفقه والنحو والقراءات..
- التصنيفات: تراجم العلماء -
بسم الله الرحمن الرحيم
هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن فَرح الأنصارى الخزرجى الأندلسى القرطبى المفسِّر ولد بقرطبة من بلاد الأندلس وتعلم فيها العربية والشعر إلى جانب تعلمه القرآن الكريم وتلقى بها ثقافته الواسعة في الفقه والنحو والقراءات كما درس البلاغة وعلوم القرآن وغيرها ثم قدم إلى مصر واستقر بها وكانت وفاته بصعيدها ليلة الاثنين التاسع من شهر شوال سنة 671 هـ وقبره بالمنيا بشرق النيل.
وكان - رحمه الله - من عباد الصالحين والعلماء العارفين، زاهد في الدنيا مشغولاً بما يعنيه من أمور الآخرة وقد قضى عمره مشغولاً بين عباده وتأليف.
قال عنه الذهبي: \" إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة إطلاعه ووفود عقله وفضله\".
الحركة العلمية في عصر القرطبى:
نشطت الحياة العلمية بالمغرب والأندلس في عصر الموحدين (514 - 668 هـ) وهو العصر الذي عاش فيه القرطبي فترة من حياته أيام إن كان بالأندلس وقبل أن ينتقل إلى مصر ومما زاد الحركة العلمية ازدهاراً في هذا العصر:
أن محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية كان من أقطاب علماء عصره وقد أفسح في دعوته للعلم وحض على تحصيله.
كثرة الكتب والمؤلفات التي كانت بالأندلس، وكانت قرطبة أكثر بلاد الأندلس كتباً، وأشد الناس اعتناء بخزائن الكتب، وهذه النزعات العلمية التي اتسم بها خلفاء الموحدين وتلك المؤلفات التي غمرت بلاد الأندلس وشجعت العلماء وروجت سوق العلم فتعددت الهيئات العلمية في ربوع الأندلس وبين جوانبها ونهضت العلوم الشرعية كالفقه والحديث والتفسير والقراءات وكذلك علوم اللغة والتاريخ والأدب والشعر، وكان لهذا كله أثر كبير في التكوين العلمى للإمام القرطبي - رحمه الله -.
شيوخه:
من شيوخ القرطبي:
1) ابن رواج وهو الإمام المحدث أبو محمد عبد الوهاب بن رواج واسمه ظافر بن على بن فتوح الأزدي الإسكندراني المالكي المتوفى سنة 648هـ.
2) ابن الجميزي: وهو العلامة بهاء الدين أبو الحسن على بن هبة الله بن سلامة المصري الشافعي المتوفى سنة 649 هـ وكان من أعلام الحديث والفقه والقراءات.
3) أبو عباس أحمد بن عمر بن إبراهيم المالكي القرطبي: المتوفى سنة 656هـ (صاحب المفهم في شرح صحيح مسلم)
4) الحسن البكري: هو الحسن بن محمد بن عمرو التيمي النيسابوري ثم الدمشقي أبو على صدر الدين البكري المتوفى سنة 656 هـ
مؤلفاته:
ذكر المؤرخون للقرطبي - رحمه الله - عدة مؤلفات غير كتاب \"الجامع لأحكام القرآن\" وهو ذلكم التفسير العظيم الذي لا يستغني عنه طالب علم ومن هذه المؤلفات:
1) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (وهو مطبوع متداول)
2) التذكار في أفضل الأذكار (وهو أيضاً مطبوع متداول)
3) الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى
4) الإعلام بما في دين النصارى من المفاسد والأوهام وإجتهار محاسن دين الإسلام.
5) قمع الحرض بالزهد والقناعة.
وقد أشار القرطبي في تفسيره إلى مؤلفات له منها:
*) المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس.
*) اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينات النبوية.
\"تأثر القرطبى - رحمه الله - بمن قبله وتأثيره فيمن بعده\".
أولاً: تأثره بمن قبله:
الذي يطالع تفسير الإمام القرطبي يجده قد تأثر كثيراً بمن سبقوه من العلماء ومنهم:
1) الطبري: وهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب \"جامع البيان في تفسير القرآن\" والمتوفى سنة 310هـ أفاد منه القرطبي وتأثر به خاصة في التفسير بالمأثور.
2) الماوردي: وهو أبو الحسن على بن محمد المارودي المتوفى سنة 450هـ وقد نقل عنه القرطبي وتأثر به.
3) أبو جعفر النحاس: صاحب كتابي: \" إعراب القرآن، ومعاني القرآن\" توفى سنة 338هـ وقد نقل عنه القرطبي كثيراً.
4) ابن عطية: وهو القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية صاحب \"المحرر الوجيز في التفسير\"، وقد أفاد القرطبي منه كثيراً في التفسير بالمأثور وفي القراءات واللغة والنحو والبلاغة والفقه والأحكام توفي ابن عطية - رحمة الله - سنة 541هـ.
5) أبو بكر العربي: صاحب كتاب \"أحكام القرآن\" والمتوفى سنة 543هـ، أفاد منه القرطبي وناقشه ورد هجومه على الفقهاء والعلماء.
ثانياً: تأثيره فيمن بعده:
تأثر كثير من المفسرين الذين جاءوا بعد القرطبي وانتفعوا بتفسيره وأفادوا منه كثيراً ومن هؤلاء:
1) الحافظ ابن كثير: عماد الدين إسماعيل بن عمرو بن كثير المتوفى سنة 774هـ.
2) أبو حيان الأندلسي: الغرناطي المتوفى سنة 754هـ وذلك في تفسيره البحر المحيط.
3) الشوكانى: القاضي العلامة محمد بن على الشوكاني المتوفى سنة 1255هـ، وقد أفاد من القرطبي كثيراً في تفسيره (فتح القدير)
مزايا الكتاب:
يعتبر تفسير القرطبي موسوعة عظيمة حوت كثيراً من العلوم وأهم ما يميزه:
1) تضمنها أحكام القرآن بتوسع.
2) تخريجه الأحاديث وعزوها إلى من رووها غالباً.
3) صان القرطبي كتابه عن الإكثار من ذكر الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة إلا من بعض مواطن كان يمر عليها دون تعقيب.
4) كما أنه كان إذا ذكر بعض الإسرائيليات والموضوعات التي تخل بعصمة الملائكة والأنبياء أو يخل بالاعتقاد فإنه يكر عليها بالإبطال أو يبين أنها ضعيفة كما فعل في قصة هاروت وماروت، وقصة داود وسليمان وقصة الغرانيق وكذلك ينبه أيضاً على بعض الموضوعات في أسباب النزول.
ما يؤخذ على كتابه في التفسير (الجامع لأحكام القرآن)
نقول: مع أن تفسير القرطبي - رحمه الله - من أعظم التفاسير نفعاً إلا أنه لم يخل من بعض هَينَات - والكمال لله وحده - كان يمر عليها من دون تعليق أو تعقيب.
ومن أمثلة ذلك:
ما ذكره من الإسرائيليات عند تفسيره لبعض الآيات ومنها ما ذكره عند تفسير قوله - تعالى - \" {الَّذِينَ يَحمِلُونَ العَرشَ وَمَن حَولَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِّهِم} [غافر: من الآية7].
فقد ذكر أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش إلى غير ذلك من الأخبار الخرافية.
كما لم يخل كتابه من الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة التي تحتاج إلى إنتباه أثناء مطالعة الكتاب.
كما كان - رحمه الله - ينقل عن بعض المصادر دون أن يشير أو يصرح بذلك.